كان
النبي -صلى الله عليه و سلم- ينتظر الفرصة المناسبة؛ لكي يخرج بالدعوة
الإسلامية من نطاق شبه الجزيرة العربية إلى المجال العالمي الواسع ، وجاءت
هذه الفرصة بعد "صلح الحديبية" الذي عقده الرسول -صلى الله عليه و سلم- مع
"قريش" ، وهذا الصلح جعل الرسول -صلى الله عليه و سلم- يأمن جانب "قريش"،
أشد أعدائه في الداخل يومئذ ، ليتفرغ بعده لنشر الدين ، والدعوة إلى الله "
.
ومع بداية العام السابع الهجري بدأ النبي -صلى الله عليه و سلم- الخطوات الأولى في تبليغ
دعوته
إلى أكبر عدد ممكن من ملوك العالم ورؤسائه ، فاختار عددًا من أصحابه
الكرام ليكونوا سفراءه إلى هؤلاء الملوك .. وعادة ما كان النبى-صلى الله
عليه و سلم- يختار لهذه المهمة العظيمة الأشخاص الذين يتميزون بالعلم
الواسع ، والذكاء الخارق، والسمعة الطيبة، والمظهر اللائق، والمنطق السليم؛
حتى يكون لكلامهم أجمل وقع ، ويبلغوا رسالاتهم على أحسن وجه.
وقد
أرسل النبي -صلى الله عليه و سلم- "عبد الله بن حذافة السهمي" إلى "كسري
أبرويز" ملك "الفرس"، و"دحية بن خليفة الكلبي" إلى "هرقل" "الروم"، و"حاطب
بن أبى بلتعة" إلى "المقوقس" حاكم "مصر" ، و"عمرو بن أمية الضمرى" إلى
"النجاشي" ملك "الحبشة" ، و"العلاء بن الحضرمي" إلى أمير "البحرين" ،
و"عمرو بن العاص" إلى ملكي "عمان" .
· رسالة النبي -صلى الله عليه و سلم- إلى "هرقل" :
"بسم
الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبد الله ورسوله إلى "هرقل" عظيم "الروم"،
سلام على من اتبع الهدى .. أما بعد : فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم
تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فعليك إثم الإريسيين – رعايا
هرقل – ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا
الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله ، فإن
تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون". (رواه أحمد)
وقد رد "هرقل" على
رسالة النبي -صلى الله عليه و سلم- رًّدا مهذبًا ، بل إنه كاد يميل إلى
الإسلام ، لكن كبار رجال دولته لم يطاوعوه في رغبته في الدخول إلى الإسلام،
فاعتذر للنبي -صلى الله عليه و سلم- عن عدم قبول الإسلام .
· سفراء النبي -صلى الله عليه و سلم- :
1-"دحية الكلبي" :
هو الصحابي الجليل "دحية بن خليفة الكلبي" ، من الأنصار ، شهد مع النبي -صلى الله عليه و سلم- غزوة "أحد" وما بعدها .
اشتهر "دحية الكلبي" إلى جانب العقل الراجح – بجمال الصورة ، وكان "جبريل"- عليه السلام- يأتى في صورته .
وكان
"دحية الكلبي" سفير رسول الله -صلى الله عليه و سلم- إلى "هرقل" ،ويروى
البخارى أن أبا سفيان كان حاضرًا فى مجلس هرقل حين جاءه كتاب النبي -صلى
الله عليه و سلم- ويحكى هو أن هرقل لما فرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب
وارتفعت الأصوات فلما خرج من مجلسه قال أبو سفيان لأصحابه:
إن محمدًا أصبح يخافه ملك بنى الأصفر يقصد هرقل ملك الروم .
2-"عبد الله بن حذافة السهمي" :
من
كبار صحابة رسول الله ، أسلم قديمًا ، هاجر إلى "الحبشة" بعد أن اشتد
إيذاء المشركين في "مكة" للمسلمين ، شهد مع النبي -صلى الله عليه و سلم-
غزوة "أحد" وما بعدها من الغزوات ، واشتهر بين الصحابة بدعابته اللطيفة وقد
أرسله النبي -صلى الله عليه و سلم- برسالته إلى "كسرى" ، وجاء فيها "من
محمد رسول الله إلى "كسري" عظيم فارس . سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله
ورسوله ، وأدعوك بدعاية الله عز وجل ، فإني رسول الله إلى الناس كلهم لأنذر
من كان حيًّا ويحق القول على الكافرين . أسلم تسلم ، فإن توليت فعليك إثم
المجوس" .
ولما قرأت هذه الرسالة على "كسرى" ، قام بتمزيقها ،
فقال رسول الله -صلى الله عليه و سلم- حين بلغه ذلك : "اللهم مزق ملكه"،
وقد توفى "عبد الله بن حذافة" في خلافة "عثمان بن عفان".
3-"حاطب بن أبى بلتعة" :
من
الصحابة السابقين في الدخول إلى الإسلام ، هاجر إلى "المدينة" ، وشهد مع
رسول الله -صلى الله عليه و سلم- غزوة "بدر" وما بعدها من الغزوات .
وقد أرسله النبي -صلى الله عليه و سلم- برسالة إلى "المقوقس" ملك "مصر" جاء فيها :
"من
محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط ، سلام على من اتبع الهدى،
أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، يؤتك الله أجرك مرتين ،
فإن توليت فعليك إثم القبط" .
وقد استقبل "المقوقس" سفير النبي -صلى
الله عليه و سلم- "حاطب بن أبى بلتعة" أحسن استقبال وأكرم وفادته ، وقد
أعجبه عقله ومنطقه في الكلام ، فقال له : أنت حكيم جاء من عند حكيم، ثم
دعا كاتبًا له يكتب بالعربية ، فكتب إلى النبي -صلى الله عليه و سلم- ردًّا
على رسالته :
"لمحمد بن عبد الله من مقوقس عظيم القبط ، أما بعد ،
فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرته وما تدعو إليه ، وقد علمت أن نبيًا بقى وقد
كنت أظن أن يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك ، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان
من القبط عظيم ، وبكسوة ، وأهديت إليك بغلة لتركبها .. والسلام ".
وقد تزوج النبي -صلى الله عليه و سلم- "مارية" القبطية إحدى الجاريتين ، وأنجبت له ابنه "إبراهيم" الذي مات رضيعًا .
وتوفى "حاطب بن أبى بلتعة" سنة (30 ﻫ) في خلافة "عثمان بن عفان" عن خمس وستين سنة.
4- "عمرو بن أمية الضمرى" :
من
قدماء الصحابة الذين أسلموا مبكرًا في "مكة" ، وهاجر إلى "الحبشة" مع من
هاجر فرارًا بدينهم من إيذاء "قريش" ، ثم هاجر إلى "المدينة" ، وشهد مع
النبي -صلى الله عليه و سلم- بعضًا من غزواته .
وكان "عمرو" رجلاً
عاقلاً حكيمًا وكان النبى-صلى الله عليه و سلم- يبعثه في الأمور التي تحتاج
إلى فطنة وذكاء وحسن تصرف ، وكان "عمرو" يؤدى مهمته على خير وجه، وأرسله
النبي -صلى الله عليه و سلم- برسالة إلى "النجاشى" جاء فيها : "... وإنى
أدعوك إلى الله وحده لا شريك له ، والموالاة على طاعته ، وأن تتبعنى وتؤمن
بالذي جاءني ، فإني رسول الله ، وإنى أدعوك وجنودك إلى الله تعالى ، وقد
بلغت ونصحت ، فاقبلوا نصيحتي" .
وتوفى "عمرو بن أمية" فى آخر خلافة "معاوية بن أبى سفيان"، ودفن فى "المدينة".
5-"عمرو بن العاص":
من
القادة الفاتحين ، أسلم في شهر صفر سنة (8 ﻫ) قبل فتح "مكة" ، وقدم على
النبي -صلى الله عليه و سلم- هو و"خالد بن الوليد" و"عثمان بن طلحة" ،
وأعلنوا إسلامهم .
ونظرًا لكفاءته ، فقد بعثه رسول الله -صلى الله
عليه و سلم- أميرًا على سرية، عرفت باسم ذات السلاسل على رأس ثلاثمائة من
كرام الصحابة، كان فيهم "أبو بكر الصديق" و"عمر بن الخطاب" .
وكان
النبي -صلى الله عليه و سلم- يقدر "عمرو بن العاص"، ويقول عنه : "أسلم
الناس وآمن عمرو بن العاص" (رواه الترمذى) ، ووصفه بأنه من صالحي "قريش" .
وقد بعثه النبي -صلى الله عليه و سلم- برسالة إلى ملكي "عمان
جيفر" و"عبد" ابنى "الجلندى" يدعوهما إلى الدخول في الإسلام ، فاستجابا
لدعوته -صلى الله عليه و سلم- ، وأسلما، وبعد وفاة النبي -صلى الله عليه و
سلم- اشترك في الفتوحات الإسلامية في بلاد الشام، وولى "فلسطين" في خلافة
"عمر بن الخطاب" ، ثم أرسله إلى "مصر" ففتحها ، ودخلت إلى حظيرة الإسلام ،
وظل واليًا على "مصر" في خلافة "عمر" حتى وفاته ، ثم عاد إليها واليًا مرة
أخرى في خلافة "معاوية بن أبى سفيان" ، وظل أميرًا حتى توفى في ليلة عيد
الفطر سنة (43 ﻫ).
6- العلاء بن الحضرمي:
من السابقين في
الإسلام ، أسلم قديمًا وأصله من "حضر موت" ، بعثه النبي -صلى الله عليه و
سلم- برسالة إلى "المنذر بن ساوى" ملك "البحرين" يدعوه فيها إلى الإسلام ،
فكتب "المنذر" إلى الرسول -صلى الله عليه و سلم- يقول :
"أما بعد
يا رسول الله ، فإنى قرأت كتابك على أهل "البحرين" ، فمنهم من أحب الإسلام
وأعجبه ودخل فيه ، ومنهم من كرهه . وبأرضي يهود ومجوس ، فأحدث إلى في ذلك
أمرك"!
فكتب إليه النبي -صلى الله عليه و سلم- :
"من محمد
رسول الله إلى "المنذر بن ساوى" سلام عليك ، فإنى أحمد الله إليك الذي لا
إله إلا هو ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، أما بعد :
فإنى أذكرك الله عز وجل ، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه ، ومن يطع رسلي
ويتبع أمرهم فقد أطاعني ... وإن رسلي قد أثنوا عليك خيرًا ، وإنى قد شفعتك
في قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه ، وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم ،
وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك ، ومن أقام على يهوديته أو مسيحيته
فعليه الجزية".
وتذكر كتب السيرة أن بعض الناس من أهل البحرين قد أسلموا بإسلام أميرهم
وقد
تولى "العلاء الحضرمي" أمر "البحرين" وظل واليًا عليها حتى توفى النبي
-صلى الله عليه و سلم-، وقد اشتهر "العلاء بن الحضرمي" بأنه كان مجاب
الدعوة ، وأنه خاض البحر بكلمات قالها ودعا بها فاستجاب الله له .
وتوفى "العلاء بن الحضرمي" سنة (14 ﻫ)