ما هى الأضحية؟ ولماذا شرعت؟ وهل هى واجبة؟ وما هى شروط الأضحية؟ وما موعد
ذبحها؟ وكيف تقسم وتوزع؟ وهل يجوز توكيل أحد الجزارين بالقيام بالذبح بدلا
من المضحى؟ وما هو آخر ميعاد للذبح المشروع؟ ما حكم ذبح الأضاحى فى الشوارع
وترك مخلفاتها فى الطرقات وعدم القيام بتنظيف هذا؟ ما حكم الشرع فى تجميع
جلود الأضاحى ثم بيعها فى مزاد علنى بمعرفة الجمعيات، ثم يستخدم ثمنها فى
الصرف على بناء المساجد والمراكز الطبية وغيرها من المشاريع الخيرية؟ كل
تلك الأسئلة تشغل بال المسلمين قبل أن يؤدوا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم
فى مناسك ذبح الأضاحى بعيد الأضحى.
"اليوم السابع" استطلع رأى دار الإفتاء المصرية فى كل ما يشغل بال المسلمين
قبل ذبح الأضاحى صباح العيد فكان الجواب كالتالى، أولا الأضحية هى ما يزكى
تقربا إلى الله تعالى فى أيام النحر بشرائط مخصوصة، فلا يعد أضحية ما يذكى
لغير التقرب إلى الله تعالى كالذبائح التى تذبح للبيع أو الأكل أو إكرام
الضيف، ولا يكون أضحية ما يذبح فى غير هذه الأيام ولو بنية التقرب لله
تعالى، ولا كذلك ما يزكى بنية العقيقة عن المولود، ولا ما يذبح فى الحج من
هدى التمتع أو القران أو جزاء ترك واجب أو فعل محظور فى الحج، أو لمطلق
الإهداء للحرم وفقرائه.
والأضحية المقصود بها شكر الله تعالى على نعمة الحياة إلى حلول الأيام
الفاضلة من ذى الحجة، والأضحية شرعت بدليل الكتاب والسنة والإجماع: قال
تعالى: فى سورة الكوثر "فصلى لربك وانحر" أى صل العيد وانحر الأضاحى ومن
السنة فى ذلك قولية وفعلية؛ فعن أبى هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- قال: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلا يَقْرَبَنَّ
مُصَلانَا». وعن أنس قال: «ضَحَّى النَّبِى -صلى الله عليه وسلم-
بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى
وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا». أخرجه مسلم. وأجمع
المسلمون على مشروعيتها.
وأما حكمها: فالجمهور اتفق على أنها سنة مؤكدة -أى أنه لا إثم فى تركها-
يفوت المسلمَ خير كبير بتركها إذا كان قادرا على القيام بها، فعن عائشة أن
النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا عَمِلَ آدَمِى مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ
النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا
لَتَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلافِهَا،
وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ
الأرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا». وذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها، منهم
أبو حنيفة ومالك فى أحد قوليه.
أما شروط الأضحية: فلها شروط عامة تشملها وتشمل غيرها من الذبائح، ولها
شروط خاصة بها، فأما الشروط العامة: أن يكون الحيوان حيا وقت الذبح، وأن
يكون زهوق روحه بمحض الذبح، فلو اجتمع الذبح مع سبب آخر للموت يُغَلب
المحرِّم على المبيح فتصير ميتة لا مزكاة، وألا يكون الحيوان صيدا من صيد
الحرم، فلو ذُبح صيد الحرم كان ميتة سواء كان ذابحه محرما أم حلالا، ويشترط
فى الذابح أن يكون: عاقلا، ومسلما أو كتابيا، وألا يكون محرما إذا ذبح صيد
البر، وألا يذبح لغير اسم الله تعالى.
ويشترط فى آلة الذبح: أن تكون قاطعة: معدنية أو غير معدنية، فعن رافع بن
خديج أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا أَنْهَرَ -أى أسال- الدَّمَ
وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ». رواه
الشيخان، ويستحب فى الذبح أشياء معظمها مأخوذة من حديث شداد بن أوس
المرفوع: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا
قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا
الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ».
رواه مسلم.
ومن مستحبات الذبح: أن يكون بآلة حادة، وأن يسرع الذابح الذبح، واستقبال
القبلة من جهة الذابح ومن جهة مذبح الذبيحة؛ لأن القبلة جهة الرغبة إلى
طاعة الله تعالى، ولا بد للذابح من جهة، وجهة القبلة هى أشرف الجهات، وكان
ابن عمر وغيره يكرهون أكل الذبائح المذبوحة لغير القبلة، وإحداد الشفرة قبل
الذبح، ولكن بدون أن يرى الحيوان ذلك، لحديث الحاكم عن ابن عباس: أن رجلا
أضجع شاة يريد أن يذبحها وهو يُحِدّ شفرته، فقال له النبى -صلى الله عليه
وسلم-: «أتريد أن تميتها موتات؟ هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها».
وأن تضجع الذبيحة على شقها الأيسر برفق قال النووي: "اتفق العلماء على أن
إضجاع الذبيحة يكون على جانبها الأيسر؛ لأنه أسهل على الذابح فى أخذ السكين
باليمين وإمساك رأسها باليسار"، وسوق الذبيحة إلى المذبح برفق، وعرض الماء
على الذبيحة قبل ذبحها، وعدم المبالغة فى القطع حتى يبلغ الذابح النخاع،
أو يُبين رأس الذبيحة حال ذبحها، وكذلك بعد الذبح وقبل أن تبرد، وكذا سلخها
قبل أن تبرد؛ لما فى ذلك من إيلام لا حاجة إليه.
وأما الشروط الخاصة بالأضحية، فمنها شروط خاصة بالحيوان: أن يكون من
الأنعام ، وهى الضأن والماعز والإبل والبقر ومنها الجاموس، يجزئ من كل ذلك
الذكور والإناث. والجمهور على أن الشاة تجزئ عن واحد، والبدنة -جمل أو
ناقة- والبقرة -أو الجاموس- كل منهما تجزئ عن سبعة؛ لحديث جابر: «نَحَرْنَا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ
الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ». رواه مسلم.
وأن تبلغ سن التضحية، وهو أن تكون ثنية فما فوق من الإبل والبقر والماعز،
أو جذعة فما فوق من الضأن؛ وذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا
تَذْبَحُوا إِلا مُسِنَّةً -أى ثَنِيّة- إِلا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ
فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ». وتفسير هذه الأسنان فيه خلاف بين
المذاهب نختار منها أن جذعة الضأن تبدأ من ستة أشهر فصاعدا، وأن ثنية المعز
تبدأ من سنة، وأن ثنية البقر تبدأ من سنتين، ومن الإبل تبدأ من خمس.
وأن تكون سليمة من العيوب الفاحشة وأن تكون مملوكة للذابح أو مأذونا له
فيها، فلو غصب شخص شاة وضحى بها عن مالكها من غير إذن لم تقع عنه؛ لعدم
الإذن، ولو ضحى بها عن نفسه لم تجزئ أيضا؛ لعدم الملك.
ويشترط فى المضحى:نية التضحية؛ لحديث: «إنما الأعمال بالنيات». لتفترق هذه القُربة عن غيرها من القربات، وعن الذبح لمجرد اللحم.
وأما موعد ذبحها، ففى الأمصار حيث تشرع صلاة العيد، يبدأ الوقت من انتهاء
الصلاة فى موضع التضحية، ولو قبل الخطبة، ولو قبل انتهاء الصلاة فى مواضع
أخرى، والأفضل التأخير إلى ما بعد الخطبتين، وإن كان فى غير المِصر حيث لا
تشرع صلاة العيد، فيجوز من فجر يوم النحر الصادق، وهذا رأى الحنفية،
والأفضل الانتظار بقدر ما يسع انتهاء الصلاة؛ خروجا من خلاف من اشترطه.
والعبرة بمكان الذبح لا بمكان الموكل.
وأما عن كيفية تقسيمها وتوزيعها، فيستحب أن يأكل منها ويطعم غيره ويدخر
لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا»، والأفضل
أن يكون ذلك أثلاثا، ويعطى منها الغنى والفقير، فقد روى عن ابن عباس أنه
قال فى أضحية النبى -صلى الله عليه وسلم-: ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم
فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤَّال بالثلث.
التصدق بالجميع أو إبقاء الجميع، والتصدق بها أفضل من ادخارها إلا أن يكون
المضحى ذا عيال وهو ليس ذا غنى وبسطة، فالأفضل لمثل هذا أن يوسع على
عياله؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شىء
فلأهلك، فإن فضل شىء عن أهلك فلذى قرابتك، فإن فضل عن ذى قرابتك شىء فهكذا
وهكذا».
ويستحب للمضحى أن يذبح بنفسه إن قدر على ذلك؛ لأنه قربة، ومباشرة القربة
أفضل من التفويض والتوكيل فيها واستثنى الشافعية إن كان المضحى أنثى أو
أعمى فالأفضل فى حقهما التوكيل ويستحب للمضحى أيضا التسمية عند الذبح خروجا
من خلاف من أوجبه فيقول: بسم الله والله أكبر، وحبذا لو صلى على النبى
-صلى الله عليه وسلم-، ويستحب له الدعاء بقوله: اللهم منك ولك، إن صلاتى
ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من
المسلمين؛ ويستحب له أن يبادر بالتضحية ويسرع بها قبل غيره من وظائف العيد
وأيام التشريق ويستحب له قبل التضحية أن يربطها قبل يوم النحر بأيام؛
إظهارا للرغبة فى القربة ويستحب له أن يسمن الأضحية أو يشترى السمين؛ لأن
ذلك من تعظيم شعائر الله تعالى، وإن كانت شاة أن تكون كبشا أبيض عظيم القرن
خصيًّا؛ لحديث أنس: «أنه -صلى الله عليه وسلم- ضحى بكبشين أملحين».
ويكره للمضحى التضحية فى الليل لغير حاجة، ويكره التصرف فى الأضحية بما
يعود عليها بضرر فى لحمها أو جسمها، خاصة إذا كانت معينة أو منذورة،
كالركوب، أو شرب لبن يؤثر فيها، أو جزّ صوف يضر بها، أو سلخها قبل زهوق
الروح.
ويكره إعطاء الجازر ونحوه أجرته من الأضحية؛ لحديث على قال: «أمرنى رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- أن أقوم على بُدنه وأقسم جلودها وجِلالها،
وأمرنى ألا أعطى الجزار منها شيئا. وقال: نحن نعطيه من عندنا».
و يجوز توكيل الغير عن ذبح الأضحية: الجزار وغيره، للحديث المرفوع: «يا
فاطمة، قومى إلى أضحيتك فاشهديها»، وإن كان به ضعف إلا أن الفقهاء اتفقوا
على صحة العمل بمضمونه، وإن كان الذابح الوكيل كتابيا صح عند الجمهور مع
الكراهة، والأفضل أن يذبح بنفسه.
وعن آخر ميعاد للذبح هو آخر أيام التشريق، أى عند غروب شمس الثالث عشر من
ذى الحجة، وهذا مذهب عدة من الصحابة والتابعين، وهو رأى الشافعية وقول
للحنابلة واختيار ابن تيمية، ودليلهم حديث النبى -صلى الله عليه وسلم- الذى
رواه ابن حبان عن جبير بن مطعم: «كل أيام التشريق ذبح». وعن على بن أبى
طالب: أيام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده.
والأفضل التعجيل بالذبح قبل غروب ثانى أيام التشريق أى يوم الثانى عشر من ذى الحجة؛ للخروج من خلاف الجمهور.
و عن حكم إلقاء مخلفات الأضاحى فى الطرقات أكدت الدار أن هذا العمل من
السيئات العِظام والجرائم الجِسام؛ لأن فيه إيذاءً للناس، فقد قال الله
تعالى: {وَٱلَّذِينَ يُؤذُونَ ٱلمُؤمِنِينَ وَٱلمُؤمِنَٰتِ بِغَيرِ مَا
ٱكتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحتَمَلُواْ بُهتَٰنا وَإِثما مُّبِينا}، وفاعل ذلك
إنما يتخلق بأخلاق بعيدة عن أخلاق المسلمين؛ فإن النبى صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم يقول فيما رواه عنه عديدٌ من الصحابة -رضى الله عنهم-:
«المُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ»، رواه الشيخان
وغيرهما، والذابح للأضاحى أو غيرِها فى شوارع الناس وطرقهم مع تركه
للمخلفات فيها يؤذيهم بدمائها المسفوحة التى هى نجسة بنص الكتاب العزيز،
ويعرضهم لمخاطر الإصابة بأمراض مؤذية فإن هذه الخصال تستجلب لعنَ الناسِ
لفاعليها، وما نحن فيه مِن إساءة لشوارع الناس ومرافقهم وتعريضهم للأمراض
والأخطار مثير لغيظ الناس واشمئزازهم وحنقهم على فاعليها ومرتكبيها.
فالواجب القيام بهذا الذبح فى الأماكن المعدة والمجهزة لمثل ذلك، والواجب
الحرص على الناس وعلى ما ينفعهم، والنأى بالنفس عن كل ما يُكَدِّر عيشَهم
أو يؤذى أحاسيسهم وأبدانهم.
والرأى الشرعى الذى تراه دار الإفتاء هو ضرورة الحرص على الالتزام بإقامة
شعيرة الأضحية بمشاركة الأولاد والأهل كل عام قدر الاستطاعة، وإن تعذر لأى
سبب بديهى يكون الرأى بجواز إقامتها -الأضحية- بأى طريقة أخرى من طرق
الإقامة؛ إما عن طريق أشخاص، أو مؤسسات خيرية، أو بنوك مؤهلة لذلك؛ حرصًا
على مصلحة الفقراء.
أما عن جمع جلود الأضحية من أصحاب الأضاحى صدقة منهم وتبرعا للأغراض
الخيرية جائز، والممنوع عند الأكثرين إنما هو أن يبيع صاحب الأضحية شيئا
منها لينتفع هو بثمنه، فعن على بن أبى طالب -رضى الله تعالى عنه- قال:
«أمرنى رسولُ الله -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- أن أَقُومَ على بُدنِهِ
وأن أَتَصَدَّقَ بلُحُومِها وجِلدِها وأَجِلَّتِها وأن لا أُعطِى
الجَزّارَ منها شيئا وقال: نحن نُعطِيه مِن عندنا». رواه الجماعة إلا
الترمذى.
أما أن يتصدق المضحى بجلد أضحيته أو بشىء منها فى الأغراض المذكورة فتباع ويُصرَف ثمنُها فى ذلك فهو جائز