ومن قصص الشباب في الإسلام.. قراء القرآن المخلصون العاملون الزاهدون، روى الإمام أحمد في المسند قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ شَبَابٌ مِنْ الْأَنْصَارِ سَبْعِينَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ قَالَ كَانُوا يَكُونُونَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا أَمْسَوْا انْتَحَوْا نَاحِيَةً مِنْ الْمَدِينَةِ فَيَتَدَارَسُونَ وَيُصَلُّونَ يَحْسِبُ أَهْلُوهُمْ أَنَّهُمْ فِي الْمَسْجِدِ وَيَحْسِبُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ أَنَّهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي وَجْهِ الصُّبْحِ اسْتَعْذَبُوا مِنْ الْمَاءِ وَاحْتَطَبُوا مِنْ الْحَطَبِ فَجَاءُوا بِهِ فَأَسْنَدُوهُ إِلَى حُجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعًا فَأُصِيبُوا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتَلَتِهِمْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ" اهـ.
وهذا الشابُّ الزاهدُ العابدُ عبدُ اللهِ بنِ عَمْرِوْ بنِ العاصِ: روى الإمام أحمد قال: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُغِيرَةَ الضَّبِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: "زَوَّجَنِي أَبِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيَّ جَعَلْتُ لَا أَنْحَاشُ لَهَا مِمَّا بِي مِنْ الْقُوَّةِ عَلَى الْعِبَادَةِ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، فَجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى كَنَّتِهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ وَجَدْتِ بَعْلَكِ؟!.. قَالَتْ: خَيْرَ الرِّجَالِ أَوْ كَخَيْرِ الْبُعُولَةِ مِنْ رَجُلٍ، لَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا، وَلَمْ يَعْرِفْ لَنَا فِرَاشًا، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَعَذَمَنِي وَعَضَّنِي بِلِسَانِهِ، فَقَالَ: أَنْكَحْتُكَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ ذَاتَ حَسَبٍ فَعَضَلْتَهَا، وَفَعَلْتَ، وَفَعَلْتَ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَانِي، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: أَتَصُومُ النَّهَارَ؟! قُلْتُ :نَعَمْ، قَالَ: وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟! قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَمَسُّ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي، قَالَ اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ، قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ، قَالَ- أَحَدُهُمَا إِمَّا حُصَيْنٌ وَإِمَّا مُغِيرَةُ- قَالَ: فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قُلْتُ: إِنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُنِي حَتَّى قَالَ: صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الصِّيَامِ، وَهُوَ صِيَامُ أَخِي دَاوُدَ، قَالَ حُصَيْنٌ فِي حَدِيثِهِ: ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَإِنَّ لِكُلِّ عَابِدٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً، فَإِمَّا إِلَى سُنَّةٍ، وَإِمَّا إِلَى بِدْعَةٍ،فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّةٍ فَقَدْ اهْتَدَى،وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ".
قَالَ مُجَاهِدٌ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو حَيْثُ ضَعُفَ وَكَبِرَ يَصُومُ الْأَيَّامَ كَذَلِكَ يَصِلُ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ لِيَتَقَوَّى بِذَلِكَ، ثُمَّ يُفْطِرُ بِعَدِّ تِلْكَ الْأَيَّامِ، قَالَ: وَكَانَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ حِزْبِهِ كَذَلِكَ يَزِيدُ أَحْيَانًا وَيَنْقُصُ أَحْيَانًا غَيْرَ أَنَّهُ يُوفِي الْعَدَدَ إِمَّا فِي سَبْعٍ وَإِمَّا فِي ثَلَاثٍ، قَالَ: ثُمَّ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: لَأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ أَوْ عَدَلَ لَكِنِّي فَارَقْتُهُ عَلَى أَمْرٍ أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ" اهـ.
عباد الله: هؤلاء هم الرجالُ الرجال، عَلِمُوا فَعَمِلُوا، وعَمِلُوا فأَخلَصُوا، وأَخلَصُوا فأُخْلِصُوا، اللهم يا ربنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى- وأنت أكرم مسؤول- أن تجعلنا معهم، فأصلحنا بعملنا بكتابك، وبسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، واسلك بنا سبيل السلف الصالحين.
أيها الناس، يا عباد الله:
من قصص الشباب في الإسلام، ها هو النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يرى الشبابَ ويخاطبهم بقوله: "إنِّي لأُحِبُّكُم": فقد روى الإمام أحمد في المسند قال: حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَهُ ذَاتَ يَوْمٍ صِبْيَانُ الْأَنْصَارِ وَالْإِمَاءُ فَقَالَ: "وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكُمْ" اهـ .
وها هو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بتعليمهم القراءةَ والكتابةَ: ففي مسند أحمد قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ قَالَ دَاوُدُ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ نَاسٌ مِنْ الْأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِدَاءٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ قَالَ فَجَاءَ يَوْمًا غُلَامٌ يَبْكِي إِلَى أَبِيهِ فَقَالَ مَا شَأْنُكَ قَالَ ضَرَبَنِي مُعَلِّمِي قَالَ الْخَبِيثُ يَطْلُبُ بِذَحْلِ بَدْرٍ وَاللَّهِ لَا تَأْتِيهِ أَبَدًا" اهـ.
وكان السلفُ يحرصون على تعليم الغلمان القرآن، والسِّبَاحَةَ، وَالرِّمَايَةَ، وَالْفُرُوسِيَّةَ؛ روى ابن أبي شيبة في المصنف قال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، قَالَ: "كَانَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلِّمُوا أَوْلاَدَكُمْ وَأَهْلِيكُمَ الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ مَنْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَاكْتَنَفَاهُ فَقَالاَ لَهُ: اقْرَأْ وَارْتَقِ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَنْزِلوا بِهِ حَيْثُ انْتَهَى عَمَلُهُ مِنَ الْقُرْآنِ" اهـ.
هذا هو السبيل، فلنتبع ولا نبتدع، ولنعمل جاهدين شيباً وشباباً على تحصيل المكارم واجتناب المآثم، ولنسع في جمع الكلمة وتوحيد الصف، ونبذ الانقسام بالعمل لا بالقول، ولنجتنب التهييج على ولاة الأمر، والإعلان بالخروج عليهم، فهو باب فتنة لا ينغلق، ومهب عاصفةٍ مدمرة، ويجلب التدخلات والمكائد من الأعداء، ولا يكون الإصلاح والتغيير بالفساد ولا بالإفساد، وكفى ما بنا من البلاء، فلنطع ولي أمرنا.. ولنتق الله مسرعين لنجتمع عليه فهو رمزنا، وفئتنا، وهو عنواننا في المحافل الدولية الذي يلتفت إليه، ألا وصلوا وسلموا على خير الخليقة، وأزكاها عند الله على الحقيقة، فقد أمركم الله به اتباعاً لهديه فقال: {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} الأحزاب 56..
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين- أبي بكر وعمر وعثمان وعلي- وعن آله المرضيين، وسائر الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.