صفات الزوجين
اختيار الزوج:
منح الشرع الإسلامي الحنيف المرأة -ثيبًا كانت أم بكرًا- حقَّ اختيار زوجها، إذ هي التي تشاركه الحياة، ومنع إكراهها على الزواج، وأعطاها حق فسخ العقد إذا أُكْرِهتْ عليه. فعن بريدة قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنَّ أبي زوجني من ابن أخيه، ليرفع بي خسيسته (أي: ليقضى دينه). قال: فجعل الأمر إليها، فقالت: (قد أجزْتُ ما صنع أبي، ولكن أردتُ أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من أمرهن شيء). [ابن ماجه].
ويجب على وَلِيِّ المرأة أن يجتهد في اختيار الزوج الصالح لها، فإن تكاسل، أو قصَّر، أو طمع في متاع دنيوي زائل على حساب مولاته؛ فإن الله يحاسبه حسابًا شديدًا على تفريطه في ولايته.
وعلى الولي أن يستشير أهل الصلاح والتقوى، وأصحاب الرأي والمشورة في الرجل المتقدم لخطبة مولاته، ومن السنة أن تستشار الأم ويؤخذ رأيها في زواج ابنتها، ولا ينفرد الأب أو ولي الأمر بالرأي، قال صلى الله عليه وسلم: (آمروا النساء في بناتهن) _[أبو داود].
صفات الزوج الصالح:
أرشد الشرع إلى الصفات الواجب توافرها في الرجل الذي يختاره الولي، ليكون زوجًا لمولاته، وهي:
1- الدين: حيث إن المسلم العارف بدينه، الملتزم بأوامره ونواهيه، المتخلق بأخلاقه، المتأدب بآدابه وتعاليمه، يحفظ نفسه وأهله، ويصونهم عن الشبهات، ويراقب الله فيهم ويتقيه في سائر أعماله. كما أن هذا المؤمن إذا أحب زوجته أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها، لأنه ملتزم بكتاب الله الذي قال: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة: 229]. كما أنه يعلم أن امرأته بشر وليست معصومة، فيقدر أن يجد منها بعض ما لا يعجبه، فيتحمل ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يَفْرَكُ مؤمن مؤمنة (أي: لا يبغضها)، إن كره منها خلقًا، رضي منها آخر) [مسلم].
ويؤكد أهمية اشتراط الدين في الرجل الذي يعطيه الولي مولاته، ما وجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم النظر عندما مر رجل عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما تقولون في هذا؟) قالوا: هذا حريّ إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع. ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما تقولون في هذا؟) قالوا: هذا حري إن خطب ألا ينكح، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا يسمع. فقال صلى الله عليه وسلم: (هذا خير من ملء الأرض مثل هذا) [البخاري].
2- حسن الخلق: إذا فازت المرأة برجل حسن الخلق، فقد فازت برجل من أكمل المؤمنين إيمانًا. قال: صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم) [الترمذي، وابن حبان].
وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اختيار صاحب الخلق الحسن، حيث قال: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد). قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ (يعني: نقص في الجاه أو فقر في المال أو غير ذلك). قال صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) (ثلاث مرات) [الترمذي].
وصاحب الخلق الحسن ينصف زوجته من نفسه، ويعرف لها حقها، ويعينها على أمور دينها ودنياها، ويدعوها دائمًا إلى الخير، ويحجزها عن الشر، والرجل إذا كان حسن الخلق، فلن يؤذي زوجته، ولن تسمع منه لفظًا بذيئًا، يؤذي سمعها، ولا كلمة رديئة تخدش حياءها، ولا سبًّا مقذعًا يجرح كبرياءها، ويهين كرامتها.
والرحمة من أهم آثار حسن الخلق، فلابد للمرأة من زوج، يرحم ضعفها، ويجبر كسرها، ويبش في وجهها، ويفرح بها ويشكرها ويكافئها إن أحسنت، ويصفح عنها، ويغفر لها إن قصَّرتْ، فالمرأة الصالحة تنصلح بالكلمة الطيبة دون غيرها.
ومن أهم مظاهر حسن الخلق في الزواج، ألا يغرِّر الزوج بزوجته، فالمسلم لن يخفي عيبًا في نفسه، ولن يتظاهر أمامها بما ليس فيه، كأن يخفي نسبًا وضيعًا، أو فقرًا مدقعًا، أو سنًّا متقدمة، أو زواجًا سابقًا أو قائمًا، أو علمًا لم يحصِّله، أو غير ذلك. أو أن يغير من خلقته باستعمال أدوات التجميل؛ ليحسنها أو ليظهر في سن أصغر من سنِّه.
فالتغرير ليس من أخلاق الإسلام، كما أنه محرم شرعًا. قال صلى الله عليه وسلم: (من غش، فليس منا) [مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: (كبرتْ خيانة أن تحدث أخاك بحديث، هو لك مصدِّق، وأنت له كاذب) [أحمد وأبو داود والطبراني].
3- الباءة: وهي القدرة على تحمل مسؤوليات الزواج وأعبائه من النفقة والجماع. قال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج...) [متفق عليه]. فمن يعجز عن الإنفاق على نفسه وأهله؛ قد يضيع من يعول، ويعرض نفسه وأهله لألم الحاجة، وذلِّ السؤال.
ومن عجز عن الجماع، فقد عجز عن إعفاف المرأة وإحصانها، ورجاء الولد من مثله مقطوع. والمرأة قد لا تحتمل الصبر أمام عجز زوجها عن إعفافها، كما أن الزوج قد لا يقدر على تحمل فتور زوجته. قال صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) [أحمد وابن ماجه].
4- الكفاءة: الحق أن انتظام مصالح الحياة بين الزوجين لا يكون عادة إلا إذا كان هناك تكافؤ بينهما؛ فإذا لم يتزوج الأكفاء بعضهم من بعض لم تستمر الرابطة الزوجية، بل تتفكك المودة بينهما، وتختل روابط المصاهرة أو تضعف، ولا تتحقق بذلك أهداف الزواج الاجتماعية، ولا الثمرات المقصودة منه.
وقد أشارت بعض النصوص النبوية إلى اعتبار معنى الكفاءة بين الزوجين عند التزويج، ومن ذلك ما جاء عن علي -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (ثلاث لا تؤخرهن: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفؤًا) [الترمذي والحاكم]، وما جاء عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تخيروا لنطفكم، وأنكحوا الأكفاء) [ابن ماجه]، وغير ذلك من الآثار.
وعلى الرغم من ضعف كثير من الآثار الواردة بهذا المعنى -من حيث ثبوتها- فإنها في جملتها تشير إلى اعتبار الكفاءة عند التزويج، بوصفها شيئًا من أسباب نجاح الزواج، وقد يفهم بعض الناس الكفاءة فهمًا ضيقًا، فيشترط كثرة المال، أو علو الجاه، أو جنسًا معينًا يتزوج منه، أو أصحاب حرفة بعينها يصاهرها، والصواب أن ينظر أولا وقبل كل شيء إلى الدين.
صفات الزوجة الصالحة:
لقد أودع الله تعالى في قلوب الرجال حُبَّ النساء، وكذلك العكس، وجعل ذلك أمرًا فطريًّا، وقد رسم الإسلام ملامح الزوجة الصالحة التي بها تنجح الحياة الزوجية، وتقوي دعائمها، فإذا ما وجد الخاطب تلك الفتاة، وتوكل على الله وتزوجها، فإن الله سيبارك له فيها مادامت نية الاختيار قد حَسُنَتْ.
وقد أوصى الشرع الحنيف كل رجل أن يختار زوجته على أسس حددها له، وأعطاه الميزان الذي يزن به الفتاة قبل أن يتزوجها، فإن وجد ما يطلب؛ توكل على الله وتزوجها، وإن وجد غير ذلك؛ بحث عن غيرها.
وهذه الصفات لا يمكن أن تدعيها الفتاة بين يوم وليلة، كما لا يمكن أن تستعيرها، ولكنها ثمار رحلة طويلة من تربية الأبوين الصالحين، وجهد كل مسلمة تريد الصلاح في الدنيا والنجاة يوم القيامة.
ولكل فتاة صفات تزيد في ميزانها عند خطيبها، وأهم هذه الصفات:
1- الدين: وهو الأصل والأساس الذي تُخْتار الزوجة بناء عليه، فالفتاة ذات الدين هي الفاهمة لدينها فهمًا صحيحًا بلا مغالاة ولا تفريط، والمطبقة لتعاليمه. فدين المرأة هو تاج عفافها، وعزُّ شرفها الذي يعصمها من الخطأ، وينقذها من الضلال، ويعينها على أداء الحقوق، وهذا يوفر للزوج حياة سعيدة له ولأولاده، ولكل من حوله.
وقد أرشد الإسلام إلى الزواج من ذات الدين، قال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها. فاظفر بذات الدين تربت يداك) [متفق عليه]. وقال أيضًا: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة) [مسلم] فهي عملة رائجة في دنيا الزواج، وعليها يحرص كل راغب في العفاف والإحصان، لأنها إذا تمسكت بدينها ستكون دُرّة ثمينة بين النساء، يتمناها كل رجل، ويسعى ليفوز بها، ويظفر بالزواج منها، رغبة في خيري
الدنيا والآخرة.
ولا قيمة لأي اعتبار آخر ليس معه الدين، فجمال المرأة من غير دين، لا يثقل ميزانها عند زوجها، فهو مغنم إذا كان معه دين يحميه، وهو مغرم إذا كان بمعزل عن الدين، وحسبها ونسبها بغير دين نقمة لا نعمة؛ وثراء من لا دين لها وبال على زوجها، وقد يؤدي إلى طغيانها وبغيها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزوجوا النساء لحسنهن؛ فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تطغيهن. ولكن تزوجوهن على الدِّين، ولأمة خرماء (مثقوبة الأنف) سوداء ذات دينٍ أفضل) [ابن ماجه، وابن حبان، والبزار، والبيهقي].
وذات الدين تحب ربها، فتطبق أوامره، وتنتهي عن نواهيه، وتعرف حقه، وتراه أينما ذهبتْ، وتراقبه في كل عمل، فعليه تتوكل، وبه تستعين، وإياه تدعو. وذات الدين هي المحِبَّة لرسولها صلى الله عليه وسلم، تتبع أوامره، ولا تقرب ما نهى عنه، وهي صاحبة الخلق، فحسن الخلق من دينها. وذات الدين خيرة مع أهلها وجيرانها، وكل من حولها، نافعة لهم.
وذات الدين يختارها المسلم، لتكون معينًا له في دينه، فحالها مع ربها ودينها بعد الزواج أفضل مما كانت عليه قبل زواجها، فهي نصف دين زوجها، والمعينة له، والرفيق في الطريق إلى الجنة، وغالبًا ما نرى فتورًا في دين كثير من النساء بعد الزواج، فيهملن قراءة القرآن، ويتكاسلن عن أداء العبادات، لشغلهن بأعباء الحياة، وهذا لا يحصل من ذات الدين.
ولا تكون المرأة من ذوات الدين، إن لم تطبق ما عرفتْه من دينها، فتلتزم أوامر ربها وتتجنب نواهيه، وتتبع سنن نبيها صلى الله عليه وسلم وهديه، فيجب أن تكون مثلا حيًّا لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
2- حسن الخلق: وهو أحد أسس اختيار المرأة للزواج، كما أنه باب يوصل المرأة إلى رضا ربها وإلى الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام في شيء، وإن أحسن الناس إسلامًا أحسنهم خلقًا) [أحمد، والطبراني]. ولذا فإن أفضل النساء أحسنهن أخلاقًا، فالرجل لن يقبل على الزواج بامرأة قبيحة الأقوال والأفعال، تؤذيه وأهله بلسانها وشرورها.
وقد نصح بعض الحكماء الرجال عند زواجهم ألا يتزوجوا مَنْ لا خُلق لها. وفي نصحهم هذا رسالة لكل امرأة بأن تتجنب الصفات التي حذّروا الرجال منها. قال أحدهم: لا تنكحوا من النساء ستة: لا أنَّانة، ولا منَّانة، ولا حنَّانة، ولا تنكحوا حدَّاقة، ولا برَّاقة، ولا شدَّاقة.
فأما الأنانة: فهي التي تكثر الأنين والشكوى، فهي متمارضة دومًا، ولا خير في نكاحها.
والمنَّانة: التي تمنُّ على زوجها بما تفعل، تقول: فعلتُ لأجلك كذا وكذا.
والحنَّانة: التي تحنُّ إلى رجل آخر غير زوجها، أو لقريب من قرابتها أو لأهلها، حنينًا يفسد استقرار الحياة الزوجية ويعكر هدوءها.
والحدَّاقة: التي تشتهي كل ما تقع عليه عينها، فترهق زوجها وتكلفه ما لا يُطيق.
والبرَّاقة: التي تنفق أغلب وقتها في زينتها، فهي تتكلف الجمال.
والشدَّاقة: الكثيرة الكلام فيما لا يعنيها، وما لا فائدة فيه.
ومن مزايا ذات الدين والخلق الحسن أنها محل ثقة تحرص على زوجها، فتحفظ عرضه وماله، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة من السعادة وثلاثة من الشقاء، فمن السعادة: المرأة الصالحة تراها تعجبك، وتغيب عنها فتأمنها على نفسك ومالك، والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق. ومن الشقاء: المرأة تراها فتسوؤك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك....) [الحاكم].
فعلى كل مسلمة أن تحسن أخلاقها وسلوكها، فتسرع إلى التخلص من كل خلق سيئ، وأن تحرص على التحلي بكل خلق كريم، لتعلو مكانتها، وتسمو قيمتها عند من يتزوجها. وإن حسن خلق المرأة في حياتها مع زوجها وأهله مكسب كبير لكل زوج، وهدية ثمينة تقدمها له منذ أول لحظة في حياتهما الزوجية.
3- الجمال: للجمال تأثير في كل نفس بشرية، فحب الجمال أمر فطر الله الناس عليه. ولا تكمن حقيقة الجمال في حلاوة الشكل أو أناقة الهندام فحسب، بل إنَّ الجمال قيمة كلية، تحتوي جمال الروح، وحسن الخلق، ورجاحة العقل، وليونة السلوك، وسعة الصدر، وغير ذلك من السلوكيات والأخلاق.
ولذا فإن الرجل الذي يرغب في الزواج من امرأة لا لشيء إلا لما يراه من جمالها الظاهري، دون الاهتمام بالأسس والمعايير الدينية والأخلاقية، فهو مخطئ، كما أن الفتاة التي ترى أن جمالها الشكلي هو الذي سيجلب لها السعادة الزوجية، فهي مخطئة أيضًا، ولا شك أن النفوس تميل إلى الجمال الشكلي، وهذا يلبي حاجاتها الشهوانية، ولكن التوازن بين الحرص على جمال الشكل، والعناية بجمال الجوهر، أمر هام إلى حد بعيد في بناء أسرة سعيدة، ودوام الحياة الزوجية بنجاح.
ولذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الراغب في الزواج إلى النظر إلى وجه المرأة وكَفَّيْها، فإن الوجه مجمع الحسن وموطن القبول الأول، كما أن النظر إلى الكفين ينبئ عن امتلاء البدن أو نحافته، فقد خطب المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئًا (يعني أنها ضيقة) [ فقال شعبة: قد نظرتُ إليها. [مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها، إذا كان إنما ينظر إليها لخطبتها، وإن كانت لا تعلم) _[أحمد، والبزار، والطبراني].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها، فليفعل) _[أبو داود]. وذلك لأن النفس إذا نظرتْ فاطمأنَّتْ، وقعتْ الألفة، وهذا أدعى إلى دوام المحبة.
وقال صلى الله عليه وسلم: (ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيرًا له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرَّتْه، وإن أقسم عليها أَبرَّتْهُ، وإن غاب عنها نصحتْه في نفسها وماله) _[ابن ماجه].
ولأن التوازن بين حسن الظاهر والباطن أمر هام، والله عز وجل ما خلق امرأة إلا ولها في الجمال نصيب يراه البعض ويقنع به، كما أنه سبحانه لم يخلق الرجال على درجة واحدة من الحسن. ولتتذكر المسلمة دائمًا أن جمالها قد يكون في حسن الوجه، وتناسق الأعضاء، وعذوبة الصوت، ورشاقة الحركة. وقد يكون جمالها في عقلها الراجح، وفكرها الثاقب، وثقافتها الرفيعة، وقدرتها على جمال التعبير، وضبط غرائزها. وقد يكون جمالها في جمال روحها، وبساطتها واتساع صدرها، وحلمها. وقد يكون في كونها ربة بيت ناجحة، تسعد زوجها وأولادها، وتقوم بحاجتهم بحذق ومهارة.
4- البكارة: والبكر صافية المودة والحب، تفرح بزوجها، وهي أكثر إيناسًا له، وأرق معاملة معه، فإنه لما تزوج جابر بن عبدالله - رضي الله عنه- امرأة ثيبًا قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك) [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا : (عليكم بالأبكار، فإنهن أَعْذَبُ أفواهًا، وأَنْتَقُ أرحامًا، وأَرضى باليسير). [ابن ماجه].
والإسلام لم يفضل الزوجة البكر على الثيب تفضيلاً مطلقًا، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم -أول ما تزوج- السيدة خديجة -رضي الله عنها- وكانت ثيبًا، قد تزوجت قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وعدَّها خير نسائه، كما كانت نساء النبي صلى الله عليه وسلم كلهن ثيبات إلا السيدة عائشة -رضي الله
عنها- فكانت بكرًا.
وقال الله تعالى مخاطبًا أمهات المؤمنين: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خير منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارًا} [التحريم: 5]. فقد تكون المرأة الصالحة ثيبًا، بل إن هناك حالات يفضَّل فيها الزواج بامرأة ثيب، حتى تقوم بتربية أبناء الأرمل، أو إذا كان الزوج كبيرًا، يحتاج إلى من يناسبه في السن والتجربة.
5- القدرة على الإنجاب: فالإنجاب هدف من أهداف الزواج في الإسلام، والأبناء زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير أملا} [الكهف: 46]. وقال تعالى أيضًا: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متابع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب} [آل عمران: 14].
وقال صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)_[أحمد، وابن حبان].
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أصبتُ امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوَّجها؟ قال: (لا). ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) [أبو داود، وابن حبان].
وهذا لا يعني أن الإسلام يأمر بعدم الزواج من المرأة العاقر مطلقًا، إنما يعني التفضيل بينهما، فيقدم الولود على العاقر، ولعل ذلك من حرص الإسلام على أن تكون الحياة الزوجية أكثر استقرارًا، ذلك لأن الزوجين عادة ما يتطلعان إلى الولد، ويحبان أن يرزقا من الأبناء ما تقر به أعينهما، وتهدأ به رغبتهما في إشباع شعور الأبوة والأمومة. ولعل ذلك يدعو من يتزوج امرأة لا تلد إلى المقارنة بينها وبين من تلد فيظلمها.
وليس معنى هذا أن تبقى المرأة التي لا تلد بدون زواج؛ بل لهن حقهن في الزواج على قدم المساواة مع من تلدن، شريطة أن تراعى عاقبة الأمر، كما يجب أن يراعى فيها الزوج دينها وحسن خلقها، فرُب امرأة ولود ليست ذات دين، فلا حاجة إلى المسلم بها، ورب امرأة لا تلد، ولكنها متمسكة بالدين، حسنة الخلق، فهي خير من مِلء الأرض من الأولى.
ونلفت النظر هنا إلى أن العقم وعدم القدرة على الإنجاب إنما هو حالة قد تصيب الرجل كما تصيب المرأة، ومن هنا يقال في حق الرجل ما يقال في حق المرأة من أنه يحسن أن تختار المرأة الرجل القادر على الإنجاب، مع مراعاة دينه وخلقه.
ومما يجب أن يقال أيضًا في هذا الأمر أن حالة العقم التي تصيب الرجل أو المرأة إنما هي من قدر الله ورزقه، والله سبحانه قد خلق الناس على اختلاف فيما بينهم. قال تعالى: {لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا إنه عليم قدير} [الشورى: 49-50].
ولذا وجب ألا يكون هذا سببًا لأن يظلم الرجل امرأته، أو أن يؤذيها بكلمة نابية، أو أن يسيء إليها العشرة، بل لها حقها بالمعروف، وكذلك على المرأة ألا تؤذي زوجها إن كان عقيمًا، أو تجرح شعوره بسبب ذلك، وقد يشاء
الله -تعالى- أن تحمل المرأة بعد حين من الزواج، وتنجب، فهذا نبي الله إبراهيم -عليه السلام- تزوج عاقرًا، لم تلد حتى صارت عجوزًا، فَمَنَّ الله عليه ورزقه منها الولد، فقالت زوجته في دهشة {يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخًا إن هذا لشيء عجيب} [هود: 72].
وهذا زكريا -عليه السلام- حكى الله تعالى قصته في القرآن، فقال: {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيي لم نجعل له من قبل سميًا. قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرًا وقد بلغت من الكبر عتيًا. قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئًا} [مريم: 7-9].
والشواهد في حياتنا اليومية كثيرة على ذلك، فنجد أزواجًا رزقهم الله الذرية بعد أعوامٍ كثيرة قد تصل إلى عشر سنين أو عشرين سنة. فالله خلقنا وهو أعلم بما يصلحنا لا نملك أمام مشيئته إلا الرضا والتسليم.