التأمل و التفكر
قال الشاعر:
اقرأ التأريخ إذ فيه العبر ضل قوم ليس يدرون الخبر
وتأمل كيف أفنى ملكهم *** من على الملك تولَّى وقهر
وقال آخر:
من لم يرى هذا الوجود بقلبه *** خسر الجمال ولم ترى عيناه
فافتح كتاب الكون تقرأ قصة *** هل في الوجود حقيقة إلا هو
وقال آخر:
انظـــر لتلك الشجــرة *** ذات الغصـون النضــرة
كيف نمــــت من حبـة *** وكيف صـارت شجـرة
ابحث وقل مـن ذا الذي *** يخـرج منها الثمــرة؟!
ذاك هـو اللـه *** الـذي أنعمه منهمـرة
ذو حكمة بالغــة *** وقدرة مقتـدرة
وانظر إلى الشمس التي *** جذوتها مستعرة
فيها ضيـاء وبهـا *** حرارة منتشرة
ابحث وقل من ذا الذي *** يخرج منها الشررة؟!
ذاك هـــو اللـه *** الذي أنعمه منهمرة
ذو حكمة بالغة *** وقــدرة مقتـدرة
وقال آخر:
الشمس والبـدر من آيات قدرته *** والبـر والبحر فيـض من عطاياه
الطير سبحـه والوحــش مجده *** والموج كبــره والحــوت ناجاه
والنمل تحت الصخور الصـم قدسه *** والنحل يهتـف له حمداً في خلاياه
والناس يعصونـه جهـراً فيسترهم *** والعبد ينســى وربـي ليس ينساه
وقال آخر:
أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم ؟! *** وذكرهـم في الورى ظلم وطغيان
هل أبقى الموت ذا عــز لعزته *** أو نجا منـه بالســلطان إنسان
لا والذي خلق الأكوان من عدم *** الكل يفنى فـلا إنـس ولا جـان
وقال آخر:
لله فـي الآفـاق آيـات لعل *** أقلَّها هـو ما إليـه هداكـا
ولعلّ مـا في النفس من آياتـه *** عجب عجاب لو ترى عيناكـا
والكـون مشحـون بأسـرار إذا *** حاولت تفسـيرًا لهـا أعياكـا
قل للطبيب تخطفتـه يد الردى *** يا شافـي الأمـراض مـن أرداك ؟
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما *** عجــزت فنون الطب من عافاك؟
قل للصحيح مات لا من علــة *** من يـا صحيـح بالمنايـا دهاك ؟
بل سل الأعمى خطى وسط الزحام *** بـلا صدام من يا أعمى يقود خطاك؟
بل سل البصير كان يحذر حفــرةً *** فهوى بهـا مـن ذا الذي أهواك ؟
وسل الجنين يعيـش معزولاً بـلا *** راع ولا مـرعى من ذا الذي يرعاك ؟
وسل الوليد أجهش بالبكاء لدى *** الولادة من الـــــذي أبكاك ؟
وإذا ترى الثعبـان ينفـث سمه *** فسله من يا ثعبان بالسموم حشاك ؟
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا *** وهذا الســم يملأ فـــــاك ؟
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت *** شهداً وقـــل للشهد من حلاك ؟
بـل سائـل اللبن الْمُصَفَّى *** كـان بين دم وفرث ما الذي صفَّاك؟!
وإذا رأيـت الْحـي يَخـرج من *** حَنَايا ميتٍ فاسأله من أحياك؟!!
قـل للهـواء تَحسه الأيدي ويخفى *** عـن عيون الناس من أخفاك؟!
قـل للنبات يَجـفُّ بعـد تعهُّدٍ *** ورعايـة من بالجفاف رَمَاك؟!!
وإذا رأيت النَّبـت في الصحـراء *** يربو وحده فاسأله من أَرْبَاكَ؟!!
وإذا رأيت البدر يسـري ناشـرًا *** أنواره فاسألـه مـن أسْرَاك؟!
واسأل شعاع الشمس يدنو وهـي أبعد كل شيء ما الذي أدناك؟!
قل للمرير من الثمار مـن ***بالمرِّ من دون الثمـار غذاك؟!
وإذا رأيت النخل مشقـوق النوى *** فاسأله من يا نَخل شقَّ نواك؟!
وإذا رأيـت النـار شبَّ لَهيبهـا *** فاسأل لهيب النار من أوراك؟!
وإذا ترى الجبل الأشَـمَّ مناطحًـا *** قِمم السَّحاب فسَلْه من أرساك
وإذا ترى صخرًا تفجـر بالْميـاه *** فسله من بالماء شقَّ صَفَـاك؟!!
وإذا رأيت النهـر بالعذب الزُّلال *** جرى فسَلْه من الذي أجراك؟!
وإذا رأيت البحر بالملح الأُجـاج *** طغى فسَلْه من الذي أطغاك؟!!
وإذا رأيت الليل يغشـى داجيًـا *** فاسأله من يا ليل حاك دُجاك؟!
وإذا رأيت الصُّبح يسفر ضاحيًـا *** فاسأله من يا صبح صاغ ضُحَاك
يا أيهـا الإنسـان مهـلاً ما الذي *** بالله جـل جـلاله أغراكا؟
سيجيـب مـا في الكون من آياتـه *** عجب عجاب لو ترى عيناكا
ربِّ لـك الحمـد العظيـم لذاتـك *** حمـدًا وليس لواحد إلاَّكـا
وقال آخر:
وتزعم أنك جرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر
*****************
وقال آخر:
والمرء مثل هلالٍ عند طلعته *** يبدو ضئيلاً لطيفاً ثم يتسق
يزداد حتى إذا ما تم أعقبه *** كر الجديدين نقصاً ثم ينمحق
كان الشباب رداءً قد بهجت به *** فقد تطاير منه للبلى خرق
وبات منشمراً يحدو المشيب به *** كالليل ينهض في أعجازه الفلق
عجبتُ والدهر لا تفنى عجائبه *** للراكنين إلى الدنيا وقد صدقوا
وطال ما نغصوا بالفجع ضاحية *** وطال بالفجع والتنغيص ما طرقوا
دار تغر بها الآمال مهلكة *** وذو التجارب فيها خائف فرق
يا للرجال لمخدوع بزخرفها *** بعد البيان ومغرور بها يثق
أقول والنفس تدعوني لباطلها *** أين الملوك ملوك الناس والسوق
أين الذين إلى لذاتها ركنوا *** قد كان فيها لهم عيش ومرتفق
أمست مساكنهم قفراً معطلة *** كأنهم لم يكونوا قبلها خلقوا
يا أهل لذات دار لا بقاء لها *** إن اغتراراً بظل زائل حمق
وقال آخر:
الدهر يومان ذا أمن وذا خطر *** والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر يعلو فوقه جيف *** وتستقر بأقصى قاعه الدرر
وفي السماء نجوما لا عداد لها *** وليس يكسف إلا الشمس والقمر
****************
وقال آخر:
فلم أر كالأيام للمرء واعظا *** ولا كصروف الدهر للمرء هاديا
*****************
وقال آخر:
قد يجمع المال غير آكله *** ويأكل المال غير من جمعه
وقال آخر:
لا ترقدن لعينك السهر *** وانظر إلى ما تصنع العبرُ
انظر إلى عبر مصرفة *** ما دام يمكن طرفك النظرُ
فإذا جهلت ولم تجد أحداً *** فسل الزمان فعنده الخبرُ
فإذا نظرت تريد معتبراً *** فانظر إليك ففيك معتبرُ
أنت الذي تنعاه خلقته *** ينعاه منه الشعر والبشرُ
يا من يؤمل أنت منتظر *** أملاً يطول ولست تنتظرُ
ماذا تقول وأنت في غصصٍ *** ماذا تقول وذوقك المدرُ
ماذا تقول وقد لحقت بما *** يجري عليه الريح والمطرُ
كم قد عفتْ عين لها أثر *** درستْ ويُدرس بعدها الأثرُ
وقال آخر:
دع الدور و اطلب فسيح البراري *** و انظر إلى صفحات الجمال
على حافة الماء دون ملال *** تأمل ترقق ماء زلال
وحدق إلى نرجس ذي دلال *** وقبِّل عيوناً له كاللآلي
وقال آخر:
أما والله لو علم الأنــام *** لما خلقوا لما هجعوا وناموا
لقد خلقوا ليـوم لو رأتـه *** عيون قلوبهم ساحوا وهاموا
ممات ثم حشـر ثم نشـر *** وتوبيـخ وأهـوالٌ عظـام
ليوم الحشر قد عملت أناس *** فصلوا من مخافته وصـاموا
ونحن إذا أمـرنا أو نهينا *** كأهل الكهف أيقـاظ نيام
وقال آخر:
كأنك لم تسمع بأخبار من مضى *** ولم تر في الباقين ما يصنع الدهر
فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم *** محاها مجال الريح بعدك والقطر
على ذاك مروا أجمعون وهكذا *** يمرون حتى يستردهم الحشر
فحتام لا تصحو وقد قرب المدى *** وحتام لا ينجاب عن قلبك السكر
بل سوف تصحو حين ينكشف الغطا *** وتذكر قولي حين لا ينفع الذكر
وقال عبد الوهاب عزام:
لست أخلو لغفلة و سكون *** وفرار من الورى و ارتياح
إنما خلوتي لفكر و ذكر *** فهي زادي وعُدّتي لكفاحي
وقال آخر:
كل صفـو إلى كَدَر *** كل أمنٍ إلى حَذر
ومصير الشباب للموت *** فيه أو الكَبِر
أيها الآمل الذي *** تاه في لُجّة الغَرَر
أين من كان قبلنا *** دَرَسَ الشخصُ والأثر
سيردُ المعارَ من *** عمرُه كله خَطر
ربّ أني ذخرت عندك *** أرجوك مُدّخر
إنني مؤمن بما *** بين الوحي في السوَر
واعترافي بترك نفعي *** وإيثاري الضَرر
رب فاغفر لي الخطيئة *** يا خَيرَ من غـَفـَر
وقال آخر:
هل الدهر إلا ما عرفنا وأدركنا *** فجـــائعه تبقى ولذاته تفنى
إذا أمكنت فيه مسرة ساعة *** تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا
إلى تبعات في المعاد وموقف *** نود لديه أننا لم نكن كنا
حصلنا على هم وإثم وحسرة *** وفات الذي كنا نلذ به عنا
كأن الذي كنا نسر بكونه *** إذا حققته النفس لفظ بلا معنى
وقال آخر:
كفى زاجراً للمرء أيام دهره *** تروح له بالواعظات وتغتدي
وقال آخر:
نزهـة الْمؤمـن الفكـر *** لـذة الْمؤمـن العبَر
نـحمـد اللـه وحـده *** نَحن كل علـى خطر
رُبَّ لاه و عمــــره *** قد تقَضَّى و مـا شعر
ربَّ عيـش قـد كـان *** فوق المنى مورق الزهر
فِي خريـر من العيـون *** و ظلّ مـن الشجـر
وسـرور مـن النبـات *** و طيـب مـن الثمر
غـيَّرتـه و أهـلــه *** سرعـة الدهر بالغيَر
نَحمـد اللـه وحـده *** إن فِي ذا لَمعتـبـر
إن فـي ذا لـعـبـرة *** للبيـب إن اعتـبَر
وقال آخر:
سل الواحة الخضراء والماء جاريا *** وهذه الصحاري والجبال الرواسي
سل الروض مزدانًا سل الزهر والندى *** سل الليل والإصباح والطيْر شاديا
وسل هـذه الأنسام والأرض والسما *** وسل كل شيءٍ تسمع الحمد ساريا
فلو جم هذا الليـل وامتد سرمدًا *** فمن غير ربِّي يرجع الصبح ثانيا؟!
وقال آخر:
وحدثتك الليالي أن شيمتها *** تفريق ما جمعته فاسمع الخبرا
وكن على حذر منها فقد نصحت *** وانظر إليها تر الآيات والعبرا
فهل رأيت جديداً لم يعد خلقاً *** وهل سمعت بصفو لم يعد كدرا
وقال آخر:
سل الأيام ما فعلت بكسرى *** وقيصر والقصور وساكنيها
أما استدعتهم للموت طراً *** فلم تدع الحليم ولا السفيها
دنت نحو الدني بسهم خطب *** فأصمته وواجهت الوجيها
أما لو بيعت الدنيا بفلس *** أنفت لعاقل أن يشتريها