فحياكم الله جميعاً أيها
الأحباب، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً منزلاً من الجنة، وأسأل الله -
جل وعلا - أن ينظر وجوهكم، وأن يزكي نفوسكم، وأن يشرح صدوركم، وأن يتقبل
منا وإياكم صالح الأعمال، وأن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً
على طاعته، وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ومستقر
رحمته، إنه ولي ذلك ومولاه، و هو على كل شيء قدير.لوصية حبيبنا ورسولنا
المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما في الحديث الذي رواه بعض أصحاب
السنن -وهو حديث حسن- من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه - انتبه فلابد من أن تستقر
هذه الحقيقة الكبرى في قلبك وعقلك ووجدانك، إن الحياة في هذه الأرض موقوتة
محدودة بأجل، ثم تأتي نهايتها حتماً، فيموت الصالحون، ويموت الطالحون،
يموت المجاهدون، ويموت القاعدون، يموت المستعلون بالعقيدة، ويموت
المستذلون للعبيد، يموت المخلصون الصادقون الذي يأبون الضيم ويكرهون الذل،
ويموت الجبناء الحريصون على الحياة بأي ثمن، يموت أصحاب الاهتمامات
الكبيرة، والأهداف العالية، ويموت الفارغون التافهون الذين لا يعيشون إلا
من أجل المتاع الرخيص، الكل يموت (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) صلى
الله عليه وآله وسلم - قال: ((أكثروا من ذكر هادم اللذات))، قيل: وما
هادم اللذات يا رسول الله؟ قال: ((الموت))، فانتبه أيها المسلم، فإن
الموت قادم، فإننا نعيش عصراً طغت فيه الماديات والشهوات، وانشغل فيه
كثير من الناس عن لقاء رب الأرض والسماوات.
[آل عمران: 185]، ولذا
سمى الله هذه الحقيقة في القرآن بالحق، فقال - جل وعلا -: (وَجَاءَتْ
سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ *
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ
نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ
هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق:
19-22] (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) [ق: 19]، ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ
تَحِيدُ) [ق: 19] أي: ذلك ما كنت منه تهرب، وذلك ما كنت منه تجري، وذلك
ما كنت منه تخاف، تحيد إلى الطبيب إذا أيها القوي الفتي، يا أيها الذكي، يا أيها العبقري، يا أيها الكبير، يا أيها الوزير، يا أيها الأمير، يا أيها الصغير:
كل باك سيُبكى *** وكل ناع سيُنعى
وكل مدخور سيفنى *** وكل مذكور سينسى
ليس غير الله يبقى *** من علا فالله أعلىجاءك المرض خوفاً من الموت، وتحيد
إلى الطعام إذا أحسست بالجوع هرباً من الموت، وتحيد إلى الشراب إذا أحسست
بالظمأ رعباً من الموت.والحق أنك
تموت والله حي لا يموت، (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) [ق:
19]، والحق أن ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب، (وَجَاءَتْ
سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) [ق: 19]، والحق أن يكون قبرك روضة من رياض
الجنة أو حفرة من حفر النيران.أحبتي في الله:
إننا الليلة على موعد مع هذا الموضوع الذي أتألم منه كثيراً؛ لأن دعاتنا
وشيوخنا لا يذكرون الناس به إلا في المناسبات فقط، مع أننا في أمس الحاجة
إلى أن نذكره وإلى أن نتذكره دائماً وأبداً، امتثالاً عملياً