وأوصي الجميع ونفسي بتقوى الله عز وجل.
أوصي الجميع ونفسي ببر الوالدين، وأن لا ينسى الإنسان عهودا مضت، وأياما خلت من أم حليم رحيم طالما أحسنت إليه وأكرمته، وأن لا يقابل الإحسان إلا بالإحسان فما جزاء الإحسان إلا الإحسان.
يا هذا:
كم تعبت أمك، وكم شقيت وكم عانت، وكم رأت من شدائد وأهوال لا يعلمها إلا ذي العزة والجلال.
حملتك فكان بطنها لك وعاء، وثديها لك سقاء، وحجرها لك حواء.
كم عانت من أجلك، وكم كابدت في سبيل خروجك ورأت الموت أمام عينيها.
وما زلت كل يوم تزداد ثقلا إلى ثقل، وهي فرحة بقدومك مستبشرة بمجيئك لعل الله أن يقر عينها بك، فتبرها عند الكبر، وتحسن إليها عند الضعف، وتذكرها عند المشيب والكبر.
فلما دنت ساعة والدتك دنى الموت منها، فأشفقت على نفسها ورأت الأهوال فاستغاثت بربها حتى لو خيرت بين أن تموت وتخرج أنت سالما لاختارت موتها.
فلما خرجت وصحت صيحتك تبددت أحزانها وزالت أشجانها، وفرحت بك واستبشرت فنسيت جميع ما رأت وجميع ما كابدت، وكلها أمل أن تذكر منها ذلك ولا تنساه، وأن تقابله بالإحسان ولا تقابله بالإساءة، وأن تقابله بالكرامة لا بالمهانة.
فلما رق عظمها، وشاب شعرها، وخارت قواها وقفت في آخر عمرها فإذا بك قد وليتها ظهرك وأسمعتها ما يكون من عقوقك.
فويل لك من الله إن لم تتب إلى الله.
ويل لك من الله إن لم تُنب إلى ربك، وتقبل على أمك فتحسن من بعد إساءة، وتجثو على ركبتيك عندها وتقول:
أماه سامحيني في مضى، واغفري لي ما كان.
و إلا ستصيبك نقمة من الله.
قال يا رسول الله أقبلت من اليمن أبايعك على الهجرة والجهاد وتركت أبواي يبكيان وأريد الجنة.
قال (صلى الله عليه وسلم) أتريد الجنة؟
قال نعم، قال أرجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما ولك الجنة.
فارجع إلى أمك فأضحكها كما أبكيتها، وأحسن إليها ولا تسيء إليها.
بر الوالدين وخاصة الأم دين لا يستطيع الإنسان أن يقضيه، حتى ولو ماتت وخرجت من الدنيا فإنها أحوج ما تكون إلى دعوة صالحة، يذكرها أبنها والصالح من أولادها لعل الله أن يفسح لها في قبرها، فأسأل ربك لها الرحمة وأحسن إليها حية وميتة، وبرها صحيحة ومريضة والزم رجلها فإن الجنة ثم.
يا هذا:
باب من أبواب الجنة جعله الله لك فلا تغلقه في وجهك، أمك وما أدراك ما أمك، إن بررتها وخرجت من عندها وهي راضية عنك، فدعت لك دعوة فتحت لك بها أبوب السماوات.
أحسن إلى أمك لعل الله أن يحسن إليك، وأدعوك أن تنيب إلى ربك وأن تتذكر ما كان من فضلها عليك.
وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا وإياكم البر وأن يعيذنا من العقوق.
اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى، يا إله الأولين والآخرين، ويا أرحم الراحمين، نسألك في هذا المجلس المبارك أن تسبغ شآبيب رحماتك على قبور آبائنا وأمهاتنا.
اللهم أشملهم بعفو منك وبر، نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن لا تدع واحدا منهم ضيقا في قبره إلا أفسحت له فيه وزدته نورا وفرحا وسرورا.
يا أرحم الراحمين اللهم اجزهم عن إحسانهم إلينا إحسانا، اللهم أحسن إليهم كما ربونا صغارا.
اللهم لا يغرف معروفهم إلا أنت، ولا يجزي إحسانهم أحد غيرك، اللهم أجعل درجاتهم في المهديين، واخلفهم في عقبهم في الغابرين، ونر لهم قبورهم وأفسح لهم فيها يا أرحم الراحمين.
اللهم ومن كان منهم حيا فأحسن خاتمته، وأطل في الطاعة أجله، وبارك في عمره وقوله وعمله يا رب العالمين، وأجزهم عنا خير الجزاء وأحسنه يا أرحم الراحمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد