تستقبل الأمة الإسلامية عامها الهجري الجديد وجسدها الإسلامي مصاب بجراحات
كثير، بل لا يكاد جرح يبرأ حتى تنتكث جراحات أخرى, جهل و حرب و فقر و جوع و
تشريد و تهديد، و ذلك واضح و معلوم فيما يقرأ و يسمع و يشاهد، بل قد يقال :
لم يعد مستغربا حصول قارعة تنزل بجماعه من المسلمين أو تحل قريبا من دارهم،
حتى أضحت كثير من بلاد المسلمين يصدق عليها قول الشاعر :
أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد ***
تجده كالطير مقصوصاً جناحاه
إن الناظر بعين الإنصاف و البصيرة
يعلم أن ما أصاب المسلمين إنما هو من جراء أنفسهم و ذنوبهم , كما قال تعالى :
{ و ما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير }، { أو لما أصابتكم
مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شي
قدير }.
ليس تعداد مصائب الأمة و جراحاتها من باب إدخال اليأس و القنوط على النفوس ,
معاذ الله، فعلى رغم ما حصل و يحصل في أمة الإسلام من المصائب إلا أن الخير
باق فيها إلى قيام الساعة.
و لكن يذكر ذلك من باب شحذ الهمم و إيقاظ العزائم و بث الحميه الإسلامية
الصحيحة في نفوس المسلمين، لان حال كثير من المسلمين على اختلاف بلاد العالم
الإسلامي حال يرثى لها بسبب التبعية لأعداء الإسلام و الإعجاب بهم إعجابا
مطلقا، إضافة إلى انحلال كثير من المسلمين من قيم الإسلام و آدابه أدى ذلك و
غيره إلى غياب معالم الإسلام لا على مستوى الإسلام و آدابه أدى ذلك و غيره
على غياب معالم الإسلام لا على مستوى أفراد فحسب بل على مستوى مجتمعات، بل إن
بعض المسلمين لم يكتف بالانحلال من قيم الإسلام فحسب و إنما اصبح عونا لأعداء
الإسلام ومكثرا لسوادهم، و ذلك بتسخير نفسه و قلمه و فكره لحرب الإسلام و
المسلمين، فأضحى خطرا كبيرا على الإسلام و أهله، ذلك لان العدو قد عرف بعدائه
و حقده أما من كان محسوبا معدودا من جملة المسلمين فهذا الذي يخفى كيده و
يشتد أذاه لغفلة الكثير عن مراده و سوء مقصده، بل و يزيد خطره إذا صنف من
المدافعين عن الإسلام و أهله.
لقد حرص الإسلام على توثيق الروابط و التقارب بين المسلمين، و أكد أهميتها بل
بلغ حرص الإسلام على أهله أن جعلهم كالجسد الواحد يألمون سويا و يأملون سويا
, عن النعمان بن بشر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى و
السهر ) أخرجه مسلم . و في لفظ آخر عنده : ( المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى
رأسه اشتكى كله و إن اشتكى عينه اشتكى كله ) و عن أبو موسى الأشعري رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن المؤمن للمؤمن كالبنيان
يشد بعضه بعضا - و شبك أصابعه - ) أخرجه البخاري.
و قد تضمن هذا النص صفات بليغة في وحده المسلم مع إخوانه فالمؤمنون كالبنيان
الواحد المجتمع، و لما كان البنيان قد يكون متداعيا أو متساقطا، جاء الوصف
الآخر بان ذلك البنيان يشد بعضه بعضا , فيكون كل مسلم يمثل لبنة في البيت
الإسلامي الكبير.
ولم يكتف الإسلام بان تكون وحدة المسلم مع أخيه في حال المشاهدة، بل تعدى ذلك
إلى حال الغيب و البعد , فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم خارج المدينة و
معه جماعة من أصحابه فقال لهم : ( إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا و لا
أنفقتم من نفقة و لا قطعتم واديا إلا كانوا معكم فيه و هم بالمدينة حبسهم
العذر ) أخرجه البخاري عن انس رضي الله تعالى عنه .
و هكذا ينبغي أن تكون حال المسلم مع إخوانه في السراء و الضراء و في الغيب و
الشهادة، يألم لألمهم و يؤمل لأملهم، يفرح لفرحهم و يحزن لحزنهم . فسفينة
الإسلام واحدة تتأثر سلبا و إيجابا بحسب تصرفات أهله .
إذا كان ذلك كذلك فليحذر كل مسلم أن يكون سببا في إحداث فجوة على الإسلام من
جهة نفسه، سواء كان تقصيرا في ذاته أو متعديا إلى غيرة، بل و ليعلم كل واحد
من المسلمين انه مسؤول عن نفسه خاصة و على من يعول عامه .
فالإصلاح يبدأ من الذات ثم تتسع دائرة الإصلاح حتى تشمل البيت و الجوار و
المجتمع كل بحسب جهده.
متى ما شعر الفرد بمسئولية و قام بأدائها قدر المستطاع كان ذلك مما يقوى شوكة
المجتمع خاصة و شوكة الإسلام عامة .
فإذا تكاتف المسلمون مع إخوانهم المستضعفين و دعموهم بالمال والدعاء و كانوا
معهم بأحاسيسهم، فانه يحصل بذلك الأثر الكبير في استجلاب النصر بإذن الله، و
متى قام المصلحون بنشر الوعي العقدي السليم و بصروا الناس في معاملاتهم و
سلوكياتهم، عاد ذلك بالنفع العظيم على المجتمع بأسره.
شاهد المقال: انه إذا استشعر كل فرد بمسئوليته و قام بها حق القيام، كان ذلك
بإذن الله من اعظم الأسباب في نصر الإسلام و المسلمين، فأمر المسؤولية عظيم.
عن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول لله صلى الله عليه
وسلم : ( كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع و هو مسؤول عن رعيته،
و الرجل راع في أهله و هو مسؤول عن رعيته، و المرأة راعية في بيت زوجها و هي
مسؤولة عن رعيتها، و الخادم راع في مال سيده و هو مسؤول عن رعيته , و الرجل
راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته . فكلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته )
أخرجه البخاري و مسلم . فالله نسأل أن يعيننا على ما حملنا وان يصلح لنا جميع
أمورنا .
إن الإسلام مجتمعات , و المجتمعات أفراد , و متى ما اصلح الفرد نفسه صلح جزء
من مجتمع المسلمين , وعلى هذا فكل منا على ثغر من ثغور الإسلام , فالله الله
أن يؤتى الإسلام من قبله .
وإن مما يعين على تهذيب النفس: تعويدها على عمل الخيرات , و إن من الخيرات
صيام يوم عاشوراء , فصيامه يكفر سنة ماضية كما قال صلى الله عليه وسلم ( صيام
يوم عاشوراء يكفر سنة ماضيه ) أخرجه الترمذي بمعناه عن أبى قتادة رضي الله
عنه و قد صامه صلى الله عليه وسلم وهم بصيام يوم قبله فقال : ( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع
) .
اللهم اجعل هذا العام عام خير و بركة للإسلام والمسلمين