قال الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، رحمه الله:
من خراب المجتمع: تبرج النساء؛ فلقد افتتن كثير من النساء، في وقتنا هذا،
بما يزيد على عمل نساء الجاهلية الأولى، من التبرج، وإظهار المحاسن والجمال
أمام الرجال الأجانب، مما يثير الشهوة، ويوقع في الفتنة، ويوجب غضب الرب
سبحانه وتعالى.
وخروج المرأة إلى المجتمعات سبب لتغير زوجها الغيور عليها والمحسن إليها،
ووالد أولادها، فتحصل بينهما الفرقة بعد الألفة، والبغضاء بعد المحبه،
والشقاوة بعد السعادة.
ولا شك أن من أقبح المنكرات وأكبر البلايا وأعظم الأخطار على المجتمع، أن
تتبرج المرأة، وتظهر زينتها للرجال الأجانب في الطرقات، والأسواق، وبيوت
التجارة، أو المساجد وغيرها من المجتمعات.
فهي في كل يوم تزداد في تبرجها، وتتفنن في أشكال ملابسها، فخلعت عنها ثياب الحشمة، والصيانة، والحياء،
والعفاف، وظلت لا تراعي الآداب، ولا تبالي بهتك الحجاب.
فماذا سترت المرأة إذا خرجت إلى السوق عارية الذراعين والساقين، كاشفة عن
وجهها وصدرها، بادية النهود والأرداف، حاسرة الرأس؟! فلا دين يمنعها، ولا
حياء يردعها، ولا ولي يحافظ عليها ويوقفها عند حدها؛ قد استشرفها الشيطان،
فخرجت متجملة متعطرة فاتنة!
ألم تسمعوا إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أمتي لم أرهما
بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات،
مائلات مميلات، على رؤوسهن كأسنمة البخت، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها،
وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" 1.
أما يكفي هذا ردعا وزجرا؟! مع قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا خرجت المرأة
متجملة متعطرة، استشرفها الشيطان". كيف ترضون أن تكون نساؤكم محط الأنظار،
ومثار الفتن؟! لقد قال صلى الله عليه وسلم "ما رأيت من ناقصات عقل ودين،
أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن" 2.
كيف تخرج المرأة إلى السوق تتمطى في مشيتها عجبا وتيها، وتتلون اختيالا وزهوا، بتدلل وتكسر وتظرف؟ !
كيف يرضى حياؤها أن تكون مبعث إثارة فتنة وشهوة، في نفس رجل يراها؟ ! وكيف تطيق الشعور والصبر، بأنه يصبو إليها ويتمناها؟ !
كيف ترون ذلك وتصبرون؟ ! أما تغارون؟ أما تخجلون؟ أما تخافون من رب
العالمين؟ فالمرأة مأمورة بالاحتشام والحياء، والبقاء في قعر بيتها، لئلا
تفتن وتنفتن، فتتنغص عليها حياتها وسعادتها، ويخدش عرضها، وتهان كرامتها،
وتنطلق إليها النظرات الوقحة الجريئة.
ما هو والله إلا التقليد الأعمى سيطر على النفوس واستعبد القلوب، وأعمى
بصائر الرجال والنساء، خضعوا له من غير تفكر ولا تدبر، ومن غير تورع ولا
تأمل، وانقادوا له باستسلام ونشوة، فسلبت زهاهم مضرته وفتنته.
فالتبرج ضرره جسيم، وخطره عظيم، يخرب الديار، ويجلب الخزي والعار؟ إنكم
مسؤولون أمام الله عما أولاكم، وجعلكم قوامين على النساء، فلماذا أهملتم؟
فأحسنوا تربيتهن وتوجيههن، وخذوا على أيديهن، فإنه إذا نزل العذاب عم
الصالح والطالح.
فما لنا نرى المرأة في مجتمعنا، تزداد كل يوم في تبرجها؟ ! وإظهار جمالها
ومحاسنها، بثيابها الجميلة وحليها البراق؟ ! وكأن المعني بقوله تعالى: {يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ
الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [سورة الأحزاب
آية: 59] غيرها.
فياللأسف! لقد خلعت المرأة ثياب الحشمة والصيانة، وتجردت من الحياء والعفاف والكرامة، كل هذا بسبب
ضعف الدين في القلوب، وعدم الغيرة من وليها.
والمرأة اليوم زادت في تبرجها، على ما كان عليه نساء الجاهلية الأولى، فقد
قال بعض المفسرين في ذلك، هو: أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده، فلم
يوار قلائدها وقرطها وعنقها، هذا هو تبرج نساء الجاهلية الأولى، فهل نساء
اليوم قد ابتعدن منه وحذرنه؟! لا والله، بل زدن عليه، وأتين بما هو أشد.
بل نرى المرأة تجوب الشوارع العامة، وتأتي المجتمعات، عارية الذراعين
والساقين، بادية الصدر والنهدين، كاشفة عن وجهها، مظهرة لمحاسنها؛ فلا دين
ولا حياء ولا مروءة، ولا ولي يحافظ عليها، ويوقفها عند حدها؛ بهذا وأمثاله
يسري الفساد على الأسر والبيوتات.
والله يوفق المسلمين لما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
وقال الشيخ: عبد الله بن حميد، أيضا:
إن من أخطر ما ابتلي به مجتمعنا في الآونة الأخيرة من زماننا هذا: تبرج
النساء، وخروجهن كاشفات عاريات، إلى الأسواق والشوارع والطرقات.
ومن أعظم البلاء وأشد الخطر: دخولهن في المسجد الحرام، وهن على هذه الحال،
من غير ما رادع ولا زاجر، وهذه بادرة خطيرة على المجتمع كله.
يجب على ولاة الأمور، ومن بأيديهم السلطة، من رجال الفكر والعلم والدين،
التيقظ والتنبه لهذه البادرة الخطيرة، والشر المتفاقم، كما يجب على ولاة
أمور النساء محاربة ذلك، والقيام بواجبهم الديني والخلقي والاجتماعي، كرعاة
مسؤولين عن القيام على رعاية النساء، وحمايتهن من العبث بشيمتهن وكرامتهن،
وحفظهن من السهام المسمومة: سهام إبليس الممدودة إلى أفئدة الخارجين على
قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ
وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ
بِمَا يَصْنَعُونَ} [سورة النور آية: 30]. وروي حديث: "لتغضن أبصاركم،
ولتحفظن فروجكم، ولتقيمن وجوهكم، أو لتكسفن وجوهكم".
وفي حديث آخر: "إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم، من تركه مخافتي، أبدلته
إيمانا، يجد حلاوته في قلبه". هذا وقد فرض الله الحجاب على النساء، وأمرهن
بملازمة البيوت، فلا تبرج، ولا خروج إلا لحاجة، متسترات متحشمات.
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ
الْأُولَى} [سورة الأحزاب آية: 33] لئلا يطمع الذي في قلبه مرض من ضعفاء
الإيمان، خبثاء الأنفس، المتعرضين- على السبل، والشوارع، والأسواق، وأبواب
المسجد الحرام- للنساء المستهترات بالدين، والخلق الإسلامي القويم،
اللاتي يتسببن بالفتنة، وفساد المجتمع، وانحطاط الأخلاق، ويتعرضن لسخط
الله، وغضبه، واللعنات، حيث روي عن المصطفى صلى الله عليه وسلم: "أيما
امرأة استعطرت ثم خرجت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها، فهي زانية; وكل عين
زانية" 1.
وحتى في الصلاة إذا خرجت إليها، فالواجب أن تخرج في ثياب بذلة غير متطيبة،
ولا مستعملة لأي شيء من مظاهر الزينة التي تحرك الشهوة، أو تجر إلى الفتنة،
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة أصابت بخورا، فلا
تشهدن معنا العشاء الآخرة" 2.
وقد رأت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من النساء شيئا تكرهه، فقالت: "لو
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى من النساء ما رأيناه، لمنعهن من
المسجد، كما منعت نساء بني إسرائيل" رضي الله عن أم المؤمنين وأرضاها.
فلو رأت في زماننا ما أحدث النساء من التبرج الذي تعدى تبرج الجاهلية
الأولى، من التكشف وإظهار محاسنهن، والتمشي، والتمايل في الشوارع والأسواق،
بل بالمسجد الحرام، وفي الطواف بالبيت الحرام، لو رأت ذلك، فماذا كانت
تقول؟ !
إنها حقا لمصيبة دهماء، وفتنة عمياء، وداء عضال على المجتمع الإسلامي، يجب التنبه والتيقظ له، قبل أن يحل بنا
الخطر، ويتسع الخرق على الراقع، ولات ساعة مندم.
ومن المعقول والمعلوم أن المسؤول عن المرأة والراعي لها شريك في إثم ما
ترتكبه من التبرج والسفور، وما تحمله غيرها من الناظرين إليها، ولمظاهر
زينتها، من الإثم، إذ هو المقصر في أداء واجبه نحو القيام بمسؤوليته،
ورعايته نحو أهله، ومن جعلهم الله تحت إمرته ويده.
لذا، فنهيب بولاة الأمور القيام بواجبهم نحو هذا السرطان الفتاك، والأخذ
على يد السفيه، وأطره على الحق، حتى لا يحل بنا ما حل بمن قبلنا من الأمم
السابقة من المصائب والكوارث، لما تركوا أمر النساء بأيديهن، يعبثن
بكرامتهن، ويفسدن أخلاق النشء والمجتمع، وصرن هن القائمات بالأمر، عكس
الآية الكريمة، قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}
[سورة النساء آية: 34] الآية، كما هو الواقع اليوم، ولا حول ولا قوة إلا
بالله.
هذا ونهيب بالجمهور الكريم، من ولاة أمور النساء أن يتعاونوا مع إخوانهم
المسؤولين، في دفع هذا الشر المستطير، ويمنعوا نساءهم من التعري والتبرج،
وإظهار محاسنهن في الشوارع والأسواق، ولا سيما في المسجد الحرام، الذي هو
محط أنظار العالم الإسلامي بأسره.
وليعلموا ويُعلموا أن مثل هذا هتك لحرمة هذه البقعة المقدسة، والكعبة المشرفة.
كما نود أن نشعر الجميع من اليوم فصاعدا: أن أي امرأة تريد دخول المسجد
الحرام، متبرجة متعطرة، حاسرة ساقيها وذراعيها، كاشفة وجهها وصدرها، مظهرة
محاسنها التي يحرم النظر إليها من غير محارمها، ملفتة بذلك العمل الشنيع
وتلك التقاليد الغربية السيئة، أنظار الأجانب، من الرجال والشباب إليها،
ليعلم الجميع أنها تمنع منعا باتا، عن الدخول في المسجد الحرام، وهي على
هذه الحال. وعلى رجال هيئة الأمر بالمعروف، والمراقبين، ورجال الشرطة
بالحرم الشريف أن يقوم كل بواجبه، تجاه هذا الشر المستطير، وتلك الفتنة
العمياء، بالقيام على أبواب الحرم، ومنع النساء اللاتي يردن الدخول في
المسجد الحرام، وهن على هذه الحال. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل،
وهو حسبنا ونعم الوكيل.
منقول من الدرر السنية في الأجوبة النجدية
مجموعة رسائل ومسائل علماء نجد الأعلام
جمع وترتيب : عبد الرحمن بن محمد بن قاسم رحمه الله (1312-1392 هـ)