بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
اصطحبت اصغر ابنائي والذي لم يتجاوز الخامسة والنصف من عمره وركبنا السيارة متوجهين الى احد الجوامع في حينا ، لأداء صلاة العشاء ، ولما اقتربنا من المسجد الذي قصدته قال لي الصغير ، لا اريد أن أصلي في هذا المسجد اريدك ان تذهب بنا الى مسجد السرور – وهو مسجد جامع في الحي ايضا – فسألته : لماذا ؟ قال : لأن امام مسجد السرور يدعو لسوريا في الصلاة وهذا لا يدعو..!
فحرفت مباشرة مقود السيارة متوجها الى مسجد السرور، متعجبا ومتعلما درسا من طفلي الصغير الذي لم يصل سن التمييز ، تعلمت درسا في أنه حتى الطفل غير المميز أحيانا يستطيع ان يحمل هم أمته ويتفاعل مع قضاياها الضخمة ، وذلك حين تصفو الفطرة ويستقيم التوجيه ، في حين يتنصل من قضاياها الكبار ويتخاذل عنها بل يخذلها من بيدهم القرار ، ومن حملوا امانة العلم والبلاغ ونصرة المظلومين ، حين تسيطر الأنانية والمصالح الآنية الضيقة على النفوس، والهوى واعوجاج الفكر والمفاهيم ، حين يغشى القلوب الران ويصبح الإيمان فيه نظر.
شتان بين قلوب توجعها انات المضطهدين ، وصراخ الثكالى والمنكوبين ، وقلوب كأنما قدت من صخر ، لاتجد الرحمة اليها سبيلا .
شتان بين نفس تقع أمام ناظري صاحبها الحوادث ، وتلامس مسامعه صرخات المظلومين ، فلا يئن لمتألم ، ولا يتوجع لمستصرخ ، ولا يحن لبائس ، ونفوس أخرى تفت كبودها مشاهد الدماء ، وصور الجثث للأبرياء ، وتصك مسامعها صرخات العذارى ، والصبايا اليتم.
فرق بين عالم أوداعية أوأي إنسان شريف يبكي ويستصرخ العالم لنجدة المستضعفين واغاثة المنكوبين ، وبين اولئك الشبيحة المعممين ، العلماء المجرمين ، المعممين بعمائم الفجور ، العملاء لكل طاغية ، الأحذية لكل جبار ، الذين لا تتحفز شفقتهم أو تتألم نفوسهم لهول ما ترى من قتل وتشريد وإبادة ، لا يحرك مشاعرها مشهد طفل قتيل أو رضيع ذبيح أو امرأة ثكلى ، لا تؤثر فيها دمعات الأيتام والأرامل والخائفين ، ولا مشاهد جموع المشردين والهاربين من نيران القصف وجحيم الحرب وسكاكين الإبادة الجماعية ، يالله العجب كيف تمر على مسامعهم أخبار قتل ستة وعشرون طفلا وواحد وعشرون امرأة واغتصاب ستة عشر فتاة في يوم واحد فقط في حمص وعلى ايدي الشبيحة ، ثم لا تسمع لهم ولو حتى كلمة استنكار لهذه المجزرة الرهيبة ، كيف يشاهدون عشرات الجثث المشوهة والمحروقة في شوارع كرم الزيتون في حمص ، ثم لايحرك ذلك ساكنا في وجدانهم ، الم يشاهدوا صورة ذلك الرضيع الذي تفحمت جثته وقد أحرق حيا ؟ ولكن ماذا تنتظر من قساة القلوب غلاظ الأكباد ، الذين حكموا على انفسهم بالذلة وعلى مجتمعهم بالحطة ؟
ماذا تنتظر ممن باعوا ضمائرهم وخانوا أمانة العلم ودنسوا بالأطماع محياه ؟
ولـو أن أهل العلمِ صانوه صانَهُم ولـو عَـظَّمُوه في النفوسِ iiلَعُظِّما
ولـكن أهـانوه فـهانوا ودَنَّـسُوا مُـحَيَّاه بـالأطماعِ حـتى iiتَـجهَّما
فرق بين اعلام لا يمل كثرة الحديث عن سوريا وأرض الشام وما بها من جراح وآلام ، ويرى أنها اليوم نقطة ارتكاز في ميدان الصراع بين الحق والباطل ، وقضيتها حديث القضايا الإسلامية ، وساحتها محطة امتحان وكشف لقوة المسلمين وغيرتهم على أوطانهم وحرماتهم ، ويقف مع المظلوم ضد الظالم ويشخص المصاب تشخيصا بعيدا عن المزايدات ، بعيدا عن خدمة الأغراض السياسية المقيته، وبين إعلام يغرد في واد سحيق بعيدا عن كل حدث منفصل عن كل قضية من قضايا الأمة ، وآخر يشوه الحقائق ويقف في صف الباطل ، ويتخندق في خندقه ، وثالث يشيع الفساد في الأمة وينشر الرذيله وتغزوا سمومه كل بيت فهو أشد فتكا من الصواريخ والدبابات والمدافع والطائرات ، ورابع ساوى بين الجزار والضحية والظالم والمظلوم والقاتل والمقتول ......
فرق بين مسجد يتناول الإمام في خطبة الجمعة مصاب اخوته في الشام ، يشرح قضيتهم ، ينتصر لها ، يوضحها ، يجلي الغبش عنها ، وفي صلاته يقنت لأجل إخوته يدعو بدعاء مخلص صادق ، وبين مسجد آخر إمامه يغرد خارج السرب ، فليس لقضية اهل الشام خانة في اهتماماته ، وليس لها نصيب من خطبه أو دعائه ...فهل مثل هذا يجهل أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخص المستضعفين بالدعاء ، و يسمي بعضَهم بأسمائهم ، و يدعوا بالهلاك على أعدائهم ، كما في الصحيح عن أبي هريرة و عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أنّه كان إذا رفع رأسه من الركعة الأخيرة يقول : ( اللهم نجِّ عياش بن أبي ربيعة ، اللهم نج سلمة بن هشام ، اللهم نج الوليد بن الوليد ، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف ) .
عندما تختزل قضية كل شعب من شعوب المسلمين في محيطه الضيق ، ويترك كل شعب يواجه مصيره لوحده ، وتشيع روح الأنانية بين المسلمين ، وينفصل كل عضو عن جسده ، ويعتقد كل بلد أنه بمنأى عن الأخطار ، عندها على كل ان ينتظر دوره ، خرج أبو داود من حديث أبي طلحة الأنصاري وجابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (ما من امرئ مسلم يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصرته ، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وتنتهك فيه حرمته إلا نصره الله في موضع يحب فيه نصرته ) ، وخرج الإمام أحمد من حديث أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (من أُذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة ) ، وخرج البزار من حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (من نصر أخاه بالغيب وهو يستطيع نصره الله في الدنيا والآخرة) \" .
التبعة على المسلمين اليوم كبيرة والخطر جسيم والخطب جلل ، والجرح اليوم بلاد الشام ، والدم النازف دم أهله ، الذين قال فيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم :\" إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ ، فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ ، وَلَا يَزَالُ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا يُبَالُونَ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ \" .قال الترمذي :حسن صحيح
اللهم نج اخوتنا في الشام واجعل لهم مما هم فيه فرجا ومخرجا ، اللهم ثبتهم وأفرغ عليهم صبرا وانصرهم على القوم الظالمين.