شيخ ازهرى يقول : ارفض حجاب ابنتى ربما كان عنوان مقالي مستفزا، وبخاصة عندما يصدر من شيخ أزهري معمم، لا يزايد أحد على حبه لدينه، وحرصه على التمسك به، ودعوة الناس إليه، ولا أحب أن يزايد أحد على هذا الحب والتمسك بديني، وأقدم بهذه التقدمة لأمهد لما أود قوله.
أحرص -وتحرص أكثر مني زوجتي- على قراءة أطفالي القرآن وحفظه، ومما يحمد لدولة قطر ووزارة التربية والتعليم جزاهم الله خير الجزاء وجعله في موازين حسناتهم: حرصهم الشديد على إقامة مسابقة القرآن للمدارس والروضات في كل عام، وبما أن طفلتي الكبرى في مرحلة التمهيدي، وهي ذات السنوات الست إلا بضعة أشهر، ستشترك في هذه المسابقة، فوجئت برسالة مع الطفلة قبل يوم المسابقة بعدة أيام، وأخذت أقرأ ما في الرسالة فكان كالتالي:
على الطفلة الحضور في الساعة كذا، مرتدية العباءة والحجاب!! وطبعا لا يوجد لدى طفلتي لا عباءة ولا حجاب، ليس إهمالا مني ولا تقصيرا، بل لأن هذه الطفلة ليست في سن ارتداء حجاب، ووقعت في حيرة من أمري، وعبثا حاولت أبحث في ملابس البنت عن حجاب، أو في ملابس أمها عن حجاب يناسبها، وطبعا هذا البحث نتج عن إلغائي لعقلي وفهمي لديني في هذه اللحظة، ثم فكرت برهة وقلت لزوجتي: فلتذهب بدون عباءة وحجاب، وليكن ما يكون، إن هذا الأمر ليس دينا أتعبد به، وليس فقها صحيحا ألتزم به.
الدين والحياة
هل أضع الحجاب على رأس ابنتي وأغرس فيها دون أن أدري العلمانية التي تنادي بفصل الدين عن الحياة، وأغرس فيها أن الحجاب موضعه فقط عندما تذهب لتلاوة القرآن، بينما في الروضة التي تتلقى فيها تعليمها لا مانع من خلعه، وعدم ارتدائه أساسا؟!
ثم رحت أبحث فيما درست وقرأت في الشرع الإسلامي الحنيف، فلم أجد رأيا واحدا يحكم على طفلة في السادسة من عمرها أن شعرها عورة، ولا أنها ينبغي عليها ارتداء حجاب أصلا في هذا السن، ولا هي في سن تقترب فيه من البلوغ حتى تتمرن وتتدرب على ارتداء الحجاب، وإن كان الأفضل أن نشرح لمن تقترب من سن البلوغ لماذا العفة؟ ولماذا الحجاب؟ حتى يصل الأمر إلى قناعة شخصية داخلية، لا إلى قرار يفرض، وأن نغرس ذلك بالتربية القوية؛ حتى يكون فعلا مأجورا على أدائه.
ثم ما الحكمة الدينية والتربوية في أن أحرم الطفلة من أن تعيش طفولتها بما فيها من براءة؟ وقد كنت طفلا مثلها وحكم علي وعلى معظم الأطفال الذين يحفظون القرآن صغارا بأن يكبروا قبل سنهم، ويعاملوا معاملة الكبار، والسبب في ذلك: أنهم حفظة لكتاب الله.. شيخونا صغارا فحرمونا من طفولتنا البريئة، وكأن حفظ القرآن كان عقابا لا تكريما، دون أن يدري المجتمع للأسف، فأنت حافظ للقرآن وسنك لم يتعد الرابعة عشرة أو أقل أو أكثر قليلا.. من الآن ممنوع اللعب.. ممنوع الضحك.. ممنوع كذا وكذا، وقائمة من الممنوعات لا تتناسب مع سن الطفل، بدعوى أنه صار شيخا، وقد وعى بين صدره كتاب الله القرآن العظيم، ونمضي في ممارسة أفعال من أكبر الأخطاء التربوية في حياة الأطفال، وإليك نماذج أخرى منها:
يحفظ الولد القرآن، أو يتفوق في دراسته فتفاجأ بأن المكافأة التي نكافئه بها: عمرة إلى بيت الله الحرام، وهذا أمر جميل جدا ورائع، إن كان باختيار الطفل ذاته، ولكن ما المانع أن يكون تكريم الطفل حافظ القرآن برحلة سياحية يجمع فيها بين المشاعر المقدسة، وتراث الإنسانية الرحب الذي يتعلم منه.
خطأ تربوي
إننا نخطئ عندما نريد أن نغرس القيم الإسلامية في نفوس أطفالنا عن طريق الدرس الديني فقط، وهذا ضرب من الخطأ التربوي والديني، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يجلس بالساعات يلقي محاضرات ليغرس في نفوس أصحابه القيم، بل كان يجعلها تأتي عرضا عن طريق مواقف الحياة المختلفة، فعندما يذهب للسوق ويشتري يجد رجلا قد أصاب تمره بلل، فيقول: «ما هذا يا صاحب التمر؟» فيقول: أصابه بلل السماء، فيقول: «هلا أخبرتنا؟ من غشنا فليس منا».
إنه درس في الأمانة لم يكن على منبر، ولا في حلقة درس علم.
وعندما كان في زيارة لبيت أحد الصحابة، وقد اغتنمت زوجة الرجل فرصة وجود النبي صلى الله عليه وسلم لتتعلم، فكان لها طفل صغير يلهو، ويشغلها بلعبه عن متابعة الحديث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت، وقد أغلقت يدها: يا عبد الله، تعال أعطيك، فقال صلى الله عليه وسلم: «وماذا ستعطينه؟» ففتحت يدها، وقالت: أعطيه تمرات في يدي، فقال صلى الله عليه وسلم: «أما إنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة». وهناك مواقف كثيرة في التربية النبوية.
نستطيع أن نعلم الأطفال عن طريق اللعب، وعن طريق الترفيه، وبذلك نحقق لهم الجمع بين المتعة الشخصية والتربية السوية كما أمرنا بها ديننا، فليلعب دون أن يؤذي الطفل الآخر عند اللعب، وأعلمه كيف يحترم ممتلكات الطفل الآخر، ولا يفسد ما يلعب به، وهي تربية، وأعلمه أن القرآن وحفظه وتأمله لا يجعل حافظه مخاصما للحياة، ولا كارها لها، ولا مدبرا عنها منزويا، بل القرآن يغرس في نفس حافظه وقارئه حب الكون والحياة، والتربية الفاضلة القويمة.
ملحوظة: ذهبت طفلتي للمسابقة دون حجاب ولا عباءة، ولم يردها أحد، وحصلت على مركز متقدم والحمد لله، ولكن الموقف جعل هذه الخواطر تجيش في خاطري .