الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد
قال الله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )) .
وقال عز وجل (( واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا )) .
وقال عز وجل (( ليجزي الله الصادقين بصدقهم )) .
وقال جل شأنه (( وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا )) .
وقال عز وجل مبشرا للصادقين (( هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم )) .
وقال تعالى (( واجعل لي لسان صدق في الآخرين )) .
وقال عليه الصلاة والسلام (( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وأن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا )) .
إن الصدق هو قول الحق ، والإخبار بما يطابق الواقع ، من غير تبديل ولا زيادة ولا نقصان ، وليس الإخبار مقصورا على القول ، بل قد يكون بالفعل ، كالإشارة باليد ، وهز الرأس ونحوهما ، وقد يكون بالسكوت من غير قول ولا فعل .
وليس للصدق سوى طريقة واحدة ، وهي أن يقول الإنسان الحق ، كل الحق ، لا شيء غير الحق . والصدق أسّ الفضائل ، وأجمل الصفات الحميدة التي يتحلى بها الإنسان ، وتزيده في العالم هيبة ووقارا ، إذ به تنال الثقة ، وتكتسب الثروة ، ويطيب العيش .
والصدق من الضروريات التي يتوقف عليها نظام بأسره ؛ ألا ترى أنه بالصدق تثبت الحقوق ، وتحفظ الأرواح ، ويتم النظام ، ويعيش الناس في أمان وسلام ، ولولاه لانتزعت ثقة الناس بعضهم من بعض ، ولما وصل إليهم شيء من الحقائق في العلوم والأديان .
ألا ترى أن الرجل الصادق يكون دائما موضع الثقة ومحل الأمانة مبجلا محترما مهما كانت درجته ، لأن الصادق لا يكون خائنا ، ولا مختلسا ، ولا مزورا ، ولا نماما ، ولا منافقا ، ولا مخادعا ، ولا غشاشا
فإذا عاملت رجلا صادقا كنت في مأمن على مالك وعرضك ويكون هو على يقين من رغبة الناس في معاملته .
والصدق من أهم الأسس ، بل هو الأساس المتين الذي تشاد عليه المجتمعات ، ولولاه ما بقي مجتمع ، ذلك لأنه لا بد للمجتمع من أن يتفاهم أفراده بعضهم مع بعض ، ومن غير التفاهم لا يمكن أن يتعاونوا .
ومعنى التفاهم أن يوصل الإنسان ما في نفسه من الحقائق إلى الآخرين . وهذا هو الصدق بعينه ، يتجلى ذلك في المجتمعات الصغيرة كالأسرة والمدرسة فكلاهما لا يبقى إلا بالصدق . فلو كذب الطلبة في كل ما يتكلمون ، وكذب عليهم مدرسوهم في كل ما يعلمونهم ، ويحدثونهم ما بقيت المدرسة وكذلك البيت .
والدليل على ضرورة الصدق هو أن اغلب المعلومات التي وصلت إلينا بالسماع أو القراءة مبناها الصدق ، وعليها يعتمد الإنسان في معاملاته وتصرفاته ؛ فلو كانت مكذوبة لكانت الأعمال المبنية عليها خطأ وخللا ، ولما وصل إلينا من العلم إلا شيء قليل ، وهو يمكننا أن نجربه بأنفسنا ، وهو لا يغني في الحياة .
ومن أجل هذه عدّ الصدق أساسا من أسس الفضائل ، وعنوانا لرقى الأمم وانحطاطها .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم