الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, وآله وصحبه أجمعين, أما بعد:فإن عظم المسئولية وثقل الأمانة الملقاة
اليوم على عاتق المصريين يحتم على أهل العلم والدعوة أن يقدموا النصح
للأمة بشأن اختيار رئيس البلاد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "
الدين النصيحة". قلنا: لمن؟ قال: "
لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" (أخرجه مسلم).
وأن يوضحوا للأمة كيفية النظر في هذه المسألة، وفق قواعد الشرع المطهر. ومساهمةً في هذا الأمر الجلل، هذه جملة نقاط مهمة:
أولاً:
المرشح الرئاسي الذي لا ينتسب إلى الإسلام والسنة عقيدةً وشريعة ليس محل
قبولٍ أو ثقةٍ، مهما أعطى من وعود براقة، ولا يحلُّ بحالٍ ترشيحُ علماني
متنكب لطريق الشريعة.
ثانيًا:
الأصل في المرشح الذي يستمطر معونة الله في حمل أمانته والقيام بعبء
مسئوليته أن يُراد للرئاسة وألا يريدها، وأن يُدعى إليها لا أن يطلبها،
وعلى أهل الحل والعقد اليوم ألا يقتصروا في الاختيار على من رشح نفسه، فإن
هذا خلاف الأصل الشرعي: "إنا لا نولي هذا الأمر من طلبه"، "لا تسأل
الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألةٍ وكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة
أعنت عليها" (متفق عليه).
ومع القول بجواز التقدم والترشح
في ظروفنا الحالية إلا أنه على أهل الحل والعقد أن يتصفحوا أحوال المتأهلين
ليقدِّموا أمثلهم، وألا يكتفوا بالاختيار من بين من رشح نفسه فقط، وهذه
مسئوليتهم التي أنيطت بهم عبر التاريخ.
ثالثًا:
إن انفراد شخصٍ ما مهما كان قدره، أو جماعةٍ أو هيئةٍ مهما كان وزنها بهذا
الأمر، والاستقلال به عن غير مشورةٍ أو مناصحةٍ مع بقية الجهات الاعتبارية
- ليس من الرشاد ولا من طريق السداد في قليلٍ أو كثير، كما أن المواقف
المتشنجة في دعم مرشحٍ ما، والقطع في مسألة اجتهادية كهذه بأيمانٍ أو
باتهامٍ للآخرين ضيق عطنٍ، على الدعاة أن يتنزهوا عنه.
رابعًا:
بغض النظر عن شكل الدستور القادم والدولة المقبلة وهل هي رئاسية أم
برلمانية أم مختلطة، فسيظل إحسان اختيار الرئيس مطلبًا مهمًّا وشأنًا
خطيرًا في بلدٍ بوزن مصر الحبيبة، ولا يصلح التفريط في تقديم أنسب المرشحين
في ظل ظروفنا الحالية.
خامسًا:
الأصل في المرشح المنتسب للإسلام والسُّنَّة أن يكون توافقيًّا مع بني
قومه لا تصادميًّا، وذلك في حدود الشرع وضوابطه، ولن يُقبل بتوافق يجمع
التناقضات بين الإسلام وغيره.
سادسًا:
عند المفاضلة بين المرشحين المحتملين يتعين النظر للظرف الداخلي
وملابساته، وللشأن العالمي وتعقيداته، كما يتعين النظر في مواصفات المرشح
الشخصية وإمكاناته التنفيذية وخبراته العملية؛ لما لذلك من وثيق الصلة
بالترجيح بين المرشحين المحتملين.
سابعًا: من الشأن الداخلي المعتبر عند النظر في هذا الأمر ما يلي:
1-
سوف يتحمل الرئيس القادم مع الحكومة والبرلمان أعباء ومشاكل وتبعات عقودٍ
من الأنظمة المستبدة، وهذا يعني اقتصادًا منهارًا، وبنيةً مفككةً للدولة،
وفسادًا مستشريًا داخل كل الأجهزة تقريبًا، وتنفذًا لفلول النظام السابق في
معظم القطاعات، وهو ما سيكون عقبةً حقيقية أمام مشروع النهضة، واختبارًا
صعبًا للجميع، ووضعًا للنموذج الإسلامي على المحك العملي.
2-
إن المضي قدمًا في النموذج الإسلامي للحكم أمرٌ له تبعاته الداخلية، والتي
ستطال الشعب المصري برمته، فلا بد من تهيؤ للتضحيات، وقبول بتحمل مزيدٍ من
الضغوط الاقتصادية في الجوانب المعيشية. فهل مظاهرات المصريين اليوم
وإضراباتهم الفئوية التي تطالب بتحسين اقتصادهم وزيادة دخلهم تدل على
استعدادهم لمزيد من الضغوط؟ ذلك كله في ظل دَيْن إجمالي قدره تريليون
ومائتا مليار جنيه.
3- لقد تسنَّم الدعاة إلى الله القيادة
اليوم على حينٍ من انشغال بالدعوة لا الدولة، فأسسوا أحزابًا، واستحدثوا
أعمالاً وتخصصاتٍ جديدة في كياناتهم، وهي تحتاج إلى وقتٍ ما لتؤتي ثمارها
في قيادات شابة وكفاءات طموحة، وسيحتاج الجميع إلى وقت تجري فيه عملية
إحلالٍ وإبدال.
4- لدى المشروع الإسلامي اليوم معارضون
كُثُر يتملكون ناصية الإعلام الممول غربيًّا ومن أصحاب المصالح ورجال
الأعمال الفاسدين. وهنا قلّة نصرانية تسعى لإشعال الحرائق بين المسلمين
وغيرهم، متواصلين في ذلك مع بعض من يُسمُّون بأقباط المهجر وأعداء الإسلام.
5-
تدفقت على البلاد اليوم عبر الحدود البرية الليبية والسودانية كميات كبيرة
من الأسلحة التي لا يُدرى مصيرها ولا سبب دخولها ولا توقيت استعمالها حتى
الآن، وهذا الشأن يلاحق أمنيًّا كما هو معلوم.
6- تدفقت
أموال على البلاد عبر السنة الماضية، وأودعت لدى جمعيات ومنظمات لا يُدرى
مصيرها ولا أسباب دخولها ولا توقيت استعمالها حتى الآن، وهذا الشأن ينظر
قضائيًّا كما هو معلوم.
7- بين جهاز الشرطة والمصريين بشكل
عامّ وحشة، وبين الأجهزة الأمنية والدعاة إلى الله تعالى في العهد البائد
خصومة ومظالم، وعداوات تربت عليها أجيال، وبدرجة أقل وبصورة أخف الموقف من
الحكم العسكري, وذلك كله مما يجب اعتباره عند النظر في الشأن الداخلي
لخصوصية العلاقة بين الرئيس ومؤسسة الداخلية والمؤسسة العسكرية.
وفي الشأن الخارجي ملامح يتعين التنبه لها منها:
أ-
وجود مخططات تفكيك البلاد وتقسيمها بُغية إضعافها، وإضعاف جيوشها. ويلاحظ
تفكيك الجيش العراقي والليبي وسقوط السوري، وتفتُّت السوداني، وضعف الجيوش
الخليجية بشكل عام، والرهان الآن على الجيش المصري الباسل، والذي يبدى
تماسكًا أمام مؤامرات كثيرة لانقسامه وانهياره من أعداء الخارج والداخل،
وللأسف من بعض الطيبين ذوي النوايا الحسنة.
ب- توتر الحدود
المصرية الإسرائيلية والليبية وتقسيم السودان، والتغلغل اليهودي في
إفريقيا وفي منابع النيل، ووجود الناتو في قلب المنطقة العربية (ليبيا)،
والسواحل قبالة فلسطين، إضافةً إلى أمريكا في الخليج.
ت-
حالة الاستنفار والاستعداء الغربي ضد ما يجري على أرض مصر ومحاولات الضغط
السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي المستمرة، وأخيرًا التلويح
باستخدام القوة الصلبة بدلاً من الناعمة.
ث- تشكيل محور
دولي يعمل ضد الثورة المصرية، ويسعى لإفشالها وإجهاض التجربة المصرية عامة،
وتشويه الجانب الإسلامي منها بشكل أخص؛ وذلك لأسباب معروفة لا تخفى.
ثامنًا: تُطلب في الرئيس القادم بخصوصه المواصفات الشخصية التالية:
1- أن يكون قويًّا في شخصيته، قويًّا في ديانته، أمينًا على مسئوليته.
2- أن يحسن إدارة العلاقات والتوازنات السياسية داخليًّا وخارجيًّا.
3- أن يكون ذا صفات أخلاقية راقية، وحضور إعلامي، وجماهيرية وقبول شعبي، وذكاء فطري.
4- ألا يكون مستبدًّا برأيه بحكم سيرته وشخصيته, شوريًّا في طريقته ومنهجيته.
5- أن يكون قادرًا على الإدارة التنفيذية، ممارسًا لها من قبل، متمكنًا من التواصل والعمل تحت الضغوط المختلفة.
6- ألا يكون جبانًا ضعيفًا، ولا متهورًا عجولاً يورد الأمة موارد الندامة.
نسأل
الله عز وجل أن يوفق أهل الحل والعقد في الأمة اليوم إلى خير من بحضرتها
من ولاة أمرها، ونسأله تعالى أن يولي أمورنا خيارنا وألا يولي علينا إلا من
يخافه ويتقيه.. إنه أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، والحمد لله رب
العالمين.