رمضان في عهد الخلفاء الراشدين
يعتبر شهر رمضان موسماً خاصاً للصيام وعبادة الرحمن فهو شهر الخير والعطاء والصفاء الروحي والمحبة بين كل المسلمين، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين يحيون لياليه إما بتلاوة القرآن المجيد أو بالذكر ومتابعة سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم وكانوا يجدون كل الجد في تطهير أنفسهم من الأمور المادية ومن الهوى ودسائس الشيطان ويتنافسون في أعمال البر والخير، ويسجل لنا التاريخ أن المسجد المكي والمسجد النبوي يعجان بالمؤمنين بالقرآن، يتلى جهراً وسراً وكانا عامرين بالمصلين والذاكرين الله قياماً وقعوداً وكان للخلفاء الراشدين دور في حث الناس على الأعمال الصالحة كما أن كتب السيرة والتاريخ تطلعنا على أن المنازل كانت خلايا عبادة، وذكر ومذاكرة للعلم وتفكر في خلق السموات والأرض (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران: من الآية191).
قد استمر إحياء أيام وليالي رمضان في عصر الخلفاء الراشدين بنفس الصورة التي كان عليها أيام الرسول عليه الصلاة والسلام. وكان ذلك يقتصر على إحياء ليالي الشهر الكريم بقراءة القرآن الكريم وأداء الفرائض والعبادات والإقبال على المساجد للصلاة والتعبد.
وكان المسلمون يحبون استضافة الفقراء والمحتاجين إلى موائد إفطارهم وسحورهم عملا بتوصية الرسول عليه الصلاة والسلام.
وأقبل الناس على إحياء الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان في قراءة القرآن والصلاة والعبادة والاعتكاف داخل المساجد.
أما ليلة القدر فكان يجتمع فيها الأئمة والعلماء داخل المساجد يقرءون القرآن ويدعون الله سبحانه وتعالى حتى مطلع الفجر.
أما في ليلة العيد فتضاء المساجد بالشموع والقناديل ويتجمع المسلمون داخل المساجد لوداع الشهر الكريم وإخراج زكاة الفطر إلى الفقراء والمحتاجين.
وكان الخليفة عمر بن الخطاب هو أول من فكر في إنارة المساجد في ليالي رمضان حتى يستطيع المسلمون أداء صلاة التراويح وإحياء ليالي رمضان, وحينما أصبح علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين، روى أنه كان يمر ذات ليلة من ليالي رمضان فرأى المساجد تتلألأ بالأنوار في منظر مفرح بهيج, فقال : نور الله على عمر بن الخطاب في قبره كما نور علينا مساجدنا.
أما عن صلاة التراويح فلم تكن معروفة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وفي عهد أبي بكر بالشكل الذي نؤديها به في الوقت الحاضر .
ويروى أن الخليفة عمر بن الخطاب هو أول من جمع الناس على صلاة التراويح خلف إمام وذلك في السنة الثانية من خلافته, فقد خرج عمر ذات ليلة من ليالي رمضان ومر على المساجد فوجد الناس يصلون التراويح أوزاعاً متفرقين يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته جماعة من الناس, فقال عمر: ((والله لا أظن أنني لو جمعت هؤلاء خلف إمام واحد لكان أفضل)), ثم أمر أحد الصحابة أن يؤم المسلمين في صلاة التراويح خلال شهر رمضان وفي الليلة التالية خرج الخليفة عمر فرأى الناس يصلون التراويح جماعة خلف الإمام فابتسم.
وهذا الجمع لصلاة التراويح على إمام واحد الذي قام به عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو داخل من حيث العموم في إطار الحديث النبوي الشريف القائل "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي".
وكان المسلمين في عهد الخلفاء الراشدين، يصلون خلال شهر رمضان أرحامهم، ويقرون الضيف ويتصدقون على قلة أموالهم في فطر وفي سحور فقد رباهم الإسلام على السخاء وكراهية الشح والبخل طمعاً في ثواب الله، وكان فطرهم إما على تمرات أو بخبز من شعير، وما كانوا يملأون بطونهم مطلقاً من الطعام حتى ولو كان عندهم منه ما يكفي لملء بطونهم منه؛ لأنهم كانوا يؤثرون الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في تقليل المأكول والمشروب في شهر الصيام خاصة، وكان ديدنهم الدعاء، يدعون الله سراً، ويبتهلون إليه وحده سبحانه وتعالى لينصر الإسلام ويعز أهله ويدحر الكفر والشرك، ويعم نور الإسلام كافة المعمورة، وكانوا يبتهلون إليه لينجيهم من عذاب جهنم، إن عذابها كان شديداً، وكانوا يدعونه ليدخلهم جنات عدن بفضله ورحمته وكرمه.
وليالي الوتر من شهر رمضان كانوا أكثر إحياءً لها من غيره بالعبادة والذكر والقيام والدعاء وتلاوة الذكر الحكيم في المسجد النبوي والمسجد الحرام، فإذا أقبلت العشر الأواخر من رمضان تحروا فيها ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها فاستقبلوها بمزيد من العبادة والصلاة والدعاء والخشوع والإنابة إلى الله، ويحفل التراث الحضاري الإسلامي بأمثلة للتكافل الاجتماعي والتضامن الإسلامي الرفيع فللفقراء والمساكين نصيب وافر في أموالهم وللمحروم ما يذهب عنه شعور الحرمان.
وبالجملة فإن السلف الصالح كان يرى شهر رمضان ذروة المواسم الخاصة بعبادة الله وطاعته وكان للخلفاء الراشدين دور عظيم في الحث على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم حباً في الله وطمعاً في رضاه وخوفاً من عذاب نار جهنم وكان ديدنهم وغايتهم هو حب الله والتأسي بسنة نبيه المصطفى والزيادة في أعمال الخير ابتغاء زيادة الأجر والمثوبة التي تؤدي إلى زيادة القربى من الله ودوام ارتباط القلب والفؤاد بطاعته والامتثال بالشرع والسنة النبوية المطهرة وتأسياً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وما أحوج العالم الإسلامي أجمع إلى التمسك بما كان للسلف الصالح من صالح الأعمال، فلنترسم نهج سيد البشر عليه الصلاة والسلام الذي صام النهار وقام الليل في شهر الخير وجاهد في الله حق جهاده وترسم صحابته الأبرار منهجه وخطاه وساروا على دربه في طريق الإيمان وعمل الخير من أجل نيل الجزاء الأوفى الذي أعده الله لعباده المؤمنين الصائمين الذاكرين الله، فما أعظم شريعة الإسلام وما أجدرنا أن ندرك عظمتها وما فيها من خير وبركة ورحمة.