نسب أم سلمة:
هي هند بنت أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم (24 ق.هـ-
61هـ/598- 680م)، كان أبوها -رضي الله عنها- من أجواد قريش، يُعرف بـ"زاد
الركب" لكرمه.
وأمُّها هي عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن عبد المطلب، أخوالها لأبيها عبد الله وزهير ابنا عمَّة رسول الله. زواج أم سلمة وهجرتها وتضحيتها:
تزوَّجت أمُّ سلمة من ابن عمِّها أبو سلمة رضى الله عنه، وهو عبد الله بن
عبد الأسد بن هلال بن مخزوم القرشي، وهو من الصحابة الأجلاء الذين أبلَوْا
في الإسلام بلاءً حسنًا، وهو ابن عمَّة رسول الله، فأُمُّه بَرَّة بنت عبد
المطلب، هاجرت السيدة أمُّ سلمة مع زوجها -رضي الله عنهما- إلى الحبشة، فعن
أمِّ سلمة -رضي الله عنها- قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير
جوار، وأَمِنَّا على ديننا، وعبدنا الله لا نُؤذى، فلمَّا بلغ ذلك قريشًا
ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي هدايا، فجمعوا أدمًا كثيرًا... وهذا الحديث
يدلِّل على هجرة أمِّ سلمة وأبي سلمة للحبشة. ولمَّا أَذِن الله للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، وقعت قصة عظيمة للسيدة
أمِّ سلمة -رضي الله عنها- تتجسَّد فيها أسمى معاني التضحية والصبر لله
تعالى؛ حيث كان أبو سلمة رضى الله عنه أوَّل من هاجر إلى المدينة من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم من بني مخزوم، هاجر رضى الله عنه قبل بيعة أصحاب
العقبة بسَنَةٍ، وكان رضى الله عنه قَدِمَ على رسول الله صلى الله عليه
وسلم من أرض الحبشة، فلما آذته قريش، وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار، خرج
رضى الله عنه إلى المدينة مهاجرًا، وقد عانت السيدة أمُّ سلمة -رضي الله
عنها- ألمًا شديدًا، في هذه الهجرة.
فتقول رضي الله عنها: لمَّا أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي
بعيره ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج بي
يقود بي بعيره، فلمَّا رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم
قاموا إليه، فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه؟ علامَ نتركك
تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه. قالت:
وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهط أبي سلمة، فقالوا: لا والله لا نترك
ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا. قالت: فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى
خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق
زوجي أبو سلمة إلى المدينة. قالت: ففُرِّق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت:
فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي، حتى أمسى سنة أو قريبًا
منها، حتى مرَّ بي رجل من بني عمي -أحد بني المغيرة- فرأى ما بي فرحمني،
فقال لبني المغيرة: ألا تُخْرِجون هذه المسكينة، فرَّقتم بينها وبين زوجها
وبين ولدها. قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت. قالت: وردَّ بنو عبد
الأسد إليَّ عند ذلك ابني.
قالت: فارتحلتُ بعيري، ثم أخذتُ ابني
فوضعته في حجري، ثم خرجتُ أريد زوجي بالمدينة. قالت: وما معي أحد من خلق
الله. قالت: فقلتُ: أتبلَّغ بمن لقيتُ حتى أقدَم على زوجي. حتى إذا كنتُ
بالتنعيم لقيتُ عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار، فقال لي: إلى
أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: فقلتُ: أريد زوجي بالمدينة. قال: أَوَمَا معكِ
أحد؟ قالت: فقلتُ: لا والله إلاَّ الله وبُنَيَّ هذا.
قال: والله ما لك مِن مترك. فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي،
فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قطُّ، أرى أنه كان أكرم منه كان إذا بلغ
المنزل أناخ بي، ثم استأْخَر عنِّي، حتى إذا نزلتُ استأخر ببعيري، فحطَّ
عنه، ثم قيَّده في الشجرة، ثم تنحَّى وقال: اركبي. فإذا ركبتُ واستويتُ على
بعيري؛ أتى فأخذ بخطامه فقاده حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى
أقدمني المدينة، فلمَّا نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقُبَاء، قال: زوجك
في هذه القرية -وكان أبو سلمة بها نازلاً- فادخليها على بركة الله. ثم
انصرف راجعًا إلى مكة. فكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام
أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبًا قطُّ كان أكرم من عثمان بن
طلحة.
وقد شهِد أبو سلمة رضى الله عنه بدرًا، وجُرح بأُحُد جرحًا اندمل ثم انتُقِضَ، فمات منه في جُمَادى الآخرة سنة ثلاث من الهجرة.
وعن أمِّ سلمة قالت: أتاني أبو سلمة يومًا من عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: لقد سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً سُرِرْتُ
به. قال: "لا يُصِيبُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُصِيبَةٌ
فَيَسْتَرْجِعَ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أْجُرْنِي
فِي مُصِيبَتِي، وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا. إِلاَّ فُعِلَ ذَلِكَ
بِهِ".
قالت أمُّ سلمة: فحفظت ذلك منه.
فلمَّا تُوُفِّي أبو سلمة استرجعتُ، وقلتُ: اللهم أجرني في مصيبتي،
واخلف لي خيرًا منها. ثم رجعتُ إلى نفسي فقلتُ: مِن أين لي خيرٌ من أبي
سلمة؟ فلمَّا انقضَتْ عدَّتي استأذن عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنا أدبغ إهابًا لي، فغسلتُ يدي من القرظ وأذنتُ له، فوضعت له وسادة أدم
حشوها ليف، فقعد عليها، فخطبني إلى نفسي، فلمَّا فرغ من مقالته قلتُ: يا
رسول الله، ما بي أن لا تكون بك الرغبة فيَّ، ولكني امرأة بي غَيرة شديدة،
فأخاف أن ترى منِّي شيئًا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلتُ في السن
وأنا ذات عيال.
فقال: "أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْغَيْرَةِ
فَسَوْفَ يُذْهِبُهَا اللَّهُ مِنْكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ السِّنِّ
فَقَدْ أَصَابَنِي مِثْلُ الَّذِي أَصَابَكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ
الْعِيَالِ فَإِنَّمَا عِيَالُكِ عِيَالِي".
فقالت: فقد سَلَّمْتُ لرسول الله.