: قال الإمام القرطبي مرجحاً القول بالرد:[ فإن قيل: الأصل تصرف الإنسان في ماله مطلقاً، قيل له: الأصل الكلي والواقعة المعينة المخالفة لذلك الأصل لا تعارض بينهما كالعموم والخصوص.وفي الأصول أن الصحيح بناء العام على الخاص، ثم إنه ينشأ عن ذلك العقوق الذي هو أكبر الكبائر، وذلك محرم، وما يؤدي إلى المحرم فهو ممنوع، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم). قال النعمان: فرجع أبي فردَّ تلك الصدقة، والصدقة لا يعتصرها الأب بالإنفاق وقوله: (فأرجعه) محمول على معنى فاردده، والرد ظاهر في الفسخ، كما قال عليه السلام (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود مفسوخ. وهذا كله ظاهر قوي، وترجيح جلي في المنع. ] تفسير القرطبي 6/214.
ولا بد من تذكير الآباء أنه ينبغي عند توزيع أموالهم على أولادهم أن يكون ذلك التوزيع في بعض الأموال، وليس في كلها حتى لا يحرم الأب نفسه من ماله، وخاصة إذا امتد به العمر، فيصبح عالة يتكفف الناس، وكذلك إذا وجد ورثة آخرون كما يحصل أن يتزوج زوجة أخرى وقد يرزقه الله عز وجل أولاداً آخرين، فيحرمون من أمواله، وهذا ليس عدلاً ولا إنصافاً. وهنا يأتي قول بعض أهل العلم إن الأفضل أن لا يوزع الوالد أمواله على أولاده حال حياته، بل يتركها لتوزع بعد موته توزيع الميراث الشرعي، وهذا الأمر له حسنات كثيرة. [ قال – الإمام - أحمد: أحب أن لا يقسم ماله، ويدعه على فرائض الله تعالى لعله أن يولد له فإن أعطى ولده ماله، ثم ولد له ولد فأعجب إليَّ أن يرجع فيسوي بينهم، يعني يرجع في الجميع أو يرجع في بعض ما أعطى كل واحد منهم ليدفعوه إلى هذا الولد الحادث,، ليساوي إخوته ] المغني 6/61.
وخلاصة الأمر أنه يجوز للوالد أن يوزع أمواله على أولاده حال حياته وأن ذلك لا يعتبر ميراثاً، لأن من شرط الميراث موت المورث، ويعد ذلك من الهبة، ولكن لا بد من تحقق الشروط التي ذكرتها.