العطش..الجوع..الكسل..
سوء الخلق.. عباراتٌ تتردد في أذهان بعض الناس عندما يسمعون أن شهر رمضان على
الأبواب..
• فتح أبواب الجنان.. تصفيد الشياطين.. مضاعفة الحسنات.. تحصيل التقوى.. أعلام تخفق
من بعيد كأنها تقول: "إن الجوع والعطش والتعب لا يساوي شيئاً أمام هذه الغنائم".
• على المسلم أن ينظر إلى الغنائم وإلى حكمة الله - عز وجل - في فرض رمضان، ونهاية
تلكم الحِكَم هي التقوى، ومن حصل عليها حصل على وسام المتقين؛ فماذا يريد بعد هذا؟
فقد قال ربنا عن حال الواردين على النار: (ثم ننجي الذين اتقوا)، وقال عن أهل الجنة:
(تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياَ).
• رمضان منّة الله على عباده، يشتاق إليه المؤمنون الصادقون، ويتمنى لقاؤه المخلصون
الذين يريدون الله والدار الآخرة، الذين "يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان"،
الذين يوقنون بلطف الله على عباده ورحمته بهم وأنه - تعالى - كما قال: (تلك الجنة
التي نورث من عبادنا من كان تقيا) وأنه - سبحانه - كما قال: (لا يكلف الله نفساً
إلا وسعها) وأنه - عز وجل - كما قال: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وأنه - عز
وجل - ما فرض عليهم الصيام إلا لعلمه بمصالح لخلقه، وأنه خير لهم (وأن تصوموا خير
لكم) وأنه لا يكلفهم فوق ما يستطيعون؛ فيسلمون ويمتثلون. وحتى نكون من الفرحين
بقدوم هذا الشهر الكريم المستبشرين بحلوله علينا يجب أن نتذكر أموراً منها:
[1] سعة رحمة الله - عز وجل - بعباده كما قال المولى - جل وعلا -: (ورحمتي وسعت كل
شيء) وبهذه الرحمة يريد لنا النجاة من النار والفوز بالجنة، كما في دعاء الملائكة
للمؤمنين: (ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً، فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وفهم
عذاب الحجيم، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم(، والصيام من أكبر الأسباب الموصلة
لرضوان الله - عز وجل - فـ ((الصوم جُنّة)) أي وقاية من النار، و((إن في الجنة باباً
يقال له الريان، لا يدخل منه إلا الصائمون))، وفي شهر رمضان ((تُفتّح أبواب الجنان،
وتُغلّق أبواب النيران))، قال النووي رحمه في شرحه لصحيح مسلم: "قال القاضي عياض:
ويُحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله - تعالى -على عباده من
الطاعات في هذا الشهر التي لا تقع في غيره عموماً، كالصيام والقيام وفعل الخيرات
والانكفاف عن كثير من المخالفات؛ وهذه أسباب لدخول الجنة وأبواب لها، وكذلك تغليق
أبواب النار وتصفيد الشياطين عبارة عما ينكفون عنه من المخالفات... ".
[2] من مقتضيات الإيمان التسليم لله - عز وجل - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - عن
قناعة ورضىً كما قال الله - تعالى -: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله
ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً
مبينا) فعلى العبد الانقياد لأوامر الله - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم -،
فيصوم نهار ذلك الشهر مُسلّماً لربه غير معترض ولا متضجر، محتسباً الأجر من المولى
- عز وجل -. وقد أعان الله - تعالى -عباده على التسليم ورغّبهم فيه ـــ لا سيما في
الصيام ـــ فقد أخبر المولى أنه فرضه على غيرنا، وأنه أيام معدودات، وأخبر أنه سبب
للتقوى.
[3] أن نتذكر أن رمضان أيام معدودات، والأيام المعدودات قلائل، فإذا كانت الدنيا
كلها بالنسبة للآخرة كساعة من نهار فكيف بالأيام المعدودات؟ ثم إنّ هذه الأيام
المعدودات يصوم منها العبد نهارها، وبمغيب الشمس يحلُّ له ما كان محذوراً عليه ـــ
مما هو مباح ـــ قبل مغيبها، وهنا تكون الفرحة الأولى التي قال عنها النبي - صلى
الله عليه وسلم -: ((للصائم فرحتان: فرحة عند فطره)).
[4] استشعار الأجر الكبير في هذه العبادة العظيمة التي تولى المولى - جل وعلا -
جزاءها وأجرها بنفسه؛ كما ثبت في الحديث القدسي قول الله - عز وجل -: ((كل عمل ابن
آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به.. ))،
وقال - صلى الله عليه وسلم - لأحد أصحابه: ((عليك بالصوم فإنه لا عِدْلَ له))، وقال:
((من صام رمضان إيماناً واحتساباً لغفر له ما تقدم من ذنبه))، ((ومن قام رمضان
إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))، ((ومن قام ليلة القدر إيماناً
واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)). قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -: "من لاح
له فجر الأجر هان عليه ظلمات التكليف"، فارقب الأجر بعين البصيرة، ولا تنظر للمشقة
الزائلة، وتذكر قول المولى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)
[5] الفرحة الكبرى يوم العرض على الله - تعالى -، كما وعد الرسول الكريم - صلى الله
عليه وسلم - الصائم: ((وفرحة عند لقاء ربه))، إنها فرحةٌ في يوم يحزن فيه قوم،
ويتحسر آخرون، ويندم المقصرون.
• قد صمنا رمضان الماضي، والذي قبله؛ فأين المشقة وأين رمضان؟ ذهبت الأيام بما فيها،
وربح فيها من ربح، وفرّط من فرّط، نسأل الله - تعالى -أن يتقبل منا وأن يثبت الأجر
وأن يغفر لنا الخطأ والزلل. فاجتهد، أخي الكريم، في تهيئة نفسك لاستقبال ضيف أنت
ضيف على حسناته، ونيل ثوابه، واسعَ غاية جهدك في اغتنام كل ساعة من ساعاته؛ فغداً
ينقضي الشهر ويندم المقصر، نعوذ بالله من الندم يوم الحسرة. وليستعن العبد بمولاه
فيسأله أن يبلغه رمضان، وأن يعينه على فعل الخيرات، وترك المنكرات، ولنكثر من
الدعاء؛ فرُبَّ دعوة وافقت ساعة إجابة فكانت سعادة الأبد.
• اللهم أنت الموفق لكل خير، فيا حي يا قيوم أعنا على الصيام والقيام.