غزوة حنين
حدثنا أبو عبد الله محمد بن شجاع الثلجي قال حدثنا الواقدي قال حدثنا محمد
بن عبد الله وعبد الله بن جعفر ، وابن أبي سبرة ومحمد بن صالح وأبو معشر
وابن أبي حبيبة ومحمد بن يحيى بن سهل ، وعبد الصمد بن محمد السعدي ، ومعاذ
بن محمد وبكير بن مسمار ويحيى بن عبد الله بن أبي قتادة ; فكل قد حدثنا
بطائفة وغير هؤلاء حدثنا ممن لم أسم أهل ثقة فكل قد حدثنا بطائفة من هذا
الحديث وبعضهم أوعى له من بعض وقد جمعت كل ما قد حدثوني به . قالوا : لما
فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة مشت أشراف هوازن بعضها إلى بعض وثقيف
بعضها إلى بعض وحشدوا وبغوا وأظهروا أن قالوا : والله ما لاقى محمد قوما
يحسنون القتال فأجمعوا أمركم فسيروا إليه قبل أن يسير إليكم . فأجمعت هوازن
أمرها وجمعها مالك بن عوف - وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة - وكان سيدا فيها ،
وكان مسبلا ، يفعل في ماله ويحمد . فاجتمعت هوازن كلها ، وكان في ثقيف
سيدان لها يومئذ قارب بن الأسود بن مسعود في الأحلاف ، هو [ الذي ] قادها ;
وفي بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحارث - ويقال الأحمر بن الحارث - وهو
الذي قادها مواليا ثقيفا ; فأوعبت كلها مع هوازن ، وقد أجمعوا المسير إلى
محمد فوجد ثقيفا إلى ذلك سراعا ، فقالوا : قد كنا نهم بالمسير إليه ونكره
أن يسير إلينا . ومع ذلك لو سار إلينا لوجد حصنا حصينا نقاتل دونه وطعاما
كثيرا ، حتى نصيبه أو ينصرف . ولكنا لا نريد ذلك ونسير معكم ونكون يدا
واحدة . فخرجوا معهم . قال غيلان بن سلمة الثقفي لبنيه وهم عشرة إني أريد
أمرا كائنة له أمور لا يشهدها رجل منكم إلا على فرسه . فشهدها عشرة من ولده
على عشرة أفراس فلما انهزموا بأوطاس هربوا ، فدخلوا حصن الطائف فغلقوه .
وقال كنانة بن عبد ياليل : يا معشر ثقيف ، إنكم تخرجون من حصنكم وتسيرون
إلى رجل لا تدرون أيكون لكم أم عليكم فمروا بحصنكم أن يرم ما رث منه .
فإنكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه . فأمروا به أن يصلح . وخلفوا على مرمته
رجلا وساروا . وشهدها ناس من بني هلال ليسوا بكثير ما يبلغون مائة ولم
يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب . ولقد كانت كلاب قريبة فقيل لبعضهم لم
تركتها كلاب فلم تحضرها ؟ فقال أما والله إن كانت لقريبة ولكن ابن أبي
البراء مشى فنهاها عن الحضور فأطاعته وقال والله لو نأوا محمدا من بين
المشرق والمغرب لظهر عليه .
ونصرها دريد بن الصمة في بني جشم وهو يومئذ ابن ستين ومائة سنة . شيخ كبير
ليس فيه شيء إلا التيمن به ومعرفته بالحرب وكان شيخا مجربا ، وقد ذهب بصره
يومئذ . وجماع الناس . ثقيف وغيرها من هوازن ، إلى مالك بن عوف النصري ،
فلما أجمع مالك المسير بالناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس
فجاءوا معهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم حتى نزلوا بأوطاس . واجتمع الناس به
فعسكروا وأقاموا به وجعلت الأمداد تأتيهم من كل ناحية . ودريد بن الصمة
يومئذ في شجار يقاد به على بعير فمكث على بعيره فلما نزل الشيخ لمس الأرض
بيده . فقال بأي واد أنتم ؟ قالوا : بأوطاس . قال نعم مجال الخيل لا حزن
ضرس ولا سهل دهس ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وثغاء الشاء وخوار
البقر . وبكاء الصغير ؟ قالوا : ساق مالك من الناس أبناءهم ونساءهم
وأموالهم . قال يا معشر هوازن ، أمعكم من بني كلاب بن ربيعة أحد ؟ قالوا :
لا . قال فمعكم من بني كعب بن ربيعة أحدا ؟ قالوا : لا . قال فهل معكم من
بني هلال بن عامر أحد ؟ قالوا : لا . قال دريد لو كان خيرا ما سبقتموهم
إليه ولو كان ذكرا أو شرفا ما تخلفوا عنه فأطيعوني يا معشر هوازن ، وارجعوا
وافعلوا ما فعل هؤلاء فأبوا عليه . قال فمن شهدها منكم ؟ قالوا : عمرو بن
عامر ، وعوف بن عامر . قال ذانك الجذعان من عامر لا يضران ولا ينفعان ثم
قال أين مالك ؟ قالوا : هذا مالك . فدعا له فقال يا مالك . إنك تقاتل رجلا
كريما ; وقد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا كائن اليوم لما بعده من الأيام يا
مالك ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وخوار البقر وبكاء الصغير وثغاء
الشاء ؟ قال مالك سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم . قال دريد ولم ؟
قال مالك أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله وولده ونساءه حتى يقاتل عنهم .
قال فأنقض بيده ثم قال راعي ضأن ما له وللحرب ؟ وهل يرد المنهزم شيء ؟
إنها إن كانت لكم لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك
ومالك ثم قال ما فعلت كعب وكلاب ؟ قالوا : لم يشهدها منهم أحد . قال غاب
الجد والحد ، ولو كان يوم رفعة وعلاء لم تغب عنه كعب ولا كلاب . يا مالك
إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا : فإذا صنعت ما صنعت
فلا تعصني في هذه الخطة ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعليا قومهم وعزهم ثم الق
القوم على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك ; وكان أهلك لا خوف
عليهم . وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك . فغضب مالك من قوله
وقال والله لا أفعل . ولا أغير أمرا صنعته ، إنك قد كبرت وكبر علمك . وحدث
بعدك من هو أبصر بالحرب منك قال دريد يا معشر هوازن ، والله ما هذا لكم
برأي هذا فاضحكم في عورتكم وممكن منكم عدوكم . ولاحق بحصن ثقيف وتارككم
فانصرفوا واتركوه فسل مالك سيفه ثم نكسه ثم قال يا معشر هوازن ، والله
لتطيعنني أو لأتكئن على السيف حتى يخرج من ظهري وكره مالك أن يكون لدريد
فيها ذكر ورأي فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا : والله لئن عصينا مالكا ، وهو
شاب ، ليقتلن نفسه ونبقى مع دريد . شيخ كبير لا قتال فيه . ابن ستين ومائة
سنة . وأجمعوا أمرهم مع مالك . فلما رأى ذلك دريد وأنهم قد خالفوه . قال
هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه
يا ليتني فيها جذع
أخب فيها وأضع
وكان دريد قد ذكر بالفروسية والشجاعة ولم يكن له عشرون سنة وكان سيد بني
جشم وأوسطهم نسبا . ولكن السن أدركته حتى فني فناء - وهو دريد بن الصمة بن
بكر بن علقمة .
=======
لمتابعة غزوة حنين اضغط .... هنا