دعوا الناس فى غفلاتهم
حرص الإسلام على تأليف القلوب ، وعلى إضفاء روح المحبة ، وعلى التآخي والاجتماع ، وعلى إصلاح ذات البين .
كما حرص على حماية صرح الأخوّة .
وفي المقابل حرص الإسلام على نبذ كل ما يخدش الإخوّة ، وعلى إقصاء كل ما من شأنه إحداث الخلل والنِّـزاع .
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : دعُوا الناس فليُصب بعضهم من بعض ، فإذا استنصح رجل أخاه فلينصح له . رواه الإمام أحمد .
وفي رواية :
دعوا الناس في غفلاتهم يرزق الله بعضهم من بعض ، وإذا استنصحك أخوك فانصح له .
وجاء النهي عن أسباب ضعف هذه الأخوة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا
تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض
وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره
، التقوى ههنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ من الشر أن يحقر
أخاه المسلم ،كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه . رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم : لا
تباغضوا ، ولا تقاطعوا ، ولا تدابروا ، ولا تحاسدوا ، وكونوا عباد الله
إخواناً كما أمركم الله ، ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام . رواه البخاري ومسلم .
لأن هذه الأشياء مما يتنافى مع أخوة المؤمنين ، ومما يولد العداوة والبغضاء ، ويثير الأحقاد والإحَن ، ويكون سببا في الشحناء .
فهذه الأمور من شأنها أن تُضعف بنيان الأخوة القائم على الإيمان
فجاء النهي عن التحاسد والتناجش والتباغض والتدابر والتقاطع والبيع على بيع بعض
وجاء النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه
كل ذلك لمراعاة هذه الأخوة القائمة على الإيمان
( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )
وجاء النهي عن التقاطع وعن فساد ذات البين
قال عليه الصلاة والسلام : دبّ
إليكم داء الأمم الحسد ، والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن
تحلق الدين ، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى
تحابوا ، أفلا أنبئكم بما يثبت ذاكم لكم ؟ أفشوا السلام بينكم . رواه الإمام أحمد والترمذي .
واحتُمِل في سبيل التئام القلوب وإصلاح ذات البين ما لم يُحتمل في غيرها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا . رواه البخاري ومسلم .
زاد
مسلم : قال ابن شهاب : ولم أسمع يُرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في
ثلاث : الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة
زوجها .
وإنما جاز الكذب في إصلاح ذات البين لما فيه من جمع الكلمة ووحدة الصف ، وائتلاف القلوب .
قال
الشيخ ابن سعدي : والصدق مصلحته خالصة ، والكذب بِضدّه ، ولهذا إذا ترتّب
على أنواع الكذب مصلحة كبرى تزيد على مفسدته كالكذب في الحرب وفي الإصلاح
بين الناس ، فقد رخّص النبي صلى الله عليه وسلم لرجحان مصلحته . اهـ .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على جمع القلوب ، وعلى إصلاح ذات البين .
فعن
سهل بن سعد رضي الله عنه أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة ،
فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال : اذهبوا بنا نصلح بينهم .
رواه البخاري .
بل إنه عليه الصلاة والسلام تأخّر عن صلاة الجماعة من أجل الإصلاح بين المتخاصِمِين .
روى
البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليُصلح بينهم ، فحانت الصلاة ، فجاء
المؤذن إلى أبي بكر ، فقال : أتصلي للناس ، فأقيم ؟قال : نعم ، فصلى أبو
بكر ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة ، فتخلّص حتى
وقف في الصف ، فصفق الناس - وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته - فلما أكثر
الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك ، فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه ،
فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ، ثم
استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف ، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصلّى . الحديث .
ولما تم نعيم أهل الجنة نزع الله ما في صدورهم من أسباب العداوة والبغضاء ثم أثبت لهم الأخوة فقال :
( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ )
قال ابن القيم رحمه الله – وهو يذكر أسباب انشراح الصدر - :
ومنها
- بل من أعظمها - : إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه
وعذابه وتحول بينه وبين حصول البُرء ،فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي
تشرح صدره ، ولم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه لم يحْـظَ من انشراح
صدره بطائل ، وغايته أن يكون له مادّتان تعتوران على قلبه ، وهو للمادة
الغالبة عليه منهما . انتهى .
وهذا مع كونه يُريح صاحبه ويشرح صدره إلا أنه مما يُقيم صرح الأخوّة بين المؤمنين ..
جعلنا الله ممن قيل فيهم :
( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ) .