بدو الفقر.. في عالم اليوم مشكلة حقيقية تسبب إيلاما للضمير الحي، وتتشكل ملامحها الكئيبة كوصمة عار على جبين الإنسانية! خاصة وهو يبلغ أشد حالاته مرارة؛ حيث الموت جوعا!
أو كما تُعبر ((سوزان جورج)) في كتابها: ((كيف يموت النصف الآخر من العالم)): ((إذا كنت تحتاج إلى ست ساعات لقراءة هذا الكتاب فحين تقلب الصفحة الأخيرة منه فثق أن (2500) إنسان قد ماتوا من الجوع)).
ونحن وسط هذا العالم..نتجاوب لأنين الجوعى فيه.. تجيء منا التفاتة لفقرائنا كضرورة لم يُحرّض عليها فقط الإيمان الجمعي بـ((الأقربون أولى بالمعروف))، ولا مجرد الإحساس النبيل بمعاناة الأخ القريب والرغبة الصادقة بمساعدته على تجاوزها.. وإنما الإحساس الواعي أيضا بأنّ ظهور الفقر في بلد يزداد عدد الموسرين فيه لابد أن يتحول إلى مأزق حقيقي يهدد بوطأته جوانب كثيرة، متشابكة ومتداخلة أحسب أن أبرزها الأمن والاستقرار المنشودين!
وإذا كانت هذه الالتفاتة..تُعبر حقيقة عن وصولنا لمرحلة أولية ومهمة هي الإحساس بوجود المشكلة.. فإنها أيضا تفرض علينا الوقوف طويلا مع آلية المعالجة أو صورها، وكيفية تفعيلها لتكون أكثر قدرةً، وأطول عمراً...!
لذلك من المهم أن نحتفي بالأعمال الخيرية التي تنبثق من منطلق: علّم الفقير كيف يصيد سمكة.. ولاتمنحه إياها! متجاوزاً بذلك صورة العمل الخيري السابق.. الواقفة عند إمداد الفقير بما يحتاجُه!
أُومنُ كثيراً بأن الإمداد المادي ضرورة تفرضها ظروف وحالات معينة لبعض أصحابها.. لكني أحسب أن الوقوف عنده طويلاً سيُثمر مع الوقت ترسيخاً غير مقصود لسيئة التسول الآخذة بالاتساع وسيُظهر على السطح مصطلحاُ جديداً سيُعرف فيما بعد بـ((التسول النظامي))!
فنحن حينما نسمح للفقير أن يمد يديه طويلاً.. وحينما لانلتفت لأهمية إعادة تأهيله، وتوعيته، وتوجيهه ناحية الحِرفة أو المهنة التي من الممكن أن تنهض به من عثرته وفاقته.. وتُكسبه نوعاً من الاكتفاء وحماية الذات الكريمة من ذُل السؤال ومهانته!
فكأنما نحن نوافقه على الاستمرار في تجاهل أو تضييع فرص استخدام إمكاناته ومهاراته.. وفرص انخراطه المثمر في عمليات التنمية الشاملة.. ليظل طيلة أيامه القادمة مجرد رقم يستهلك بالتسول النظامي.. وينتظر مزيداً من الهبات والمعونات!
لم يكن ماذُكر تقليلاً أو إغفالاً لأدوار مهمة تكفلت بها المؤسسات العاملة في الميدان الخيري طيلة أعوام خلت... لكنها إشارة لازمة لضرورة البدء في تغيير استراتيجيات العمل الخيري لدينا وإعادة صياغة أهدافه بصورة تتوافق مع مانتطلع إليه حالياً من القضاء على الفقر بمختلف أشكاله كمشكلة تتفاقم وليس مجرد الوقوف عند سد حاجة فقير!
إذ يبدو واضحاً لكل أحد أن منح الفقير مايَسُد به رمقه كلما مدّ يده.. تبدو عملية يسيرة ومتاحة في مجتمع يؤمن أفراده بـ((إطفاء الصدقة للهيب النار))!
لكن المنتظر المأمول: من سَيُعلّم الفقير كيف ينجو من وطأة العوز والفاقة دونَ أن يمد يده؟!
وربما كان شعار ((الفقير نعرفه ولايعرفنا)) مُعبراً عن فكرة هذه المقالة بوضوح!