أولادنا فلذات أكبادنا، أمانة عندنا، والله عز وجل جعل أولادنا في رعايتنا، ونحن مسؤولون عنهم، يقول عليه الصلاة والسلام: (( كلُّكم راع، وكلُّكم مسؤول عن رعِيَّته )) وأولادنا في رعايتنا، ونحن محاسبون عنهم يوم القيامة. عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (( لأنْ يُؤَدِّبَ الرجلُ وَلَدَه، خير من أن يتصدق بصاع وقد ورد في الأثر: لاعِبْ ولدك سبعاً، وأدبه سبعاً، وراقبه سبعاً، وصاحبه سبعاً. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال (( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم يُنْتَفَعُ به، أو ولد صالح يدعو له وخير كسب الرجل ولده، لأنه صدقة جارية، لأن ولد الإنسان، وولد ولده، وذرية أولاده من بعده إلى يوم القيامة، في صحيفته يوم القيامة، يقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ ما من تجارة أربح عند الله عز وجل من أن تؤدب ولدك، وأن تنميَ فيه الإيمان ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ يكاد يكون أعظم الأعمال عند الله قاطبةً، أن يكون لك ولد صالح ينفع الناس من بعدك. بل إن الإمام عمر رضي الله عنه يقول: والله إني لأقوم إلى زوجتي وما بي من شهوة، إلا ابتغاء ولد صالح ينفع الناس من بعدي. فأولاد المرء المسلم زاده إلى الجنة، وطريقه إلى الجنة. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق )) أن تربي ابنك على عقيدة سليمة، وعلى عبادة متقنة، وعلى أخلاق كريمة، وأن يكون عنصراً نافعاً في المجتمع، هذا أعظم عمل يقوم به الأب، بل إن رسالة الأب لا تزيد على ذلك. ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (( .. وجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيني في الصلاة )) ووصية النبي عليه الصلاة والسلام عند انتقاله إلى الرفيق الأعلى: (( الصلاةَ وما ملكت أيمانكم )) وسيدنا عمر حينما طعن نطق بكلمتين قال: هل صلى المسلمون الفجر؟ مراحل التربية على الصلاة : تعويد الطفل على الصلاة له شأن كبير في مستقبله الإيماني، والطفولة بالتأكيد ليست مرحلة التكليف، إنما هي مرحلة إعداد وتعويد، وصولاً إلى مرحلة التكليف. الطفل وأن يدرَّب على عبادات الإسلام، حتى إذا وصل إلى سن البلوغ، كانت الصلاة جزءاً من كيانه.
المراحل التي ينبغي أن نلحظها في تربية الأب أولاده على الصلاة هي كالتالي: ) الوقوف مع المصلين : في الطفولة المبكرة، في بداية وعي الطفل، يطلب الأب أو الأم من ابنهما أن يقف بجوارهما في الصلاة وقوفاً فقط، روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال عن الطفل: (( إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة )) هذا الطفل لا يعرف أحكام الصلاة، قد يمشي أمام المصلي، وقد يصرخ أمام المصلي، وقد يجلس أمام المصلي، لا شيء عليه، ليس محاسباً عن شيء، لكن ينبغي في بداية وعيه أن تدعوه لأن يقف إلى جانبك في الصلاة. وما الذي يمنع أن تصطحبه معك إلى المسجد، وأن تراقب وضعه في المسجد، وأن يكون إلى جنبك في المسجد، ليألف بيوت الله عز وجل، وليألف إقامة هذه الفريضة. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (( إذا قضى أحدكم الصلاةَ في مسجده، فليجعل لبيته نصيباً من صلاته، فإن الله جاعِل في بيته من صلاته خيراً )) من السنة أن تصلي الفريضة في المسجد، وأن تصلي السنن في البيت، لئلا يكون البيت قبراً، تصلي الفريضة في المسجد، وتصلي ركعتي السنة والوتر في البيت، ليكون البيت زاخراً بصلاة تلفت نظر الصغار. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (( اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبوراً )) وحينما يرى الطفل الصغير والده ووالدته يصليان في البيت يقلدهم بحكم الفطرة التي فطر عليها. ) تعلّم الأحكام البسيطة عن الصلاة في مرحلة ما قبل السابعة ينبغي أن تعلمه بعض أحكام الطهارة البسيطة: عن أهمية التحرز من النجاسة، والاستنجاء، وآداب قضاء الحاجة، وضرورة المحافظة على نظافة الجسم والملابس، مع شرح علاقة الصلاة بالطهارة، معلومات بسيطة جداً مجتزأة، الأساسيات فقط، تعليم لطيف رقيق، فيه رقة، وفيه حنان. ثم أن تعلّم الطفل قبل السابعة الفاتحة، وبعض قصار السور استعداداً للصلاة، وأن تعلمه الوضوء، وأن تدربه عليه عملياً، كما كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يفعلون مع أبنائهم.ولا نطالبه بالفرائض كلها جملة واحدة حتى سن السابعة، ونذكّر الآباء أن يصطحبوا أولادهم إلى صلاة الجمعة بعد أن يعلموهم آداب الجلوس في المسجد، هذا أيضاً مهم جداً. ) التعويد على المواظبة على الصلاة : أما مرحلة ما بعد السابعة إلى العاشرة، فيأتي دور الحديث الشريف: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (( مُرُوا أولادَكم بالصلاة وهم أَبناءُ سبع، واضربوهم عليها وهم أبناءُ عشْر، وفرِّقُوا بينهم في المضاجع )) ويطلب من الطفل الصلاة باللين والرفق، والحب والرحمة من دون عنف، ومن دون ضرب قبل العاشرة، هذا من نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذه المرحلة. بعد سن السابعة ينبغي أن يتعلم أحكام الطهارة الكاملة، وينبغي أن يتعلم صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام، وبعض الأدعية الخاصة بالصلاة، وأن نحثه على الخشوع، وحضور القلب، وقلة الحركة في الصلاة، وأن نذكره بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن عمار بن ياسر رضي الله عنه، أنه صلى ركعتين فخففهما، فقال له عبد الرحمن: يا أبا اليقظان، أراك قد خففتهما؟ فقال: إني بادرت بها الوسواس، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن الرجل ليصلي الصلاة ولعله لا يكون له منها إلا عشرها، أو تسعها، أو ثمنها، أو سبعها، أو سدسها، حتى أتى على العدد )) ) التلويح بالعقاب على ترك الصلاة : وينبغي أن نكرر أمام الصغير قبل سن العاشرة أنه بعد سن العاشرة يحاسب على ترك الصلاة، ويؤدَّب على ترك الصلاة، ويعاقب على ترك الصلاة، من أجل أن يكون هذا الحديث الشريف رادعاً له، وباعثاً له على متابعة الصلاة ولكن صدقوا أنك إذا كنت محافظاً على الصلاة أنت وزوجتك، وكنت قدوة لابنك ولابنتك في المحافظة على الصلاة، تأكد أن هذا الطفل الصغير سيرتبط بالصلاة، ويحرص عليها، ولاسيما إذا شجعته تشجيعاً معنوياً ومادياً. هناك أب يضرب ابنه ضرباً مبرحاً إن لم يصلِّ، وهناك أب يكافئ ابنه بمكافأة مادية مع كل صلاة يؤديها في وقتها، وفرق كبير بين أسلوب الترغيب وأسلوب الترهيب، وأسلوب الترغيب لعله أجدى مع الصغار من أسلوب الترهيب. بعد سن العاشرة لابد من أن يتابع الأب ابنه على أداء الصلوات كلها، وأن يهدده بالمعاقبة والتأديب، وأن يلقي في روعه أن هذه الصلاة فريضة، وأن تركها معصية كبيرة.
أيها الإخوة الكرام، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ ) من لوازم هذه المرحلة أنه إذا فاته فرض صلاة ينبغي أن توجهه إلى عمل صالح، إلى خدمة، إلى صيام، إلى صدقة من دخْلِهِ المتواضع، كي يرمم هذه الفريضة التي فاتته تطبيقاً لقول النبي عليه الصلاة والسلام عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( .. وأتبعِ السيئةَ الحسنةَ تمحُها )) الله عز وجل يقول على لسان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ﴾ والله عز وجل يعلمنا الدعاء، فيقول: ﴿ والذين يقولون رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ ) لفت الانتباه إلى أهمية الصلاة : إذا أراد ابنك أن يستأذنك قبل العشاء لينام، ينبغي أن تذكره أنه بقي دقائق لأذان العشاء، قل له: يا بني تصلي، ثم تذهب للنوم.
إذا طلب الابن من أبيه الذهاب إلى نزهة، أو إلى زيارة أحد الأقارب قبيل وقت الغروب، يجب أن تقول له: نصلي المغرب أولاً، ثم نذهب. ومن وسائل إيقاظ الحس بالصلاة لدى الأولاد: أن يسمعوا المواعيد جميعها مرتبطة بأوقات الصلاة: نتقابل بعد صلاة العصر، سنحضر لزيارتكم بعد صلاة المغرب.. حينما يربط الأب مواعيده ومواعيد أسرته مع فروض الصلاة، هذا يلقي في حس الصبي أن الصلاة شيء كبير جداً، ومهم جداً في حياة المسلم. إذا كنت في سفر ينبغي أن تعلمه صلاة القصر والجمع، وأن هذه رخصة، وأن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه. وعلى الأب أن يعلم ابنه بالتدريج النوافل: صلاة الضحى، صلاة الليل، صلاة الحاجة، صلاة الشكر، هذا أيضاً يُغرَس في الابن غرساً في سن مبكرة. وعلم ابنك الشجاعة من أجل أن يدعو زملاءه إلى الصلاة، لو كانوا في نزهة علمه أن يكون شجاعاً، لو قلت لهم: تعالوا لنصلي الظهر، هذا أيضاً يأتي بالتعليم، وعلم ابنك أيضاً ألا يجد حرجاً في إنهاء مكالمة أو في إنهاء حديث من أجل صلاة الجماعة في المسجد، اجعل الصلاة أهم شيء في حياته. ) التبكير إلى الجماعات والمساجد : حينما تأخذ ابنك إلى المسجد يوم الجمعة في وقت مبكر، تغرس فيه هذه العادة حتى الموت. حينما تحرص أيها الأب أن يحضر أولادك صلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، يتعلق ذلك في كيانهم، وتصبح صلاة العيدين، وربما صلاة الجنازة شيئاً من كيانهم، ومن حياتهم، وحينما تكافئ ابنك مكافأة معنوية بالثناء عليه، ومكافأة مادية بشيء يحبه على أداء الصلوات بانتظام، وحينما يكون هناك اتصال بين المدرسة وبين البيت ، وحينما يسأل القائمون في المدرسة عن صلاة الابن في البيت، هذا أيضاً يدعوه إلى أن يوقظ حسه لأداء الصلوات. ) تعليم القرآن والأدعية والأذكار : وحينما يعلم الصغير ترديد أذكار اليوم والليلة، ويعرف أن الله سبحانه وتعالى يقول:﴿ وأقم الصلاة إِنَّ الصلاة تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ هذه الأدعية والأذكار، أدعية ما بعد الصلاة، أدعية ما قبل الصلاة، الأدعية المرافقة للأذان، هذه تسري في كيانه، وتصبح مألوفة عنده. وحينما تدعوه إلى حفظ القرآن الكريم في سن مبكر، والتعليم في الصغر كما يقال: كالنقش في الحجر، هذه فرصة ذهبية كي تدعو ابنك إلى حفظ القرآن، وحينما تذكر له هذا الحديث الشريف: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( .. فيقول القرآن: يا رب حلِّه، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، يا رب ارضَ عنه، فيرضى عنه، ويقال له: اقره وارقه، ويزداد بكل آية حسنة )) الاستعانة بالوسائل التربوية : حينما ترسم لولدك جدولاً لأداء الصلوات، ويضع إشارة في كل مربع أدى فيه الصلاة.. وحينما تقدم له برنامجاً على كمبيوتره متعلقاً بأداء الصلاة، وبأصول الوضوء والصلاة. وحينما تردد أمامه مع المؤذن حين يقول: حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله .. وحينما تردد معه كلمة التوحيد، وكلمة الشهادة أمامه .. هذا كله يرسخ في أعماقه. وحينما تعلمه دعاء الخروج من المنزل لأداء الصلوات.. وحينما تعلمه دعاء الدخول إلى المسجد ودعاء الخروج منه.. وحينما تعلمه دعاء قضاء الحاجة.. هذا كله ينفعه في حياته مستقبلاً. وحينما تحذره أن هذا الذي يصلي كنقر الغراب يسرق من صلاته: عن أبي قتادة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، قالوا: يا رسول الله، كيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها، أو لا يقيم صلبه في الركوع ولا في السجو د تغرس فيه روح الأمانة على الصلاة. الرفق والـتـشجيع والترغيب : عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (( الرَّاحِمُونَ يرحمهم الرحمن، ارحَمُوا مَن في الأرض، يرحمْكم من في السماءِ..) كل من يوجه الصغار عليه أن يجتنب كثرة الأوامر، عليه أن يثيب الطفل على السلوك الطيب بجوائز معنوية كإظهار الرضا، أو أن يثيبه على أعماله الصالحة بجوائز مادية. في حال وقوع الطفل في خطأ ينبغي أن يقول له: هذا الفعل خطأ، دون أن يقول: إنك أخطأت، تلطف معه، بيّن له الحقيقة، إذا تكرر الخطأ مرات عديدة يمكن أن يحرمه من بعض ما يحب، فهذا من أجل التحفيز على متابعة الصلاة. عرفوا أولادكم قبل أن يصلّوا بين يدي مَنْ يقفون، ومن يناجون، علموهم أن الصلاة لله وحده، لا إرضاءً لزيد أو عبيد.
علموهم أنهم إذا طهروا أرزاقهم، وإذا أطعمهم الأب مالاً حلالاً كان عوناً لهم على الخشوع في الصلاة. علموهم أنهم إذا قرؤوا القرآن، وأحسنوا تلاوته رضي الله عنهم، وأكرمهم في الدنيا والآخرة.