(إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ))(القلم :17 -20)
كان هناك قرية تسمى (صروان) في اليمن، وكان هناك شيخ كبير يملك مزرعة يأخذ من محصولها ما يكفيه ويكفي عائلته ويتصدق بالباقي عى الفقراء والمحتاجين.
وحينما اشتد المرض بهذا الشيخ وقرب اجله اوصى ابناءه خيرا بالفقراء والمحتاجين، ولكن الذي حدث بعد وفاته ان ابناءه اهملوا وصيته. اما المزرعة فكانت على احسن حال فاشجارها مثقلة بالثمار والفواكه، فلما رأوها طمعوا بها فقال احدهم: ان ابانا انما كان يعطي هؤلاء المحتاجون والفقراء لانه كان شيخا خرفا اي لا يعلم ماذا يفعل.
وقال الاخر: نعم. واننا بأستطاعتنا ان نصبح اغنياء لو اخذنا جميع ما في المزرعة لنا وحدنا.
لكن الابن الاوسط والذي كان اكثرهم ايمانا وعقلا قال: ان ما ترونه من نعم وخير انما هو بفضل هؤلاء الفقراء. فأن الله هو الرزاق ويضاعف الاجر والثواب لمن يعمل خيرا.
فغضبوا من اخيهم وقالوا له: ان عدت الى كلامك هذا سنضربك!
وصمموا وحلفوا على ان يذهبوا في صباح اليوم التالي ليقطفوا الثمار ولا يعطوا الفقراء اي شيء منها ودون ان يستثنوا مشيئة الله، اي انهم كانو يعتقدون ان الله سبحانه وتعالى لا يقدر على ان يبيد مزرعتهم لانها مثمرة وفي مكان جيد ولا يمكن ان تصاب بسوء.
فقال اوسطهم: عليكم ان تستثنوا في حلفكم مشيئة الله فلا حول ولا قوة الا به، وما تشاؤون الا ان يشاء الله.
فاستهزؤا بأخيهم وبقوا على تصميمهم وناموا ليستعدوا في اليوم التالي لتنفيذ ما عزموا عليه.
وبعد الفجر وعندما بدأت الشمس بالشروق خرجوا بكل هدوء لكي لا يعلم بهم احد من الفقراء او المحتاجين فيأتوا كالعادة ليأخذوا شيئا من الثمار. وكانوا يتهامسون في اثناء الطريق : يجب ان لا ندع اي فقير يدخل المزرعة بعد اليوم!
سيكون كل ما في المزرعة لنا وحدنا!
سنأخذ الكثير ونبيعه لنصبح اغنياء ونستطيع ان نشتري مزرعة اخرى.
وعاد صوت اخيهم يذكرهم الله:
اتقوا الله فمن يعص الله يخسر وكل ما عندنا منه، وسيعود عملكم هذا عليكم بالمضرة لأنكم ستحرمون عباده مما افاض به عليكم.
لكنهم ايضا لم يسمعوا له بل قالوا:
انك تحب ان تعيش كأبيك فقيرا. ان هذه الثمار ستدر علينا اموالا كبيرة.
وحينما وصلوا الى مكان مزرعتهم وجدوا ارضا ليس عليها شيء غير الرماد ! فقال بعضهم لبعض:
لاشك اننا ضللنا طريقنا.
وقال الاخر:
ان لنا جنة مثمرة وهذه ارض جرداء محروقة!
وحينما داروا ببصرهم فيما حولهم تأكدوا انهم في مكانهم الصحيح وان التي امامهم هي مزرعتهم وكان الله قد ارسل عليها النار في الليل وهم نائمون فأحرقت ما فيها.
عند ذلك ادركوا انهم اذنبوا ذنبا كبيرا فغضب الله عليهم فاعترفوا بخطئهم وقالوا:
لقد حرمنا من مزرعتنا وقد كانت جنة عامرة بالثمار لأننا كنا ظالمين. فقد حرمنا الفقراء والمساكين من اعطائهم حصتهم من الثمار.
وقام يلوم احدهم الاخر ويقولون:
اننا تمادينا في الظلم والبغي ونسينا الله وانا نادمون من عملنا هذا.
ولما تابوا وعادوا الى الله طائعين وقد عرفوا ان اباهم الشيخ انما كان يعمل فيما يرضي الله والله كان يضاعف له الرزق لعمله الصالح. قالوا:
عسى ربنا ان يبدلنا خيرا منها وانا الى ربنا راغبون.
وكانت هذه عبرة لهم وللاخرين بأن عاقبة من يعص الله ويمنع الخير جزاؤه الخسران.