سفر المرأة
إن عظمة الإسلام وسمو مبادئه تظهر جلية في صونه كرامةَ المرأة، وحفظه
لها، وحمايتها من شياطين الإنس والجن، سواء أكانت المرأة في حضر أو سفر، ومن قواعد
الإسلام السامية (أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)؛ لذلك نهى الإسلام عن سفر
المرأة وحدها من غير محرم، فقال (: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل
عليها رجل إلا ومعها محرم) [متفق عليه]، وقال: (لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع
ذي محرم) [متفق عليه].
وورد أن رجلاً قال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجَّة،
وإني اكتُتبتُ في غزوة كذا وكذا؟ قال (: (انطلق فَحُجَّ مع امرأتك) [متفق
عليه].
عظم سفر المرأة:
رغم أن الجهاد في سبيل الله مع رسول الله ( من أسمى
القربات إلى الله، ولا يتخلف عنه إلا منافق؛ فإن الرسول ( أمر هذا الصحابي بترك
الجهاد، والسفر مع زوجته للحج، وفي ذلك دليل أكيد على عظم وخطورة هذا الأمر ومدى ما
يترتب عليه من أضرار؛ فالسفر يعني الخروج الذي قد يقود إلى الاختلاط ببيئة قد تغيب
فيها القيم وتفسد الذمم، وهنا قد يُطْمَع في المرأة أو يساء إليها؛ فقد تقابل في
سفرها ناسًا ممن لا يترفعون عن الفاحشة، بل يخضعون لشهواتهم، وتقل مروءتهم.
حكمة
التحريم:
وللقضاء على هذا الخطر جاء التشريع الإسلامي بتحريم سفر المرأة وحدها؛
لا لأن الإسلام يسيء الظن بالمرأة، ولا يثق فيها ثقته في الرجل، وإنما للحفاظ على
عفتها وشرفها وعرضها من ذئاب البشر. لقد نبَّه الإسلام وحذَّر من سفر المرأة وحدها،
ولو في حالة الحج والعمرة؛ تلك المرحلة الإيمانية العطرة، وما يكتنفها من صفاء
روحي، وسمو نفسي، فما بالنا بالأمور التي تقل في مكانتها عن الحج -أحد أركان
الإسلام؟
إلا أنه مع وضوح هذه الحقائق، فإن بعضهم يحمل الأحاديث الناهية عن سفر
المرأة بلا محرم على ما إذا كان سفرها بوسائل النقل البدائية القديمة؛ كالناقة
مثلاً، حيث تتحمل المشقة والعنت وطول الزمن، أما وسائل النقل الحديثة، كالطائرة
والباخرة، فلا مجال للخوف فيها من مثل هذه الأمور.
وهذه الدعوى التبست على كثير
من الناس؛ لأن هذه الوسائل إذا كانت قد منعت المشقة، فإنها لم تمنع الفتنة، ولم
تردع النفوس المريضة التي حرص الإسلام على عدم إثارتها، وعدم ترك الفرصة أمامها كي
تعبث بحرمات الله، فالمرأة في الطائرة هي هي المرأة بكل فتنتها التي يراها عليها
الرجل وهي راكبة ناقتها، والرجل الفاسد هو هو سواء أكان مسافرًا في الصحراء، أم
مسافرًا في الطائرة أو الباخرة، والدين صالح لكل زمان ومكان؛ فكما هو صالح لزمن
الناقة والسيف، فهو صالح أيضًا لزمن الطائرة والصاروخ، وكم سمعنا عن حوادث انتهاك
الأعراض باستخدام هذه الوسائل الحديثة، سيارات كانت أم طائرات.
إن السفر بلا
محرم في ظل ظروف الاختلاط الحالية في وسائل المواصلات، وأمام ما تقدمه وسائل
الإعلام في الدول الإسلامية، في ظل تأثرها بمبادئ الحضارة الغربية كل هذا يؤدي إلى
انتشار حوادث الاغتصاب والاختطاف وغيرها من تلك الأمراض الغريبة على مجتمعاتنا
وتقاليدنا وأخلاقنا.
فعلى أولياء الأمور عدم التهاون في هذا الأمر، حتى يتجنبوا
ما لا يُحْمَدُ عقباه، وعلى المرأة المسلمة مراعاة أمور دينها وتطبيق هدي نبيها
الذي فيه حمايتها والذَّود عن عفتها. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم
وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما
أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6]
العديد من الضوابط:
وقال (: (كلكم راع
وكلكم مسؤول عن رعيته) [متفق عليه].
لقد وضع الإسلام العديد من الضوابط الصالحة
للتطبيق في كل مكان وزمان وتهدف لخير المسلمين رجالا ونساءً، وتنظم أمور حياتهم
كالسفر وغيره، ومن ذلك:
(1) تنظيم وسائل المواصلات بصورة تمنع الاختلاط الذي
يكون سبيلاً لكثير من الشرور والمفاسد.
(2) وجود مشرفات أمينات يقظات عند القيام
بالرحلات العلمية، أو الإشراف على عملية التربية، مع توفير وضمان الوسائل الكفيلة
بتحقيق الأمن والاستقرار.
(3) تربية الوازع الديني وإحياء شعائر الإسلام وقيمه
الخالدة في النفوس حتى يكون كل مسلم حافظًا لكل مسلمة وحاميًا لها.
(4) العمل
على نشر معاهد التعليم والتربية والتوجيه في مختلف المناطق لتقريب المسافات وتجنب
الشبهات.
(5) إيمان كل فرد بأنه كما يدين يدان، فيراقب الله في تصرفاته
وسلوكياته صونًا لحرماته وذودًا عن عرضه وشرفه متمثلاً في حرمات أمه وأخته وزوجته
وابنته..! والذي يبدو أن سفر المرأة دون محرم محظور، لعلَّة أمن الفتنة، فهو الضابط
لخروجها أو عدمه دون تحديد للمسافة المكانية، فلا يجوز لامرأة أن تخرج مسافة بعض
المترات إذا لم تأمن على نفسها، كأن يكون الشارع الذي تسير فيه مظلمًا، وفي الوقت
نفسه يجوز لها أن تسافر إلى بلدة أخرى إذا أمنت الفتنة. ومن هذا المنطلق، أباح بعض
الفقهاء خروج المرأة للحج مع النسوة الثقات.