إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.. أدَّى الأمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وكشف الله به الغمة ، جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصلى اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين...
أما بعـد:-
فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وذكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور.
طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا.
حياكم الله جميعاً وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنى وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته.
إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير..
أما بعـد:-
فإن أصدق الحديث كتاب الله ،وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أحبتى فى اللـه:
هذا هو لقاءنا السابع مع السلسة الكريمة فى رحاب الدار الآخرة وما زلنا بحول اللـه ومدده نتحدث عن العلامات الكبرى للساعة والتى ذكرها الحبيب المصطفى فى حديثه الصحيح الذى رواه مسلم من حديث حذيفة ابن أسيد الغفارى رضى اللـه عنه قال: اطلع علينا النبى ونحن نتذاكر فقال المصطفى : ((ما تذاكرون)) قالوا: نذكر الساعة، فقال :(( إنهـا لـن تقـوم حتـى تـروا قبلهـا عشـر آيـات فـذكر الدخان والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى عليه السلام، ويأجـوج ومأجـوج، وثلاثـة خسوف، خسـف بالمشرق، وخسـف بالمغـرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تسوق الناس إلى محشرهم))([1]).
وسأتحدث اليوم إن شاء اللـه تعالى عن بقية العلامات الواردة فى الحديث نظراً لأن المادة العلمية الصحيحة فى بقية هذه العلامات قليلة.
طلوع الشمس من مغربها
أيها الأحبة الكرام:
إن الشمس منذ أن خلقها اللـه عز وجل تشرق من المشرق وتغرب فى المغرب بصورة متكررة منتظمة لا تتخلف يوماً ولا تتأخر بصورة تطالع الأنظار والمدارك لتستنطق الفطرة السوية للإنسان بوحدانية الرحيم الرحمن، قال جل وعلا:
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَـازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُل فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون [ يس: 38-40]
لا ريب أنها أية من الآيات التى تستنطق الفطرة السليمة النقية بوحدانية اللـه جل وعلا، علامة بارزة على قدرة اللـه.
ولذا نرى نبى من أنبياء اللـه - خليل اللـه إبراهيم - قد تحدى بهذه الآية طاغوتاً من طواغيت أهل الأرض وسجل اللـه جل وعلا ذلك فى كتابه الحكيم:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ ءَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258].
انظر أيها الحبيب كيف تحدى الخليل الطاغية النمرود بن كنعان، إذ يقول إبراهيم: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ .
فيرد الجاهل الطاغية المجرم: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ .
ولكن أين يذهب هذه الغر الجاهل أمام نور النبوة الباهر، إذ قال له الخليل بذكاء النبوة ونورها الباهر: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .
فالشمس منذ خلقها اللـه تشرق من الشرق وتغرب فى الغرب بصورة منتظمة متكررة لا تكاد تتخلف أو تتأخر فى يوم من الأيام حتى إذا جاء الوعد الموعود استأذنت الشمس ربها أن تشرق كعادتها من المشرق فلا يأذن لها!!
ففى صحيح مسلم من حديث أبى ذر الغفارى أن النبى قال لأصحابه يوماً والشمس تغرب: (( أتدرون أين تذهب هذه الشمس ؟!)) قالوا اللـه ورسوله أعلم فقال المصطفى : ((إن هذه تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله جل وعلا فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعى، ارجعى من حيث جئت، فترتفع، فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله عز وجل فلا تزال كذلك حتى يقال لهـا: ارتفعـى ارجعى من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ( أى المشرق ) فلا تزال كذلك لا يستنكر الناس منها شيئاً حتى تجرى ثم تسـتقر فى مكانها تحت العرش فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعى، ارتفعى اصبحى طالعة من مغربك، فتصبح الشمس طالعة من مغربهــا))([2]).
لا تتعجب فكل شئ فى هذه الكون يسجد لله.
قال جل فى علاه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيـرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَــاءُ [الحج:18].
فكل شئ فى الكون يسجد لرب الأرض والسماوات إلا كفرة الجن والإنس.
انظر إلى الكون كله من عرشه إلى فرشه، ومن سمائه إلى أرضه لتتعرف على وحدانية اللـه، وعظمة الخالق جل فى علاه.
انظر إلى السماء وارتفاعها، والأرض واتساعها، والجبال وأثقالها والأفلاك ودورانها، والبحار وأمواجها.
انظر إلى كل متحرك وساكن، واللـه إن الكل يقر بتوحيد اللـه ويعلن السجود لله ولا يغفل عن ذكر مولاه إلا من كفر من الجن والإنس ولا حول ولا قوة إلا باللـه.
انظـر لتلـك الشجرة ذات الغصون النضرة
كيف نمت من حبـة وكيف صارت شجرة
ابحث وقل:
من ذا الــذى يخـرج منهــــا الثمـرة؟! ذاك هــو اللـــه
الـذى أنعمـه منهمـرة ذو حكمـة بـالغــة وقـدرة مقتــدرة
وانظر إلى الشمس التى جذوتها مستعرة فيها ضياء وبها حرارة منتشرة
ابحث وقل:
مـن ذا الذى يخــــــرج منها الشـررة؟! ذاك هـــو اللـه
الذى أنعمــه منهمـــرة ذو حكمـة بالغة وقــــدرة مقتــــدرة
الشمس والبــدر مــن آيـات قدرته والبـر والبحر فيـض من عطاياه
الطير سبحــــه والوحــش مجده والموج كبــره والحــوت ناجاه
والنمل تحت الصخور الصـم قدسه والنحل يهتـف له حمداً فى خلاياه
والناس يعصونـه جهـــرا فيسترهم والعبد ينســى وربـى ليس ينساه
اصبحى أيتها الشمس طالعة من المغرب فتسرع الشمس على الفور لتنفيذ أمر العزيز الحميد فتصبح طالعة من المغرب، انظر إلى هذا العجب !!
وضح هذه المعنى رواية ابن مردويه بسند حسن بالشواهد من حديث عبد اللـه بن أبى أوفى أن الصادق المصدوق قال: ((يأتى على الناس ليلة تعدل ثلاث ليالٍ من لياليكم، فإذا كان ذلك يعرفها المتنفلون، يقوم أحدهم فيقرأ حزبه ثم ينام ثم يقوم فيقرأ حزبه، ثم ينام فيفزعون إلى المساجد فإذا هم يرون الشمس قد طلعت من مغربها))([3]).
انظر ماذا قال المصطفى الكريم فإذا كان كذلك يعرفها المتنفلون: أى يعرفها القائمون بالليل لله رب العالمين !
اللـه أكبر!!!. . ما الذى يترتب على هذه الآية العظيمة ؟!
الذى يترتب على ذلك أن المصطفى قال فى رواية أبى ذر التى ذكرتها آنفا قال:
((أتدرون متى ذاكم؟!)) أى أتدرون متى تطلع الشمس من مغربها ؟! قالوا: اللـه ورسوله أعلم، قال: ((ذاك حين لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [ الانعام: 158 ])).
قال المصطفى ((إذا طلعت الشمس من مغربها ورآها الناس آمنوا كلهم أجمعون ))([4]).
ولكن هيهات هيهات !!.
وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أنه قال: ((ثـلاث إذا خرجـن لا ينفـع نفساً إيـمانهـا لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيراً، طلـوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض))([5]).
أيها الحبيب أذكر نفسى وأذكرك بالمبادرة بالتوبة والأوبة إلى اللـه عز وجل قبل أن يغلق اللـه باب التوبة علينا.
فإن المصطفى يقول والحديث رواه أحمد بسند صحيح قال: ((لا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت من مغربها طبع على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل))([6]).
أيها اللاهى. . أيها الساهى. . أيها الغافل. . أيها المضيع للتوحيد. . أيها المضيع للصلاة. . أيها المضيع للزكاة. . أيها العاق لوالديه. . أيها المنصرف عن اللـه:
دع عنك ما قد فات فى زمن الصبا واذكر ذنوبـــك وأبكها يا مذنب
لم ينسـه الملكــان حيـن نسيته بـل أثبتـــــاه وأنت لاه تلعب
والروح منك وديعــة أودعتهــا ستردها بالرغــم منــك وتسلب
وغرور دنيـاك التــى تسعى لها دار حقيقتهـا متـــــاع يذهب
الليل فاعلم و النهار كلاهمــــا أنفاسنـا فيهما تعـد وتحســـب
قال المصطفى : كما فى صحيح مسلم من حديث أبى موسى الأشعرى:
((إن اللـه عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها))([7]).
هنيئاً لمن طلعت الشمس عليه من مغربها وهو مستقيمُ على طاعة اللـه، اللـهم اجعلنا من أهل التوحيد والإيمان والاستقامة ووفقنا للعمل الصالح الذى يرضيك يا رب العالمين.
قال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32].
الدابة
قال جل وعلا: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82].
دابة تتكلم !! دابة تنطق !! تكلم الناس كلاماً مفهوماً واضحاً، بل وتقيم عليهم الحجة وتذكرهم بأنهم كانوا لا يوقنون بآيات اللـه وكانوا لا يصدقون بها.
قال المصطفى والحديث رواه مسلم من حديــث عبد اللـه بن عمر: ((أول أشراط الساعة طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على النـاس ضحى، فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً))([8]).
الدابة أمر عجب. . أمر مذهل. . لو تدبرته كاد قلبك أن ينخلع، دابة تخرج تجوب الأرض كلها، تفرق الدابة بين المؤمن والكافر، وتعلم المؤمن بعلامة وتعلم الكافر بعلامة، تسم الكافر على أنفه فيسود وجهه، وتسم المؤمن فيضئ وجهه كأنه كوكب درى. . أمر عجب !!
ورد فى الحديث الذى رواه أحمد فى مسنده وصححه شيخنا الألبانى أن الحبيب النبى قال: ((تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم))([9]) أى تعلم الناس على الأنوف.
بل وخذ هذا الحديث العجيب الذى رواه أحمد فى المسند والترمذى فى السنن وللأمانة العلمية التى اتفقنا عليها وأَصَّلناها من قبل أقول إن الشيخ الألبانى - حفظه اللـه – قد ضعف إسناد الحديث ومدار تضعيف الألبانى على علىّ بن زيد بن جدعان قال الألبانى فيه ضعف إلا أن العلامة أحمد شاكر قد صحح إسناد الحديث فقال على بن زيد بن جدعان مختلف فيه والراجح توثيقه وقال عن الحديث الإمام الترمذى حديث حسن قال : ((تخرج الدابة ومعها عصى موسى وخاتم سليمان فتسم أنف الكافر - أى تعلم أنف الكافر - وتجلو وجه المؤمن)) ويضئ وجه المؤمن كأنه كوكب درى، ((حتى أن أهل الخوان الواحد - أى المائدة - يجتمعون على طعامهم فيقول هذا يا مؤمن ويقول هذا يا كافر))([10]). لأن الدابة بينت وأوضحت الحقيقة وميزت المؤمن من الكافر.
غالى بعض المصنفين - أقولها بصراحة - فى وصف الدابة وأعطوا لخيالهم العنان فوصفوا الدابة وصفاً درامياً خيالياً عجيباً، فمنهم من قال رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد وقوائمها قوائم بعير إلى آخر هذا الوصف الدرامى.
الخطبة الثانية
أما بعد:
الدخـــان:
والدخان هو آخر العلامات التى سيشهدها المؤمن على ظهر الأرض، وبقية العلامات هذه لا يراها المؤمن ولا يشهد عذابها الموحدون، بل هذه العلامات التى سأذكرها الآن لا تقوم إلا على الكفرة الفجرة من شرار الخلق.
الدخان علامة كبرى:
قال عبد اللـه بن مسعود رضى اللـه عنه: إن هذا الدخان كان علامة من العلامات التى وقعت فى الدنيا بدعاء النبى على المشركين.
والدخان هنا قد وقع بالفعل ولكن الدخان الوارد فى حديث حذيفة بن أسيد الغفارى الذى هو علامة من علامات الساعة الكبرى، يختلف تمام الاختلاف عن هذه العلامة التى رآها المشركون فى مكة بدعاء الصادق المصدوق قال تعالى فى حق هذه العلامة: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ([1])يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان:10-11].
إذا خرج الدخان لا يقبل اللـه التوبة كما ذكرت.
فإذا خرج الدخان يبعث اللـه ريحاً ألين من الحرير تقبض هذه الريح أرواح المؤمنين من على ظهر الأرض، فلا يبقى على ظهر الأرض مؤمن.
يقول المصطفى : ((فلا تدع أحداً فى قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته ويبقى على الأرض شرار الخلق))([2]) الكفرة الفجرة ممن لا يؤمن باللـه عز وجل.
كما فى صحيح مسلم من حديــث عبـد اللـه بن مسعود أن النبى قال: ((لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق))([3]).
فى رواية مسلم من حديث أنس أنه قال: ((لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض اللـه)).
لا يقال فى الأرض (اللـه) لأن الموحدين قد قبضوا فلا يبقى إلا الكفرة وهؤلاء لا يعرفون اللـه ولا يوحدون اللـه جل وعلا وعلى هؤلاء تقوم الساعة بل تظهر بقية العلامات الكبرى التى هى عذاب فى عذاب وبلاء فى بلاء.
ما هى هذه العلامات ؟!!
الخسوف الثلاثة
الخسف الأول بالمشرق:
يقع الخسف بالمشرق والخسف كما هو معلوم انشقاق الأرض قال تعالى حكاية عن قارون: فَخَسفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ [القصص:81].
فيقع خسف بالمشرق على شرار الخلق بعد أن قبض اللـه أرواح المؤمنين.
الخسف الثانى بالمغرب والخسف الثالث بجزيرة العرب، وبعد هذه الخسوف تخرج العلامة الأخيرة من علامات الساعــة الكبرى ألا وهى نار تخرج من قعر مدينة عدن (المعروفة الآن باليمن) فتطرد الناس جميعاً إلى محشرهم.
وفى رواية البخارى من حديث أنس أن عبد اللـه بن سلام رضى اللـه عنه قال: لما نظرت إلى وجه النبى عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب فآمن بالنبى - والشاهد. . أن عبد اللـه بن سلام سأل النبى عن أسئلة جيدة من بين هذه الأسئلة سأله عن أول أشراط الساعة فقال المصطفى : ((نار تخرج من قعر عدن تحشر الناس من المشرق إلى المغرب))([4]).
وقد يلمح طالب العلم الفطـن تعارضـاً ظاهراً بين النصين لكن لا تعارض فقـول المصطفى فى رواية حذيفة: ((وآخر ذلـك نـار)) أى أنهـا العلامـة التى إن وقعت وقعت القيامة بعدها بالنفخ فى الصور والبعث من القبـور.
يقول المصطفى والحديث رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة: ((يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير وعشرة على بعير، ويحشُرُ بَقيَّتَهُم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسى معهم حيث أمسوا))([5]).
قال القرطبى الحشر هو الجمع وهو أربعة أنواع الحشر الأول والثانى فى الدنيا والحشر الثالث والرابع فى الآخرة.
أما الحشر الأول: فهو المذكور فى قوله تعالى فى سورة الحشر: مَا ظَنَنتُم أَن يخْرُجُوا [الحشر:2].
الحشر الثانى: هو الحشر الوارد فى حديث حذيفة وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم، إذاً حشر النار للناس لا يكون إلا فى الدنيا.
الحشر الثالث: حشر الناس من القبور وغيرها بعد البعث.
الحشر الرابع: حشر الناس إلى الجنة أو إلى النار نسأل اللـه أن يجعلنى وإياكم من أهل الجنان.
إذ الذى عليه جمهور المحققين من العلماء أن الحشر الوارد فى حديث حذيفة الذى هو علامة من علامات القيامة الكبرى لا يكون إلا فى الدنيا والدليل الصحيح الصريح على ذلك أن النبى قد ذكر أن الحشر فى الآخرة يحشر فيه المؤمنون والكافرون حفاة عراة غرلا كما فى الصحيحين من حديث عائشة أن النبى قال: ((تحشرون حفاة عراة غرلا)) قالت عائشة يا رسول اللـه الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! فقال المصطفى : ((يا عائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذلك))([6]).
وفى رواية أنس قال: ((يا عائشة لقد نزلت على آية لا يضرك أكان عليك ثياب أم لا)) فتلى النبى لِكلِ امْرِئِ يَومَئذٍ شَأنٌ يغْنِيهِ [ عبس: 37 ].
مثل وقوفـك يوم العرض عُريانا مستوحشـاً قلـق الأحشاء َحْيرانا
والنار تلهب من غيظ ومن حنــق على العصاة ورب العرش غضبانا
اقـرأ كتابك ياعبدُ علـــى مَهَلٍ فهـل ترى فيه حرفـاً غير ما كان
فلما قرأت ولم تنكـر قراءتـــه أقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا
نـادى الجليل خذوه يا ملائكتــى وامضوا بعبدٍ عصى للنار عطشانا
المشركون غـداً فى النار يلتهبوا والموحـدون بـدار الخلدُ سُكَّانـا
وهكذا تنتهى علامات الساعة الكبرى التى ذكرها المصطفى فى حديث حذيفـة بـن أسيد الغفارى الذى كنا معه طيلة اللقاءات الأربع الماضية لكن هنـاك عـلامة أخرى عجيبة غريبة قد تنزل الآن على القلوب فتهز القلوب هزاً لم تـرد فى حديث حذيفة، ترى ما هى هذه العلامة العجيبة الغريبة ؟!!
إنها هدم الكعبة الشريفة حجراً حجرا. .
الكعبة بيت اللـه الذى تهوى إليه الأفئدة وتحن القلوب إليه الذى قال فى حقه علام الغيوب:
وَإِذْ جَعَلنَا البَيتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمنًا [البقرة:125].
مثابة للناس: أى لا يملون منه كلما نظروا إليه وإذا انصرفوا عنه تجدد الشوق إليه وازداد الحنين لزيارته ورؤيته.
إن من علامات الساعة الكبرى هدم البيت الحرام ونقضه حجراً حجرا.
قلت قبل ذلك: أن عيسى بن مريم على نبينا وعليه الصلاة والسلام لما ينزل إلى الأرض يقتل الدجال عليه من اللـه ما يستحقه، ويدعو اللـه أن يهلك يأجوج ومأجوج فيستجيب اللـه دعاءه، فيهلك يأجوج ومأجوج ويرسل المطر فنقى الأرض، فأصبحت كالزُلقة أو الزَلقة أو الزُلفة أو الزَلفة أى كالمرآة فى صفائها ونقائها، خرجت البركة من الأرض تنزلت الرحمات وحلت البركات، وعاش الناس فى أمن وسلام فى وجود نبى اللـه عيسى، فيذهب نبى اللـه عيسى ليحج البيت الحرام.
إذاً معنى ذلك أن يبقى الحج حتى فى عهد نبي اللـه عيسى، فإذا ما قدر اللـه على عيسى الموت.
فيموت نبى اللـه عيسى فى المدينة المنورة ويصلى عليه المسلمون من أمة محمد ويدفنون نبى اللـه عيسى مع الحبيب المصطفى فى الحجرة المباركة، وبعد ذلك تقع العلامات التى ذكرت الآن ولا يبقى إلا شرار الخلق، تمحى آيات اللـه من المصحف، لا يقول أحد كلمة لا إله إلا اللـه فلا يحجون البيت بل ولا يعرفون عن البيت شيئاً، من بين هؤلاء الأشرار رجل من الحبشة، هل تصدق أن الحبيب وصف شكله وكأنه ينظر إليه وهو يهدم الكعبة ؟؟
يقول المصطفى : ((لا تقوم الساعة حتى يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة))([7]).
رجل يقال له ذو السويقتين من الحبشة، بل وفى رواية البخارى من حديث ابن عباس قال المصطفى: ((كأنى أنظر إليه أسود أفحج([8]) ينقض الكعبة حجراً حجرا))([9]).
وبهذا تنتهى الحياة الدنيا بحلوها ومرها، بحلالها وحرامها، بخيرها وشرها ولا يبقى إلا الكفرة من شرار الناس وعليهم تقوم الساعة وذلك بعد أن يأمر اللـه جل وعلا إسرافيل أن يلتقم الصور وأن ينفخ النفخة الأولى ألا وهى نفخة الفزع مصداقاً لقوله جل وعلا: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرض إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ [النمل:87].
وأقف عند هذه المشهد لأواصل الحديث إن شاء اللـه تعالى عن بقية المراحل التى تأخذ القلوب والألباب واللـه أسأل أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.
....... الدعـاء.
([1]) رواه مسلم رقم (2901) ، فى الفتن، باب ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال ، وأبو داود رقم (4311) ، فى الملاحم ، باب أمارات الساعة ، والترمذى رقم (2184) ، فى الفتن ، باب ما جاء فى الخسف.
([2]) رواه البخارى رقم (4802) ، فى تفسير سورة يس ، وفى بدء الخلق ، باب صفة الشمس والقمر ، ومسلم رقم (159) ، فى الإيمان ، باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان ، والترمذى رقم (3225) ،فى التفسير ، باب ومن سورة يس .
([3]) رواه ابن مردويه بسند حسن .
([4]) رواه البخـارى رقـم (6506) ، فى الرقاق ، باب قول النبى : ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) ، ومسلم رقم (157) ، فى الإيمان ، باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان ، وأبو داود رقم (4312) ، فى الملاحم ، باب أمارات الساعة .
([5]) رواه مسلم رقم (158) ، فى الإيمان ، باب بيان الزمن الذى لا يقبل فيه الإيمان ، والترمذى رقم (3074) ، فى التفسير ، باب ومن سورة الأنعام .
([6]) رواه أبو داود ، فى البيعة ، باب ذكر الاختلاف ، وصححه الألبانى ، فى الإرواء (1208) ، وهو فى صحيح الجامع رقم (7469) .
([7]) رواه مسلم رقم (2760) ، فى التوبة ، باب غيرة الله تعالى ، وهو فى صحيح الجامع رقم (1871) .
([8]) رواه مسلم رقم (2941) ، فى الفتن ، باب خروج الدجال ومكثه فى الأرض ، وأبو داود رقم (4310) فى الملاحم ، باب أمارات الساعة .
([9]) رواه أحمد رقم (22209) ، وأبو داود ، وهو فى صحيح الجامع رقم (2927) .
([10]) رواه وأبو داود رقم (3186) فى التفسير ، باب ومن سورة النمل .
---------------------------------------------------
([1]) مبين : واضح بيّن .
([2]) رواه مسلم رقم (1924) ، فى الإمارة ، باب قوله : ((لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم)) .
([3]) رواه مسلم رقم (2949) ، فى الفتن ، باب قرب الساعة .
([4]) رواه البخارى ، فى الهجرة فى قصة إسلام عبد الله بن سلام .
([5]) رواه البخــارى رقم (6522) ، فى الرقاق ، باب كيف الحشر ، ومسلم رقم (2861) ، فى الجنـة ، بـاب فنــاء الدنيـا وبيــان الحشر يوم القيامة ، والنسائى (4/115،116) فى الجنائز ، باب البعث .
([6]) رواه البخارى رقم (6527) ، فى الرقاق ، باب الحشر ، ومسلم رقم (2859) ، فى الجنـة ، بـاب فنـاء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة ، والنسائى (4/114) ، فى الجنائز باب البعث .
([7]) رواه البخارى رقم (1596) ، الحــج ، باب هدم الكعبة ، ومسلم رقم (2909) ، فى الفتن ، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء ، والنسائى
(5/216) ، فى الحج ، باب بناء الكعبة .
([8]) أفحج : متسع ما بين ساقيه .