ما لا شك فيه أن الإسلام جاء بتحصيل كل فضيلة ونبذ كل رذيلة ، ومن أهم ما جاء به الإسلام لتمييز شخصية المسلم عن غيره الأخلاق والآداب والعقائد والأحكام ، والمروءة خلق جليل وأدب رفيع تميز بها الإنسان عن غيره من المخلوقات المروءة خَلَّةٌ كريمة وخَصْلَةٌ شريفة وهي أدب نفساني تحمل الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات نعم .. المروءة صدقٌ في اللسان ، واحتمال للعثرات ، وبذل للمعروف ، وكف للأذى ، وكمال في الرجولية ، وصيانة للنفس ، وطلاقة للوجه ، المروءة من خصال الرجولة فمن كانت رجولته كاملة كانت مروءته حاضرة ، المروءة من أخلاق العرب التي يقيسون بها الرجال ويزنون بها العقول ، حقا .. إنها كلمة لها مدلولها الكبير الواسع ، فهي تدخل في الأخلاق والعادات ، والأحكام والعبادات .
أهمية المروءة
1. قال الله تعالى " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء " ومن تُرتضى شهادته فإنه لا يخالف الآداب الحسنة ولا يخرج عن أعراف الناس ولا يُزري على نفسه ولا يتعاطى ما فيه خسة أو دناءة .
2. " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق " [ رواه أحمد ]
3. " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " [ رواه مسلم ]
4. " إذا لم تستح فاصنع ما شئت " [ رواه أبو داود ]
5. " إن الله عز وجل كريم ، يحب الكرم ومعالي الأخلاق ، ويبغض سفسافها " [ السلسة الصحيحة ج3 ح 1378 ]
6. " إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ، ويكره سفسافها " [ السلسلة الصحيحة ج4 ح 1627 ]
7. ولأهميتها فقد جعلها كثير من المحدثين شرطا في الراوي حتى يُقبل حديثه ، فمتى ما انخرمت مروءته تركوا حديثه .
8. قيل لسفيان بن عيينة رحمه الله " قد استنبطت من القرآن كل شيء فأين المروءة في القرآن " قال في قول الله تعالى " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " ففيه المرءوة وحسن الآداب ومكارم الأخلاق ، فجمع في قوله " خذ العفو " صلة القاطعين والعفو عن المذنبين والرفق بالمؤمنين ، وفي قوله تعالى " وأمر بالعرف " صلة الأرحام وتقوى الله في الحلال والحرام ، وفي قوله تعالى " وأعرض عن الجاهلين " الحض على التخلق بالحلم والإعراض عن أهل الظلم والتنزه عن منازعة السفهاء ومساواة الجهلة وغير ذلك من الأفعال الحميدة والأخلاق الرشيدة .
أنواع المروءة .
1. المروءة مع الله تعالى بالاستحياء منه حق الحياء وأن لا يقَابَل إحسانه ونعمته بالإساءة والكفران والجحود والطغيان ، بل يلتزم العبد أوامره ونواهيه ويخاف منه حق الخوف في حركاته وسكناته وخلواته وجلواته وأن لا يراه حيث نهاه ولا يفتقده حيث أمره .
2. المروءة مع النفس بحملها على ما يجمّلها ويزينها وترك ما يدنّسها ويُشينها فيحرص على تزكيتها وتنقيتها وحملها على الوقوف مواقف الخير والصلاح والبر والإحسان مع الارتقاء بها إلى مراتب الحكمة والمسؤولية لتكون الناصح الأقرب إليه والواعظ الأكبر له " قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها "
3. المروءة مع الخلق بإيفائهم حقوقهم على اختلاف منازلهم والسعي في قضاء حاجاتهم وبشاشة الوجه لهم ولطافة اللسان معهم وسعة الصدر وسلامة القلب تجاههم وقبول النصيحة منهم والصفح عن عثراتهم وستر عيوبهم واحتمال أخطاءهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه .
مجالات المروءة .
1. رجاحة العقل ورزانته ، يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه " حسب المرء دينه ، وكرمه تقواه ، ومروءته عقله " وقديما قيل " عدو عاقل خير من صديق جاهل "
2. صون النفس عن كل ما يعيبها أمام الخلق ولو كان ذلك الأمر حلالا ، يقول عبدالله بن عمر رضي الله عنهما " المروءة حفظ الرجل نفسه "
3. حسن التدبير وإتقان الصنعة من المروءة والأخلاق المحمودة لأن الأخرق الذي لا يتقن ما يصنعه مذموم عند الناس " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه " [ السلسلة الصحيحةج3 ح 1113 ]
4. حسن المنازعة والكرم في الخصومات فهي من صفات الرجل الحليم ذي المروءة التامة والإيمان الكامل " من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء " [ رواه بن ماجة ]
5. اجتناب الأماكن التي تشوبها الريبة والفساد والابتعاد عنها لأنها مدعاة إلى تهم الناس وهذا من أعظم ما يدل على مروءة الإنسان .
6. إصلاح المال والقيام على الممتلكات بالرعاية والاهتمام والاستثمار فيما فيه فائدة حتى يكون المسلم عزيزاً رفيعا لا تذله الحاجة ليريق ماء الوجه من أجلها بالطلب أمام الآخرين ، يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما " نحن معشر قريش نعد العفاف وإصلاح المال من المروءة " .
إن من المروءة ..
1. لزوم الحياء والتواضع والحلم وكظم الغيظ وصدق اللهجة وحفظ الأسرار والإعراض عن الجاهلين .
2. الشوق للإخوان والتودد لهم والحذر من إيذائهم أو جرح مشاعرهم بقول أو فعل أو إشارة مع الحرص على إدخال السرور على نفوسهم ، يقول عمر بن عثمان المكي " المروءة التغافل عن زلل الإخوان " .
3. صيانة العرض والبعد عن مواطن الريب والسخرية والغيرة على الدين والمحارم والعفة في النفس وعما في أيدي الناس
4. البر والصلة للوالدين وذات الرحم مع قبول إساءتهم بالإحسان وخطأهم بالعفو والغفران .
5. نشر الجميل وستر القبيح مع ملازمة التقوى والعمل الصالح فهي جماع المروءة وأعلاها .
6. تَجَنُّبُ المنةِ واستكثار القليل من المعروف ، ورحم الله سفيان الثوري يوم قال " إني لأُريدُ شربَ الماءِ ؛ فيسبقني الرجل إلى الشربة ، فيسقينيها فكأنما دَقَّ ضلعاً من أضلاعي ؛ لا أقدر على مكافأته "
7. نظافة البدن وطيب الرائحة والعناية بالمظهر بلا إسراف ولا مخيلة مع الاهتمام بالباطن وإصلاحه ، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه " من مروءة الرجل نقاء ثوبه ، والمروءة الظاهرة في الثياب الطاهرة "
8. تجنب الفضول ومراعاة العادات والأعراف ما لم تخالف الشرع الحكيم .
9. القيام بحقوق الجيران من إكرام وإحسان وحماية ونصرة وكف للأذى مع احتمالهم وقبولهم على ما هم عليه .
10. ألا يفعل المرء في السر ما يستحيي من فعله في العلانية .
عوامل تحقيق المروءة .
1. علو الهمة والتطلع إلى أصحابها فكلما علت الهمة ازدادت المروءة .
2. شرف النفس واستعفافها ونزاهتها وصيانتها .
3. اختيار الزوجة الصالحة مما يعين على تحقيق المروءة فهي مع الزوج حرصا منها على سمعته ومصلحته وشخصيته " فاظفر بذات الدين تربت يداك " [ رواه البخاري ]
4. مجالسة أهل المروءات ومجانبة السفهاء وأهل السوء .
خوارم المروءة .
من الخوارم ما هو محرم ، ومنها ما هو مكروه ، ومنها ما هو منافٍ للأدب والحشمة وإن لم يكن مخالفاً للشرع ، وإليك طرفا منها :
1. استخدام الضيف وتكليف الزائر بالعمل ولو كان خفيفا ، لأن الإكثار منه لغير حاجة ليس من المروءة ، قال عمر بن عبد العزيز " ليس من المروءة استخدام الضيف "
2. البول قائما واعتياده من غير حاجة ، وكذا البول على قارعة الطريق المسلوكة وفي الأماكن العامة ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما " [ رواه بن ماجة ] وكان هذا لحاجة .
3. الأكل في الطريق والأسواق والأماكن العامة ما لم تكن مكانا معدّا للطعام أو مكانا يستتر فيه عن الناس .
4. الجشع عند أكل الطعام كأن يأكل بشدة ونهم وإسراع .
5. التجشؤ أمام الناس وحضرتهم فهو من خوارم المروءة وقلة الأدب ، وقد " تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال كفّ جشاءك عنا ، فإن أطولكم جوعا يوم القيامة أكثركم شبعا في دار الدنيا " [ رواه بن ماجة ] ويزداد الأمر سوءاً إذا كان في داخل الصلاة .
6. إخراج الريح بصوت مع القدرة على ضبط النفس ، بخلاف ما لو خرج من غير قصد ، فإنه لا يجوز الضحك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لم يضحك أحدكم مما يفعل " [ رواه البخاري ] .
7. إضحاك الناس بحركات وأفعال غريبة ، قال بن قدامة " وأما المروءة فاجتناب الأمور الدنيئة المزرية به أو يتمسخر بما يُضحك الناس به "
8. أن يحاكي شخصا في حركاته ومشيته وكلامه من باب السخرية وإضحاك الناس كما يفعله الممثلون والمهرجون الذين يزاولون فنهم من باب " الكوميديا " قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله " وتحرم محاكاة الناس للضحك ، ويعزَّر هو ومن يأمره ؛ لأنه أذى "
9. التكلم بالأعجمية وترك العربية من غير حاجة ، قال عمر رضي الله عنه " ما تكلم الرجل الفارسية إلا خبَّ ، ولا خبَّ إلا نقصت مروءته " وقال بن تيمية رحمه الله " وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القران حتى يصير ذلك عادة للبلد وأهله أو لأهل الدار أو للرجل مع صاحبه أو لأهل السوق أو لأهل الديوان فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم "
10. الرقص والتصفيق والتصفير للرجال كما حكى الله عن المشركين " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " قال بن عبد السلام " الرقص والتصفيق للرجال خفة ورعونة مشبهة لرعونة الإناث لا يفعلها إلا أرعن أو متصنع كذاب "
11. الشحاذة ومد اليد للناس ، قال بن قدامة رحمه الله " فمن كان أكثر عمره سائلا أو يكثر ذلك منه فينبغي أن ترد شهادته
12. الجلوس في المقاهي والأماكن المشبوهة لأنها أماكن الأسافل والأراذل .
13. التصريح بأقوال يستحيا من ذكرها بلا حاجة .
14. تكتيف اليدين على الدُّبُر وهذا " فعل مستقبح عند ذوي المروءات والشِّيَم " [ الإيضاح والتبيين لحمود التويجري ] وكذا وضع اليدين على القُبُل ، أو العبث به أمام الناس .
15. المبالغة في الإسراع في المشي مع كثرة الالتفات .
16. اللعب بالحَمَام لأنه من فعل الأراذل ، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يتبع حمامةً فقال " شيطان يتبع شيطانه " [ رواه أبو داود ]
17. تذوق الأطعمة والفواكه والخضروات عند الباعة وكذا الإدهان عند العطار دون استئذانهم أو دون أن ينوي الشراء منهم .
18. كشف العورة وما جرى بالعادة عند الناس أنه عورة كالصدر والظهر والبطن .
19. لبس الأحمر الخالص من الثياب للرجال لأنه من باب التشبه بالنساء .
20. كل من تزيّ بزي يلفت الأنظار ويُسخر منه كمن يلبس لبس الشهرة .
21. نتف شعر اللحية والإبط والأنف أمام الناس لما فيه من الدناءة والتقزيز الذي لا يخفى .
22. مَدُّ الرجلين في مجمع الناس من غير حاجة ويزداد قبحاً مدُها أمام كتاب الله تعالى .
23. مخاطبة المرأة الرجل بخطاب فاحش أمام الناس وفي تجمعاتهم .
24. الإكثار من المزاح فهو مما يذهب المروءة ويُسقط الهيبة ، قال بن عباس رضي الله عنه " يا بني : لا تمازح السفهاء فتسقط كرامتك ولا اللئام فتذهب مروءتك "
25. المشي أمام الناس حاسر الرأس لأنه لم ينقل لنا أنه صلى الله عليه وسلم مشى أو صلى أو خطب حاسراً رأسه ، على أن هذه المسألة خاضعة للعُرْف ومن العادات التي جرى عليها كثير من المجتمعات المحافظة ، وتعارفوا على استحسانه
26. مضاحكة الزوجة وتقبيلها ليلة زفافها بحضرة الناس كما يُفعل في الأعراس المختلطة عند كثير من الخلق والله المستعان .
27. الأكل من موضع يد صاحبك أو من غير ما يليك ، عن عمرو بن أبي سلمة قال كنت غلاما في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك " [ رواه البخاري ]
أسباب خوارم المروءة
1. نقص الدين .
2. قلة الحياء .
3. خبل في العقل ، فمن كان ذا عقل فليكن ذا دين وحياء .
وأخيرا ..
فإن المروءة لذةٌ تفوق كل لذة في هذه الحياة ، وهي مما تحتاج إلى صبر ومجاهدة ودقة ملاحظة وسلامة ذوق ورحم الله الإمام الشافعي يوم قال " والله لو كان الماء البارد يُنقص من مروءتي لشربته حاراً "
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
تخلقوا بخلق المروءة ..!