الهبة واحكامها
الحمد لله وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم وبعد فهذه أحكام الهبة مختصرة أسأل الله أن ينفع بها
الهبة
1-الهبة هي في اللغة :من هبوب الريح وشرعا : هي التبرع بالمال في حال الحياة بغير عوض لأنها لو كانت بعوض لكانت بيعا . (وانظر العمدة لابن قدامة )
2-وهي مستحبة لحديث : "تهادوا تحابوا " أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وحسن اسناده ابن حجر ، انظر النيل وقال الشوكاني في الدراري : "..أخرج البخاري وغيره من حديث عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها" " ومن حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "لو أهدي إلي ذراع أوكراع لقبلت "رواه البخاري ، ومن حديث أنس عند الترمذي وغيره ،وانظر المنتقى وشرحه النيل
3-قال الشوكاني في الدراري : "فإذا كانت الهبة بغير عوض كانت المكافأة عليها مشروعة وتجوز للكافر"
4-التبرع بالمال للغير في حال المرض يسمى عطية
ويعتبر في حكم الوصية وقال ابن رشد في بداية المجتهد : "وأما المريض فقال الجمهور إنها في ثلثه تشبيها بالوصية أعني الهبة التامة بشروطها وقالت طائفة من السلف وجماعة أهل الظاهر إن هبته تخرج من رأس ماله إذا مات ولا خلاف بينهم أنه إذا صح من مرضه أن الهبة صحيحة.
وعمدة الجمهور حديث عمران بن حصين[1] عن النبي عليه الصلاة والسلام "في الذي أعتق ستة أعبد عند موته فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتق ثلثهم وأرق الباقي" وعمدة أهل الظاهر استصحاب الحال أعني حال الإجماع وذلك أنهم لما اتفقوا على جواز هبته في الصحة وجب استصحاب حكم الإجماع في المرض إلا أن يدل الدليل من كتاب أو سنة بينة والحديث عندهم محمول على الوصية والأمراض التي يحجر فيها عند الجمهور هي
الأمراض المخوفة وكذلك عند مالك الحالات المخوفة مثل الكون بين الصفين وقرب الحامل من الوضع وراكب البحر المرتج وفيه اختلاف.
وأما الأمراض المزمنة فليس عندهم فيها تحجير وقد تقدم هذا في كتاب الحجر.
وأما السفهاء والمفلسون فلا خلاف عند من يقول بالحجر عليهم أن هبتهم غير ماضية."
5-التبرع بالمال للفقير يعتبر صدقة
6-التبرع بالمال لغير فقير يراد به الألفة يعتبر هبة
7-الهبة والهدية معناهما متقاربان وبعض المصنفين يجعلون الهدايا بابا والهبات بابا كما فعل الشوكاني في الدرر البهية وبعضهم يقرن بينهما كما فعل المجد بن تيمية في كتابه المنتقى .
8-أركان الهبة ثلاثة : الواهب والموهوب له والهبة (بداية المجتهد )
9-يجب العدل في الهبة للأولاد لحديث النعمان وفيه : "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" وقوله عليه الصلاة والسلام أيضا حين نحل النعمان أحد أبنائه نحلة –في رواية أنه خادم -: "أكل ولدك نحلته مثل هذا ؟ " قال : لا يارسول الله ، قال : "أشهد عليه غيري إني لاأشهد على جور "متفق عليه ، قال الشافعي –رحمه الله –
في الأم : ": وبه نأخذ وفيه دلالة على أمور منها حسن الأدب في أن لا يفضل فيعرض في قلب المفضول شيء يمنعه من بره فإن القرابة ينفس بعضهم بعضا ما لا ينفس العدى" قال في بداية المجتهد : "واختلفوا في تفضيل الرجل بعضولده على بعض في الهبة أو في هبة جميع ماله لبعضهم دون بعض فقال جمهور فقهاء الأمصار بكراهية ذلك له ولكن إذا وقع عندهم جاز وقال أهل الظاهر لا يجوز التفضيل فضلا عن أن يهب بعضهم جميع ماله وقال مالك يجوز التفضيل ولا يجوز أن يهب بعضهم جميع المال دون بعض.
ودليل أهل الظاهر حديث النعمان بن بشير وهو حديث متفق على صحته وإن كان قد اختلف في ألفاظه والحديث أنه قال "إن أباه بشيرا أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل ولدك نحلته مثل هذا قال لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتجعه".
واتفق مالك والبخاري ومسلم على هذا اللفظ قالوا والارتجاع يقتضي بطلان الهبة" اهـ.
10-وهل يتساوى الذكر والأنثى في الهبة ؟ في المسألة قولان فمنهم من يرون التساوي بينهم ومنهم من يرى أنها تقسم قسمة الميراث .
11-ويشترط في الهبة شروطا وهي : أن يكون الواهب : جائز التصرف ويكون -مالكا للشيء الموهوب –وأن يكون جادا –وأن يكون مختارا –وأن تكون مباحة النفع (وانظر : المحرر في الفقه )
12-لايجوز الرجوع في الهبة إلا من الوالد لحديث : "العائد في هبته كالكلب يقيء ويعود في قيئه "متفق عليه من حديث ابن عباس وجاء من حديث ابن عمر وابن عباس في السنن مرفوعا : "لا يحل لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده"وصححه الألباني .وفي رجوع الزوجة فيما وهبته زوجه قولان (وانظر : المحرر في الفقه ) أكتفي بهذا والله الموفق
--------------------------------------------------------------------------------
[1] قلت حديث عمران بن حصين أخرجه مسلم في صحيحه قال : حدثنا علي بن حجر السعدي وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالوا حدثنا إسماعيل وهو بن علية عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولا شديدا