" مراحل خلق الإنسان على ضوء الكتاب والسنة "
فنحن نتحدث عنكم ...
والآن لِنَقُم برحلةٍ زمنيةٍ قصيرة، ونرجِعُ مدةً إلى الماضي، ولْندقِق
معاً هذه الحكايةَ الرائعـة المليئـة بالمعجزات من البداية .
وَلْنشاهِدْ كيفَ كانَ حالُ الإنسانِ في حينٍ منَ الدهر.
كانت البداية خليةٌ واحدةٌ فقط في بطنِ الأم، وجودٌ عاجزٌ ومحتاجٌ إلى
حماية، أصغرُ من حبيبةِ ملحٍ واحدة .
أنتم أيضاً كنتم عبارةً عن هذهِ الخليةِ الصغيرةِ مثلما كلُّ الناسِ
الآخرينَ على وجهِ الأرض.
بعد فترة انقسَمَتْ هذهِ الخليةُ وأصبحتِ اثنتَين، ثمَ انقسمت مرةً أخرى
وأصبحت أربعَ خلايا، ثم ثماني، ثم ستَ عشرة.
استمرتِ الخلايا بالتكاثر، ثم ظهرتْ أولاً قطعةُ لحم، ثم أخذت قطعةُ اللحم
هذه شكلاً وأصبحت لها يدانِ ورِجلانِ وعينان، فالخليةُ الأولى كبُرت مئةَ
مليارِ ضِعف، وأخذت وزناً بستةِ مليارِ ضِعف.
فالتي كانت قطرةَ ماءٍ فقط في السابق، أجرى اللهُ تعالى فيها معجزاتٍ عدة،
فخلقَ منها الإنسانَ الذي يقرأ هذه الكلمات.
وقد بيَّن القرآنُ الكريمُ كيفَ خُلقَ الإنسان.
قال تعالى :( أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى {36} أَلَمْ يَكُ
نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى {37} ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ
فَسَوَّى {38} فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى {39}
أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى )(القيامة
36-40).
خَلْقُ الإنسان
الناسُ المنغمسونَ في نُزعَةِ الحياةِ اليومية، يسيرونَ لا مبالينَ
بالمُعجزةِ المُهمَّةِ المُتَحَقِّقَةِ أمامَ أعينِهم، هذه المعجزةُ هي
خلقُ الإنسان.
تبدأُ أولُ مرحلةٍ في معجزةِ الخلقِ بنُضجِ خليَّةِ البويضةِ في عضوٍ في
جسمِ المرأةِ يسمى المَبيض، هناكَ رحلةٌ طويلةٌ أمامَ البويضةِ الناضجة،
ستدخُلُ أولاً أنبوبَ فالوب وهنا ستقطَعُ مسافةً طويلةً حتى تصلَ إلى
الرَّحِم
يبدأُ أنبوبُ فالوب بالحركةِ للإمساكِ بالبويضةِ الناضجةِ قبل خروجِها من
المبيضِ بمُدَّةٍ قصيرة، ويُحاولُ إيجادَ خليةِ البويضةِ عن طريقِ لمَساتٍ
خفيفةٍ على المبيضِ، ونتيجةَ هذا البحثِ يجدُ أُنبوبُ fallop البويضةَ
الناضجةَ ويسحبُها لِداخِلِه، وحينئذٍ تبدأُ رِحلةُ خليةِ البويضة.
يتوجبُ على البويضةِ قطعُ طريقٍ طويلٍ عَبْرَ أُنبوبِ fallop، لكن ليس لها
أيُ عُضوٍ يؤمِّنُ لها قَطْعَ هذا الطريقِ كالزعانفِ أو الأرجل، ولهذا
خُلقَ لرحلتِها نظامٌ خاصّ، فقد وُظِفَت ملياراتُ الخلايا التي توجدُ في
السطحِ الداخليِ لأنبوبِ fallop لإيصالِ البويضةِ إلى الرَّحِم.
تحرِّكُ الخلايا هذه الشعيراتِ الموجودةَ على سطحِها المسماة بـ cilia
نحوَ الرَّحِمِ بِاستمرار، وهكذا تُحمَلُ خليةُ البويضةِ من يدٍ إلى يدٍ
إلى الجهةِ التي يجبُ ذهابُها نحوَهُ كحِملٍ ثمينٍ جداً.
عندَ ملاحظةِ هذهِ الشعيراتِ نجِدُها قد نُسِّقَت في المكانِ والشكلِ الذي
يجبُ أن تكونَ عليهِ ضِمنَ خُطَّةٍ ذكيةٍ جداً، وتقومُ بحركةِ نقلٍ معاً
وإلى الجهةِ نفسِها وكأنَّها آلةٌ مبرمَجَة، فلو لم يقُمْ قِسمٌ من هذهِ
الخلايا بمهمته أو قامَ بنقلِها إلى جهاتٍ مختلفةٍ لن تصِلَ البويضةُ إلى
هدفِها، ولا تتحققُ الولادةُ أبداً.
ولكنَّ خلقَ اللهِ تامّ، فَكُلُّ خليَّةٍ تنفِّذُ مُهِمَّتَها التي
أُوكِلَت إليها دونَ أيِ خطأ، وهكذا تتقدَّمُ إلى المكانِ المُجَهَّزِ
خصوصاً لأجلِ البويضةِ أي إلى رَحِمِ الأم.
لكنَّ خليةَ البويضةِ المنقولةِ بِدِقَّةٍ بِهَذا الشَكلِ عُمرُها لا
يتجاوزُ أربعاً وعِشرينَ ساعة، وتموتُ ما لم تُلقَّح في هذهِ المُدة.
وتحتاجُ إلى مادَّةٍ حياتيةٍ للتلقيح :
النُطفةُ التي تأتي من جسمِ الرجل.
تصميمُ النطفة
النُطفةُ: خليَّةٌ موظَّفَةٌ لإيصالِ معلومَةِ الذَّكَرِ الوراثيَّةِ إلى
خليةِ البويضةِ في الأنثى.
إذا دقَّقنا عن كثب، نرى جهازاً مُصَمَّماً بشكلٍ خاصٍّ لحملِ هذهِ
النُّطفة
فالقِسمُ الأماميُّ للنُطفَةِ مغطى بِدِرعٍ واقٍ وتحتَهُ دِرْعٌ ثانٍ،
وتَحتَ هذا الدِرعِ الثاني أيضاً يوجدُ ما يشبِهُ الشاحِنَةَ التي تحمِلُ
النُطفة.
ويوجد داخلَ هذه الشاحنة ثلاثةٌ وعِشرونَ صبغياً عائداً للرجل.
جميعُ المعلوماتِ العائدةِ لجِسمِ الإنسانِ وأدقِّ تفاصيلِه مخفيٌّ في هذه
الصبغيات، ولظهورِ إنسانٍ جديدٍ يجبُ أن تَتَّحِدَ الصِبغياتُ الثلاثةُ
والعِشرون الموجودةُ في نُطفَةِ الرجلِ مع الصبغيات الثلاثةِ والعِشرين
الموجودةِ في بويضةِ المرأة، وهكذا سيظهَرُ أولُ تكوينٍ لجِسمِ الإنسانِ من
ستةٍ وأربعين صبغياً.
تصميمُ الدِرعِ الموجودِ في الجِهةِ الأماميَّةِ لِلنُطْفَة سَيَحمي هَذا
الحِملَ الثَمينَ طَوالَ هذه المسافةِ الطويلةِ من جميعِ أنواعِ الأخطار.
وتصميمُ النطفةِ غيرُ محصورٍ بهذا فقط، فهناكَ في القِسمِ الأوسطِ للنُطفةِ
محرِّكٌ قويٌ جِداً، ويرتبِطُ بِطَرَفِ هذا المحرِكِ قسم ذيل للنطفة.
القوةُ التي ينتجُها المحركُ تدوِّرُ الذيلَ كالمِروحةِ، وتؤمِّنُ للنطفةِ
قطعَ الطريقِ بسرعة.
ولوجودِ هذا المحرِكِ لا بُدَّ من وَقودٍ لتشغيلِه، وقد حُسبت هذه الحاجَةُ
أيضاً فرُتّب لهُ الوقودُ الأكثرُ اقتصاداً أي سُكر ال fructose على
السائل الذي يحيط بالنطفة.
وهكذا فقد تَمَّ تَوفيرُ وَقودُ المُحَرِّكِ خلالَ الطريقِ الذي ستقطَعُهُ
النُطفَة.
بفضلِ هذا التصميمِ الكامِلِ تَقطَعُ النطفةُ طريقاً نحوَ البويضةِ بسرعة.
عندَ ملاحظةِ حجمِ النُطفةِ بالنِسبَةِ إلى المَسافَةِ التي قطعتها تظهَرُ
حركتُها السريعةُ التي تُشبه قارِبَ السباق.
هذا الجهازُ المدهشُ ينتَجُ بمهارَةٍ كبيرة، حيثُ يوجدُ داخلَ كلِّ خِصيةٍ -
مركزُ إنتاجِ النُطَف - أقنيةٌ مِجهريةٌ يصلُ طولُها إلى خمسِمِئَةِ متر.
الإنتاجُ في هذهِ الأقنية يُشبِهُ تماماً نِظامَ السِّكةِ الحديديةِ
المستخدَمَةِ في المعامِلِ الحديثة، فأقسامُ النُطفةِ من دِرعٍ ومحركٍ
وذيلٍ تُركَّبُ معَ بعضِها على الترتيب.
وفي النهايةِ تظهَرُ روعة الهندسة الكاملة.
علينا التفكيرُ ولو قليلاً في هذهِ الحقيقة.. كيف عَرَفتِ الخلايا التي لا
وعيَ لها طريقةَ تجهيزِ النُطفةِ بشكلٍ يتناسبُ معَ جِسمِ الأُمِّ رغمَ
جَهلِها بِها تماماً ؟
كيف تعلمتِ النُطَفُ صُنعَ الدِرعِ والمُحَرِّكِ والذيلِ حَسَبَ حاجَةِ
جِسمِ الأُم؟
بأيِ عقلٍ تتركَّبُ هذه القِطَعُ بالترتيبِ الصحيح؟
من أين تعلَمُ أنَّ النُطَفَ ستحتاجُ إلى سكرِ ال fructose ؟
كيف تعلّمت صنعَ محرِّكٍ يعملُ بسكَّرِ ال fructose ؟
هناكَ جوابٌ واحدٌ فقط لكلِّ هذهِ الأسئلة ...
النُطَفُ والسائلُ المرتَّبُ داخلَها خَلَقَهُ اللهُ عزَّ وجلّ بشكلٍ خاصّ
لاستمرارِ نَسْلِ الإنسان.
الدكتور البروفيسور جواد بابونا الطبيب في كلية الطب في جامعة استانبول
المختصُّ بأمراضِ النساءِ والتوليد، والوزيرُ السابقْ علَّقَ على خصائصِ
النطفةِ بقولِهْ: "خلايا النطفةِ منتَجَةٌ في جِسمِ الأب، أمَّا مُهِماتُها
فلا تتحقَّقُ إلا في جِسمِ الأم، ولا تملِكُ أيُ نُطفةٍ منذُ تاريخِ
البشريةِ العودةَ إلى جسمِ الأبِ مرةً أخرى بعدَ إنهاءِ مهمتِها في جِسمِ
الأمِّ لإخبارِ الخلايا المنتِجَةِ لها عن مهمتِها وما فعلتْهُ وعنِ
الأحداثِ التي واجهتها.
في تلكَ الحالةِ كيفَ تكونُ خليةُ النُطفةِ ذاتَ بُنيَةٍ مختلفةٍ تماماً عن
آلافِ أنواعِ الخلايا الموجودةِ في بنيةِ الأب، من أينَ تعرِفُ خليةُ
النُطفةِ أن تذهبَ بالحِملِ الوراثيِ الذي أخذته من الأبِ إلى بنيةٍ
ستُرزَقُ الحياةَ بعدَ مُدَّةٍ بحملِ دِرعٍ في مقدمتِه ؟
من أينَ تعرِفُ خليةُ النُطفَةِ أنَّهُ يلزَمُها ثَقبُ ذلكَ الغشاءِ
الرقيقِ فتأخذُ معَها أسلحةً كيميائيةً مرتَّبَةً خلفَ الدِرع؟
كما ترَون لا يمكنُ أن تكونَ جميعُ عناصِرِ هذه الآلية، والحوادثِ التي
تكلفت بها، والمُهماتِ التي تقوم بها النطفةُ مصادفةً، ولا يمكِنُ أن تكونَ
المعرفةُ جاءت عن طريقِ التَكرار.
هذا دليلٌ واضحٌ على أن اللهَ ألهمَها هذه المهمةَ وعلَّمَها كيفيةَ
الإتيانِ بها على أكملِ وجه.
هذا التصميمُ الخارِقُ في النطفةِ وَحدَهُ مُعجِزَةُ خَلقٍ كبيرةٌ، وهكذا
يشدُّ اللهُ تعالى انتباهَنا إلى خلقِ هذهِ النطفةِ في آيةٍ قرآنيةٍ
بقولِه:
{ أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ {58} أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ
الْخَالِقُونَ {59} (الواقعة 57-59).
رحلة النطفة الشاقة :
يُرسَلُ إلى رَحِمِ الأمِّ في المرةِ الواحدةِ ما يقارِبُ المئتين وخمسين
مليونِ نُطفَة، حُدد هذا العددُ بهذهِ الكَثرةِ بشكلٍ خاصّ ؛ لأنَّ النطفَ
تواجِهُ أخطاراً مميتَةً بمجردِ دخولِها إلى الرَحِم .
فهناكَ خليطٌ حمضيٌ كثيفٌ في العضوِ التناسليِ للمرأةِ تمنَعُ وصولَ
البكتريا، هذا الخليطُ قاتلٌ بالنسبةِ للنطفِ أيضاً، فبعدَ دقائقَ عِدَّة
يُغَطى جدارُ الرحمِ بملايينِ النطفِ الميتة، وبعدَ عدةِ ساعاتٍ يكونُ قسمٌ
كبيرٌ منَ المئتين وخمسين مليون نطفةٍ ميتاً.
الخليطُ الحَمضيُّ هذا مهمٌ جداً لصِحَّةِ الأمِّ وقويٌّ جِداً بحيثُ
يستطيعُ قتلَ كلِّ النطفِ الداخلةِ إلى الرحِمِ بسهولة.
في هذهِ الحالةِ لن يتحققَ التلقيحُ أبداً، وينتهي نسلُ الإنسان.
لكنَّهُ أخذَ الاحتياطَ الضروريَ أيضاً، فأثناءَ إنتاجِ النُطَفِ في جِسمِ
الرجلِ يضافُ إلى السائِلِ المحتوي على النُّطَفِ الخليطُ الذي يحمِلُ
خاصيةً قُلوية (Base )، هذا الخليطُ يزيلُ قِسماً من تأثيرِ الخليطِ
الحمضيِ في رحمِ الأم، وبفضلِ هذا الخليطِ تستطيعُ آلافُ النطفِ الوصولَ
إلى مدخَلِ قناةِ فالوب مروراً برحِمِ الأم.
ولقد لاحظ العلماء أن النطف جميعاً تتجه إلى جهة واحدة ؟
إذاً كيف تجدُ الجهةَ الصحيحةَ هذه؟ من أينَ تعرِفُ مكانَ البويضة التي
بحجمِ حبيبةِ المِلح؟..
تجدُ النطفةُ مكانَ البويضةِ لأنَّ نظاماً كاملاًَ آخرَ خُلِقَ وتدخَّلَ
لأجلِها.
ترسِلُ البويضةُ إشارةً كيميائيةً لتشُدَّ إليها النطفَ البعيدةَ عنها بما
يقارب خمسةَ عشَر سنتيمتراً، فالنطفُ بفضلِ هذهِ الإشارةِ تتَّجِهُ نحوَ
البويضة، باختصار... تدعو البويضةُ إليها النطفَ التي لا تعرِفُ عنها أيَ
شيء، ولم تقابِلها من قبلُ أبداً، وتتراسلُ الخليتانِ الغريبتانِ اللتانِ
لا تعرفانِ بعضَهما .
هذه الحقيقةُ دليلٌ آخرُ أيضاً على خلقِ البويضةِ والنطفةِ بتناسقٍ كبيرٍ
معَ بعضِهما.
اللقاء الكبير
وفي النهايةِ تستطيعُ مئاتُ فقط الوصولَ إلى البويضة، غيرَ أنه لم ينتهِ
السباقُ حتى الآن، فلا تقبل البويضةُ إلا نطفةً واحدةً فقط، ولهذا يبدأُ
سباقٌ جديد، هناكَ عائقانِ مهمانِ جداً أمامَ النطفِ: الطبقة الحامية التي
تقتل جميع أنواع الجراثيم التي تحاول الاقتراب من البويضة، وقشرة البويضة
المتينة التي يصعب ثقبها إلى حدٍ كبير.
خلق في النطفة أنظمة خاصة لاجتياز هذين العائقين
فهناك الأسلحة المخفية التي خبأتها النطف تحت طرف الدرع الصلب إلى هذه
اللحظة، إنها أكياس الأنزيم المذيبة و التي تسمى بالهيالورونيديز ، هذه
الأكياس ستثقب العائق الأول الذي على أطراف البويضة أي الطبقة الحامية
بإذابتها
فعندما تجتاز النطفة هذه الطبقة، وتتقدم في الطبقة يتآكل درعه شيئاً فشيئاً
ثم يتفتت ويتبعثر، أما تفتت درعه هذا فهو جزء من الخطة المنفّذة الكاملة
لأنه بفضل هذا التفتت ستبدأ أكياس الأنزيم الثانية الموجودة داخل النطفة
بالظهور.
وهذا يؤمن اجتياز آخر عائق تواجه النطفة أي ثقب قشرة البويضة.
الآن تشاهدون هذه الأحداث من خلال الصور الملتقطة على المجهر الالكتروني،
فللنطفة درع أحمر، يذوب هذا الدرع تدريجياً وتجتاز النطفة قشر ة البويضة
إلى الداخل...
التصميم الكامل في اتحاد النطفة والبويضة غير محصور بهذا فقط، ففي لحظة
وصول النطفة إلى قشرة البويضة تتحقق معجزة أخرى .
فجأة تدخل النطفة بنفسها تاركة وراؤها ذيلها الذي أوصلها إلى هنا، وهذا مهم
جداً، لأنه إذا لم تقم النطفة بهذا العمل، فسيدخل الذيل المتحرك إلى خلية
البويضة ويخربها.
ترك النطفة ذيلها يشبه عمليات مكوك الفضاء، والصاروخ المرسل إليه، حيث
تُترك المحركات وخزانات الطاقة عندما لم يبق لها حاجة أثناء انفصاله عن
الغلاف الجوي.
حسناً.. كيف تقوم نطفة صغيرة بهذا الحساب الدقيق ؟
بقيام النطفة بهذا الحساب عليها أن تعرف أنها وصلت إلى آخر الطريق وأنها لم
تعد بحاجة إلى الذيل بعد الآن.
غير أن النطفة جهاز بيولوجي لا تشعر بما حولها، ولا تملك أي عقل أو علم،
الخالق سبحانه الله تعالى نسق معها أيضاً نظاماً يحقق انعزال الذيل عنها في
الوقت الصحيح.
تقوم النطفة التي تركت ذيلها خارجاً بثقب البويضة وتضع فيها الصبغيات من
خلال ذلك الثقب، وهكذا يتم انتقال المعلومات الوراثية.
ونتيجة عمل مئات الأنظمة المختلفة المستقلة عن بعضها البعض بنظام عمل
متناسق أوصلت المعلومة الوراثية العائدة لجسم الرجل، إلى البويضة في جسم
المرأة، وكما نرى فلا مكان لأي مصادفة في اتحاد النطفة مع البويضة بل تحقق
ذلك بفضل تصميم وخطة كاملة،
هذه الحوادث التي تحققت دون أن يدركها الإنسان، وهذا التخطيط الدقيق لكل
مرحلة من هذه المراحل دلائل واضحة على خلق الإنسان من قبل الله تعالى.
بالنتيجة نجد أن الذي قام بعملية تلقيح البويضة هو عبارة عن نطفة واحدة
تمكنت من الوصول إلى البويضة وثقبت جدارها الخارجي و لقد أشار النبي صلى
الله عليه وسلم قبل أكثر من ألف و أربعمئة سنة هذه الحقيقة بقوله " ما من
كل الماء يكون الولد ، و إذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء "رواه مسلم في
كتاب النكاح ، باب العزل .
العلق
تقوم نطفة الرجل بالاتحاد مع البويضة، فتصبح المعلومة الوراثية للنطفة
والبويضة إلى جانب بعضها بعضاً.
وتتحقق واحدة من أكبر المعجزات على وجه الأرض، حيث يتحقق اختلاط معلومتين
وراثيتين واجتماعهما لتكوين إنسان جديد، وتحقق اللقاء...
ربما يكون تصديقه صعباً، إلا أنه يوجد داخل هذه الخلية جميع المعلومات
العائدة للإنسان الذي لم يولد بعد.
عين الطفل الذي سيولد، جلده، لون شعره، وشكل وجهه، وجميع الخصائص
الفيزيائية له مشفّرة هنا.
إلا أنه ليس مظهره الخارجي فقط بل حُدد هيكله وأعضاؤه الداخلية جلده،
عروقه، وحتى أشكال خلايا الدم التي تدور في عروقه إلى عددها العائدة للجنين
إلى جميع التفاصيل.
خصائص الإنسان في السّن السابعة وحتى خصائصه في سن السبعين كل شيء وضحت
وكتبت داخل هذه الخلية .
تقوم الخلية بعد التلقيح بمدة قصيرة بتصرف آخر محيّر جداً، تنقسم وتكوّن
خليتين حديثتين، ثم تنقسم هذه الخلايا مرة أخرى وتصبح أربعة، فقد بدأ الآن
تكوين إنسان جديد.
ولكن ... لماذا تتخذ الخلية قرار الانقسام هذا ؟
لماذا تتكلف وتقوم بمهمة تكوين الإنسان؟
من أعطى الخلية معلومة هذا التكوين؟
هذه الأسئلة توصلنا إلى وجود الله تعالى صاحب العلم والقدرة اللا
متناهيتين، خالق الخلية، والإنسان الموجود داخل الخلية، والعالم الذي يوجد
فيه الإنسان وجميع الكون، خالقهم من العدم.
في هذه الصور نشاهد رحلة الخلايا التي تنقسم وتتكاثر باستمرار داخل أنبوب
fallop، كتلة الخلايا هذه يقال لها منذ الآن بيضة ملقحة، أثناء انقسام
وتكاثر الخلايا التي داخل البيضة الملقحة تتحقق حادثة أخرى محيرة أيضاً.
تبدأ بعض الخلايا بالتمايز عن الأخرى، أثناء تجمع الخلايا القديمة في
المركز، فإن الخلايا المتمايزة تحيط حولها، وبعد مدة قصيرة ستكوِّن مجموعة
الخلايا المركزية الجنين، يعني أول حال الطفل الذي سيولد، وستكون المجموعة
التي حولها المشيمة التي ستغذي الجنين.
بدءُ الخلايا فجأة بالتمايز، واتخاذها قرار تكوين الجنين أو المشيمة تعد
معجزة كبيرة في الأوساط العلمية، فهناك أمر مخفيٌّ يُعمل في هذه الخلايا.
تصل البيضة الملقحة بعد أربعة أيام من تلقيحها إلى المكان الذي جهّز خاصة
لأجلها يعني إلى رحم الأم، ويلزم تمسكها بالرحم لعدم سقوطها خارج الجسم،
إلا أن البيضة الملقحة ليست إلا كتلة دائرية مكونة من الخلايا الشبيهة
ببعضها وليس لها أي نتوء أو ممسك خاص يؤمن لها التعلق بمكان ما، فإذاً كيف
تستطيع التمسك بجدار الرحم؟
وهذا أيضاً قد حُسب له حسابه.....
عند وصول البيضة الملقحة إلى رحم الأم يتدخل نظام خاص آخر.
هذا الصور الملتقطة بالمجهر الإلكتروني تظهر البيضة الملقحة التي وصلت قبل
لحظات إلى رحم الأم، تفرز الخلايا الموجودة في السطح الخارجي للبيضة
الملقحة أنزيمات خاصة تذيب جدار الرحم، وبذلك تتمسك البيضة الملقحة بالرحم
بشدة وتنجو من سقوطها خارج الرحم.
وجود الخلايا على سطح البيضة الملقحة في المكان اللازم وإفرازه الإنزيم
اللازم يوضح مرة أخرى كون خلقه بدون نقصان .
بفضل هذه الخلقة الكاملة تنغرز البيضة الملقحة في جدار الرحم.
هذا المخلوق الجديد الذي يكبر بتمسكه بالرحم يسمى منذ الآن بالجنين.
هذه الحقيقة التي اكتشفتها البيولوجيا الحديثة ذكرت في القرآن الكريم
فعندما يذكر الله تعالى أول مرحلة للطفل في رحم الأم يستخدم كلمة العلق قال
تعالى:
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإنسان مِنْ
عَلَقٍ.اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) (العلق:1- 3) .
أما كلمة العلق بالعربية فيقال للشيء المتمسك بمكان والمتعلق به، وحتى أصل
كلمة العلق يستخدم للتعريف عن بعض الطفيليات التي تلتصق بالجلد وتمصّ الدم
من ذلك المكان.
استخدم البيان الإلهي كلمة العلق لتعريف البيضة الملقحة في رحم الأم في
الوقت الذي كانت المعلومات البيولوجية للناس ضئيلة جداً.
التمايز( مرحلة المضغة):
يعيش في عالمنا الذي هو كوكب مليء بالحياة أنواع لا تحصى من الكائنات
وحيدات الخلية، وحيدات الخلية جميعها تتكاثر عن طريق الانقسام وتكوّن نسخة
عنها أثناء انقسامها.
الجنين النامي في رحم الأم يبدأ الحياة بخلية واحدة تتكاثر هذه الخلية بنسخ
نفسها كذلك.
تنموا هذه الكتلة وتتمايز وتتخصص بالتدريج لتكون براعم الرأس والدماغ
والقلب والأطراف والعظام وتسمى هذه المرحلة علمياَ بـ EMBRYO وبالنظر إلى
شكلها فهي تشبه قطعة لحم أو لبان ممضوغة ولقد سماها القرآن الكريم بلفظ
مضغة قال تعالى : ( فخلقنا المضغة عظاماً ..).
وهنا لولا تدخل تنظيم خاص للزم من انقسام خلايا المولود ظهور كتلة لحم
مؤلفة من خلايا متشابهة وليس إنساناً.
لكنه لا يحصل شيء كهذا لأن الخلايا ليست عاطلة إلى هذا الحد.
بل تبدأ النطفة والبويضة بعد الالتقاء بأسابيع بالتمايز عن بعضها بأمر خفي
أعطي لهم
إن هذا التغير يعتبرها علماء الأجنة معجزة هائلة، فالخلايا التي لا وعي لها
بدأت بإنشاء الأعضاء الداخلية والهيكل والدماغ.
ففي هذه المرحلة تبدأ خلايا الدماغ بالتكون .....
تنموا خلايا الدماغ ويزداد عددها بسرعة، وفي نهاية هذا الإنشاء يصبح الجنين
ذو 10 مليارات من خلايا الدماغ.
كل خلية جديدة تتصرف بمعرفة سابقة إلى أين ترجع، ومع أي الخلايا يجب أن
ترتبط، كل خلية تجد مكانها بين احتمالات لا حصر لها، وترتبط مع الخلايا
التي يجب أن ترتبط معها.
يوجد في الدماغ 100 تريليون صلة وصلة لتستطيع الخلايا صنع ترليونات الوصلات
هذه بالشكل الصحيح يجب أن تملك عقلاً يفوق عقل الإنسان بكثير
غير أنه ليس لهذه الخلايا أي عقل.
ليس فقط خلايا الدماغ، بل كل واحدة من الخلايا المتكاثرة بانقسامها داخل
الجنين تقوم برحلة من أول مكان تكوّنت منه نحو النطفة التي يجب أن تتواجد
فيها، وكل واحدة تجد المكان المخطط لها، وهنا تقوم بالارتباط بالخلايا التي
يجب أن ترتبط معها.
حسناً .. هذه الخلايا التي ليس لها أي وعي .. فمن يتتبع هذه الخطة الذكية ؟
يجيب الدكتور البرفيسور جواد بابونا على هذا السؤال بقوله:
" كيف تقوم جميع هذه الخلايا المتشابهة مع بعضها برحلة فجأة وكأنها تلقت
أمراً من مكان واحد، وتذهب كلها إلى أماكن مختلفة تعمل على تكوين أعضاء
مختلفة، هذا يبين بشكل واضح أن هذه الخلايا المتماثلة خلايا لا تعرف ما
ستفعله، الخلايا متماثلة والـDNA الوراثية كلها تشكّل بعضها الدماغ، وبعضها
القلب، وبعضها تشكل الأعضاء الأخرى إن الذي يوجها هو الله وحدة خالق
السماوات والأرض .
يدوم التكوين في رحم الأم، تبدأ بعض الخلايا المتغيرة بالانقباض والانبساط
فجأة.
وبعد ذلك تجتمع مئات آلاف هذه الخلايا في مكان واحد، لتكوّن القلب .....
هذا القلب سيستمر بالخفقان طوال العمر.
بعض الخلايا المستقلة عن بعضها تتماسك ببعضها، وتقيم ارتباطات فيما بينها
وتشكل خلايا العروق.
ترى... من أين تعلمت هذه الخلايا وجوب تكوين العروق وكيفية القيام بهذا؟
هذه من الأسئلة التي لم يوجد لها جواب في الأوساط العلمية
في النهاية تصنع خلايا العروق نظام أنبوبي رائع ليس عليه أي ثقب أو شق.
السطح الداخلي للعروق أملس، وكأنه صنع بيد صانع ماهر.
نظام العروق الرائع هذا سيبدأ بعد مدة بنقل الدم لجميع جسم الجنين ويبلغ
طول شبكه العروق كلها (40000كم)، وهذه المسافة تساوي الطول الكامل لمحيط
الأرض.
يستمر النمو في بطن الأم دون توقف، وتصل أطراف الجنين في نهاية الأسبوع
الخامس إلى حال تشبه النتوء كما في الصور .
هذا النتوء سيصبح يداً بعد مدة، تبدأ بعض الخلايا بصنع الأيدي.
إلا أنه يقوم قسم من الخلايا بعد مدة بعمل محير جداً: تقوم الآلاف من
الخلايا بتضحية جماعية.
ترى .. لماذا تقدم الخلايا أنفسها ؟
هذه التضحية تخدم هدفاً مهماً جداً، أجسام الخلايا الميتة على خط معين
ضروري لتكوين الأصابع، وتأكل الأخرى الخلايا الميتة وتتشكل في هذه المناطق
الفراغات اللازمة بين الأصابع.
حسناً.. لماذا تقوم آلاف الخلايا بتضحية كهذه؟ كيف تقوم الخلية بالتضحية
بنفسها ليصبح الطفل المولود ذو أصابع في المستقبل؟
من أين عرفت الخلية أنها بهذه التضحية تخدم هدفاً كهذا؟
كل هذا يوضح مرة أخرى أن جميع الخلايا المكوّنة للإنسان موجّهة من قبل الله
تعالى.
وفي هذه الأثناء تبدأ بعض الخلايا بصنع الساق.
لا تعرف الخلايا أن الجنين سيحتاج إلى المشي على الأرض، رغم ذلك تكون الساق
والأرجل.
هذه صورة تمثل وجه إنسان ذو أربعة أسابيع.
في هذه المرحلة تتكون حفرتان في جانبي رأس الجنين، تصديقه صعب، لكن في هذين
الحفرتين ستُنشأ العينان.
يبدأ تشكل الأعين في الأسبوع السادس وتعمل الخلايا طوال الأشهر داخل خطة لا
يستوعبها العقل وتكّون أقسام العين المختلفة..بتتابع رتيب.
تصنع بعض الخلايا القرنية وبعضها الحدقة، وبعضها العدسة، تقف كل خلية عند
وصولها إلى حد انتهاء القسم الذي يتوجب عليها صنعها، وتنشأ العين المكونة
من 40 طبقة مختلفة بشكلٍ كامل...
وهكذا فالعين التي تعد أفضل كاميرا في العالم تُخلق في بطن الأم من العدم،
فقد حُسب بأن الإنسان الذي سوف يولد عندما يفتح عينيه سيقابل عالماً ملوناً
خُلقت العين من أجله متناسباً مع هذا العالم.
وقد حسبت الأصوات التي سيسمعها، والأنغام التي سيستمع إليها أيضاً، والأذن
التي ستسمع هذه الأصوات كذلك تنشأ في بطن الأم حيث تشكل الخلايا أفضل جهاز
لاقط للصوت على وجه الأرض.
وهذا يذكرنا مرة أخرى أن السمع والبصر من النعم الكبيرة التي منحها الله
تعالى للإنسان، بذلك يتفضل الله عز وجل في القرآن الكريم بقوله:
(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ
شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78) .
معجزات القرآن
جميع المعلومات التي شرحناها حتى الآن في موضوع تطور الجنين في رحم الأم
اكتشفت بالبحوث في مطلع هذا القرن وبالعودة إلى الاعتقادات التي كانت سائدة
قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم نجد أنها كانت بعيدة تماماً عن الحقيقة
العلمية وكانت أقرب إلى الخرافة فقد كان الاعتقاد السائد مثلاً في عصر
أرسطو 384 ـ 322 أن الجنين الموجود في نطاف الرجل مخلقاً وكاملاً ولكنه
صغير جداً فلا نراه ثم ينموا بالتدريج داخل الرحم تماماً كما تنمو بذرة أي
نبات وهي نظرية الجنين القزم .
أما القرآن الكريم فيقول : بينما نجد القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة
قد أكدا بصورة علمية دقيقة أن الإنسان إنما خُلق من نطفة مختلطة سماها
"النطفة الأمشاج" فقال تعالى في سورة الإنسان :( إِنَّا خَلَقْنَا
الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا
بَصِيرًا)(الإنسان:2). وقد أجمع أهل التفسير على أن الأمشاج هي الأخلاط،
وهو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة. والحديث الشريف يؤكد هذا أخرج الإمام
أحمد في مسنده عن عبد الله - يعني ابن مسعود - قال: مر يهودي بالنبي صلى
الله عليه وسلم وهو يحدث أصحابه قال: فقالت قريش: يا يهودي، إن هذا يزعم
أنه نبي؟ قال: لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي. قال: فجاء حتى جلس ثم قال:
يا محمد، مم يخلق الإنسان؟ قال: "يا يهودي، من كل يخلق، من نطفة الرجل ومن
نطفة المرأة، فأما نطفة الرجل فنطفة غليظة منها العظم والعصب، وأما نطفة
المرأة فنطفة رقيقة منها اللحم والدم". فقام اليهودي فقال: هكذا كان يقول
من قبلك.(رواه أحمد، والطبراني، والبزار بإسنادين وفي أحد إسناديه عامر بن
مدرك، وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات).
ولم يتوصل العلم إلى حقيقة أن الإنسان يتكون من نطفة الرجل وبويضة المرأة
إلا في سنة 1775م على يد العالم الإيطالي "سبالانزاني" Spallanzani . وفي
عام 1783 تمكن "فان بندن" Van Beneden من إثبات هذه المقولة وهكذا تخلت
البشرية عن فكرة الجنين القزم. كما أثبت "بوفري" Boveri بين عامي 1888
و1909 بأن الكروموسومات تنقسم وتحمل خصائص وراثية مختلفة، واستطاع "مورجان"
Morgan عام 1912 أن يحدد دور الجينات في الوراثة وأنها موجودة في مناطق
خاصة من الكروموسومات[1].
وهكذا يتجلى لنا أن الإنسانية لم تعرف أن الجنين يتكون من اختلاط نطفة
الذكر وبويضة الأنثى إلا في القرن الثامن عشر، ولم يتأكد لها ذلك إلا في
بداية القرن العشرين.
أن العظام والعضلات تتشكلان معاً إلا أن البحوث الجارية الأخيرة اكتشفت
حقيقة لم ينتبه إليها الناس في الماضي.
تتشكّل في الجنين أولاً العظام ثم يكسى العظام بالعضلات والغريب أن هذه
الحقيقة التي اكتشفها العلم من جديد أشار إليها القرآن الكريم عنها قبل
1400سنة
(ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً
فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ
أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)
(المؤمنون:14) .
لقد أذهلت آيات القرآنية التي تتكلم عن خلق الإنسان والأحاديث النبوية
الشريفة العديد من جهابذة علماء العصر ومن بينهم البروفسور كيت مور أستاذ
علم الجينات في الجامعات الأمريكية وصاحب أشهر كتاب عن الجنين في العالم .
لقد قال مرو: " لقد كان نبيكم إنساناً بسيطاً و رجلاً أمياً ، و قد عاش و
مات في القرآن السابع الميلادي ، أي في وقت لم يكن فيه لعلم الأجنة أساس و
لا خبر ، كما لم يكن هناك مجاهر على الإطلاق ، ولم يكن علم البصريات قد ظهر
إلى عالم الوجود بعد ، فمن أين له بهذه المعلومات العلمية المذهلة ؟ و كيف
شاهد اندماج نطفة الذكر بنطفة الأنثى ؟ و كيف عرف أن في نطاف الرجل نطف و
أن في ماء المرأة نطفة ؟ "[2] .
ولقد طلب الدكتور مور من الشيخ عبد المجيد الزنداني أن يقوم بكتابة مقدمة
لكتابه
The Developing Human
أطوار خلق الإنسان
و هذا الكتاب يعتبر من أهم الكتب في علم الأجنة
Embryology and Anatomy و هو مترجم إلى ثمانية لغات علمية فقام الشيخ
الزنداني بكتابة مقدمة تحدث فيها عن مراحل خلق الإنسان كما ذكرها القرآن
الكريم .[3]
المشيمة
الجهاز الذي ترونه في الصورة واحد من أجهزة الطب وذات أحدث تقنية في
العالم، هذه وحدة دعم الحياة اللازمة للمرضى في العناية المشددة إلا أنه
أثناء مقارنة هذه التقنية التي تملأ غرفة بجهاز فائق آخر سنرى مدى الفرق
الهائل بينهما.
هذا الجهاز الفائق هو : المشيمة الذي يحيط بالجنين من الجهات كلها ويسدّ
حاجته.
المشيمة وحدها تعمل كوحدة غسيل للكلية، وكالقلب والرئة والكبد الاصطناعي
وتقوم بجميع هذه المهمات في وقت واحد وتصميم خارق تؤمن حياة الطفل والأم
معاً.
الخلايا المكوّنة للمشيمة تُعرف من بين ملايين الخلايا في بطن الأم جزئيات
الغذاء التي يحتاج إليها الطفل وتوصله إليه.
ومهمة المشيمة الأخرى هي حماية الجنين.
الخلايا الدفاعية التي في بطن الأم تتوجه نحو الرحم كي لا يتعرض الجنين
للهجوم، إلا أن الخلايا الموجودة في أول الطبقة الخارجية للمشيمة تشكّل
نوعاً من مصفاة بين عروق الدم للأم والجنين، أثناء الموافقة للغذاء بالمرور
تمنع مرور خلايا النظام الدفاعي.
لو أعطيت مهمة التفكير باحتياجات الجنين الذي ينمو وسد حاجته ليس للمشيمة
بل لإنسان لما عاش هذا الجنين أكثر من دقائق معدودة، لأنه لا تستطيع أي
تقنية يملكها الإنسان حساب حاجات الجنين المتغيرة ولا يستطيع سد تلك
الحاجات، الآلة الوحيدة التي تقدر على هذه العمليات هي المشيمة.
هذه التقنية الفائقة لقطعة اللحم المسماة بالمشيمة توضح لنا مرة أخرى
الكمال في خلق الله تعالى.
الحبل السري يُؤمَّن الارتباط بين جسم الأم والجنين، هذا الحبل التي يُقطع
ويُرمي بعد الولادة، الذي كانت له مهمة حياتية طوال تسعة أشهر معجزة هندسية
حقيقية، يمر داخل هذا الحبل ثلاثة خطوط متفرقة، أحد هذه الخطوط تنقل
الغذاء والأوكسجين للجنين، وبفضل هذا لا يختنق الجنين رغم عيشه في بيئة
مليئة بالسوائل، مع كون رئتاه مليئتان بالماء، ولا يموت جوعاً رغم عدم
تكوين نظامه الهضمي وعدم أكله، بل تعطى هذان الحاجتان الأساسيتان له عن
طريق البطن.
أما الخطان الآخران للحبل فيطرحان زوائد الطعام والماء الذي ينتجه الجنين
من الجسم.
وليس للأم ولا للجنين الذي ينمو في بطنها علم بهذه الأنظمة كلها.
إلا أن الله تعالى خلق جميع التدابير أيضاً لتأمين حياة الجنين بشكلٍ كامل.
النتيجة
طوال مرور الأشهر، الطفل الذي في بطن الأم يأخذ شكلاً وينمو، ويصل إلى حالة
يمكنه الانتقال والعيش في العالم الخارجي .
وقد جاء دور المرحلة الأخيرة أي الولادة، إلا أنه بقي خطر كبير ينتظر الطفل
الذي في بطن الأم، سيولد الطفل من رحم الأم ماراً بعظام الحوض للأم، وهذا
يشكل خطراً كبير على الطفل، لأنه سيحصر رأس الطفل أثناء الولادة في هذه
المناطق الضيقة، وسيشكل ضغطاً على جمجمته.
ولكن تدابير خاصة جداً أُعدت لحماية صحة الطفل.
عظام جمجمة المولود طريّة بعكس جمجمة الإنسان البالغ لم تلحم مع بعضها
وبفضل هذا تتمطط العظام مقداراً معيناً أثناء الولادة وهذا التمطط يشكل
فراغات بين العظام تمنع تخريب الجمجمة.
بفضل هذا يولد الطفل ولادة صحيحة دون تضرر الجمجمة والدماغ.
في الأشهر القادمة تقسو جمجمة الرأس وتستمر حياة الطفل بشكل سليم.
هذه الأحداث الموضحة في هذا الكتاب مرّت على جميع الناس الذين عاشوا على
وجه الأرض، وتُري أن جميع الناس إنما كانوا من نطفة بسيطة ألقيت في رحم
الأم
وبفضل هذه الشروط الخاصة اتحدت مع البويضة، ثم بدأت الحياة بخلية واحدة
فقط، حيث ليس لها أي علم حتى بوجودها، فالله تعالى سوى خلقهم، وخلق كل واحد
منهم إنساناً في أحسن تقويم من خلية واحدة فقط ...
والتفكير في هذه الحقيقة واجب كل إنسان على وجه الأرض.
ومهمتكم أنتم أيضاً التفكير كيف وجدتم وأن تشكروا خالقكم الله تعالى.
ولا تنسوا أن ربنا الذي خلق أجسامنا مرة، سيخلقنا بعد موتنا مرة أخرى،
وسيحاسبنا على النعم التي وهبنا إياها وسيعيد خلقنا مرة أخرى وهو أهون
عليه.
أما المنكرين لحقيقة خلقهم بنسيانهم ربهم والدار الآخرة فمخطئون خطأً
كبيراً.
يذكر الله تعالى الناس كهؤلاء في القرآن الكريم بقوله:
(أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ
خَصِيمٌ مُبِينٌ . وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ
يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا
أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) (يّـس:77-79 ) .