انتبه ... فالعمر يمضي
قال الشاعر:
إذا مر بي يـوم ولم أقتبس هـــدى ولم أستفد علماً فما ذاك من عمـري
وقـال حكيم: من أمضى يوماً من عمره في غير
حق قضاه، أو فرضٍ أداه، أو مجدٍ أثَّله، أو حمدٍ حصَّله، أو خير أسسه، أو
علمٍ اقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه.
وللـوقــت خصائص يتميز بهـا يجب علينا أن ندركها حق إدراكها، وأن نتعامل معه على ضوئها، ومن هذه الخصائص:
أولاً: سـرعة انقـضـائـــــه:
فهو يمر مر السحاب سواء كان زمن مسرة وفرح، أم كان زمن اكتئاب وترح.
قال الشاعر:
مـرت سنون بالوصال وبالهـنا فكأنهـــا مـن قصرهـــا أيــام
ثم أتت أيـام هـجـــر بعـدهـا فكأنــها مـــن طولها أعـــوام
ثم انقضت تلك السنون وأهـلها فكأنهـا وكأنهــــم أحــــــلام
ومـهـمـا طال عمر الإنسان في هذه الحياة فهو قصير ما دام الموت هو نهاية كل
حي. وعند الموت تـنـكـمــــش الأعوام والعقود التي عاشها الإنسان حتى
لكأنها لحظات مرت كالبرق الخاطف.
قال ـ تعالـى ـ: {ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار} [يونس: 45].
ثانياً: أن ما مضى منه لا يعود ولا يعوَّض :
فكل يوم يمضي وكل ساعة تنقضي وكل لحظة تـمــــــر ليس في الإمكان
استعادتها، ومن ثمَّ لا يمكن تعويضها؛ وهذا ما عبر عنه الحسن البصري
بقـولـه البليغ: "ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم! أنا خلق
جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني؛ فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة".
قال الشاعر:
وما المرء إلا راكب ظـهــر عمــــره على سفـر يفنيه باليوم والشهـر
يبيت ويضحي كـل يـوم وليـلـــــة بعيداً عن الدنيا قريبـاً إلى القـبر
ثالثاً: أنه أنفس ما يملك الإنسان:
فالوقت يعتبر مــــن أنفس وأثمن ما يملك الإنسان؛ لأن مـا مضـى منه لا يرجع
ولا يعوَّض بشيء. وترجع نفاســــــة الوقت إلى أنه وعاء لكل عمل وكل
إنتاج؛ فهو في الواقع رأس المال الحقيقي للإنسان فرداً أو مجتمعاً.
والوقت ليس من ذهب فقط ـ كما يقول المثل ـ؛ بل هو أغلى ـ في حقيقة الأمر ـ
من الذهب وغير ذلك من المعادن والجواهر النفيسة، إنه هو الحياة؛ فما حياة
الإنسان إلا الوقت الذي يقضيه من ساعة الميلاد إلى ساعة الوفاة.
وفي هذا قـال الحسن البصري أيضاً: ابن آدم! إنما أنت مجموعة أيام كلما ذهب
يوم ذهب بـعـضـــك، ومن جهل قيمة الوقت الآن فسيأتي عليه حين يعرف فيه قدره
ونفاسته وقيمة العمل فيه ولكن بعد فوات الأوان.
وفي هذا يذكر القرآن موقفين للإنسان يندم فيهما على ضياع وقته، حيث لا ينفع الندم:
الموقف الأول: ســـاعة الاحتضار:
حين يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة ويتمنى لو منح مهلة من الزمن
وأُخِّر إلى أجل قريب ليصلح ما أفسد ويتدارك ما فات. قال ـ تعالى ـ: {وأَنفِقُوا
مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ
فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إلَــى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ
وأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون:10]. ولكن الله رد عـلـيـهـــم بقولـه: {ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها إن الله خبير بما تعملون} [المنافقون: 11].
الموقف الثاني: في الآخرة:
حيث توفى كل نفس ما عـمـلــت وتجزى بما كسبت، ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل
النار النار؛ قال ـ تعالى ـ: {ووفـيـت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون}
[الزمر: 70]
وقوله ـ تعالى ـ : {الـيـــوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب} [ غافر: 17].
هناك يتمنى أهـل النار لو يعودون مرة أخرى إلى الدنيا؛ ولكن هيهات لما
يطلبون؛ فقد انتهى زمن العمل وجاء زمن الجزاء، والله أعطى كل مكلَّف من
العمر ما يتسع لعمل ما كُلِّفَ به، ويُذكِّره إذا غـفــل عنه وبخاصـة من
عاش حتى بلغ الستين من عمره؛ ففي هذا القدر من السنين ما يكفي لأن
يـنـتـبـه الغافل ويتوب العاصي