[size=24]
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومضل من خالف أمره وعصاه، مجيب دعوة الداعي إذا دعاه وهادي من توجه إليه واستهداه، ومحقق رجاء من صدق في معاملته ورجاه، من أقبل إليه صادقاً تلقاه، ومن ترك لأجله أعطاه فوق ما يتمناه، ومن توكل عليه كفاه، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
أخوانى
اتقوا الله تعالى فقد فاز من أطاعه واتقاه، وخسر وخاب من كفر به وعصاه، واغتنموا العمل الصالح فمن عمل صالحاً فسيراه، ومن غفل أو لهى وفرط فسيندم حين لا ينفعه الندم وتدوم حسراته وشقاه.
أخوانى
الصيام لله تعالى عبادة عظيمة، لا يعلم أحد جزاء ثوابه إلا الله عز وجل، لقوله: «الصَّوْمَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ».
فصوم شهر رمضان أحد أركان الإسلام الخمسة شرعه الله على العباد رحمة وإحسانا وجنة وفرض على عباده صيام شهر رمضان وأكد وجوبه لعلهم يتقون وتنقمع ثورة الشهوة في نفوسهم ويدركون معه فوائد الصوم القلبية والاجتماعية والصحية قال عز وجل: -(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)
ومن رحمة الله عز وجل ولطفه وتيسيره على المسلمين أن سهل عليهم صوم شهرهم بعدة أشياء منها:
أنه تعالى أخبرهم أن هذا الصوم الذي فرض عليهم ليس لأول مرة في التشريع فقال سبحانه: -(كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) فسبحان الله الملك الحق، فالإنسان إذا عرف أنه إنما كلف بشيء سبق وتقدم وفرض على الأمم السابقة هان عليه الأمر وتشجع عليه، بل واجتهد ليكون أحسن في الأداء من غيره.
ومنها: أنه تعالى خفف عدة الشهر وثُقْلها عليهم بقوله تعالى: -(أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فهي تصام متتابعة وتنقضي سريعة، فنسبة هذا الشهر الذي لا يصام إلا نهاره إلى العام الكامل نسبة يسيرة وسهلة على من وفقه الله تعالى.
ومنها: أنه تعالى رخص للشيخ الكبير الهرم والمرأة الكبيرة الهرمة أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مسكيناً إذا كانا يجدانه لقول ابن عباس رضي الله عنهما: في قوله تعالى: -(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)-إنها ليست بمنسوخة هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم ويلحق بهذا المعنى المريض الذي لا يُرجى برؤه، كما يلحق به أيضا الحامل والمرضع إن خافتا على نفسيهما أفطرتا وقضتا، وإن خافتا على ولديهما قضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينا، والإطعام في هذه الحالة على من تلزمه نفقة الولد.
ومنها: أنه تعالى جعل صيام الشهر موسماً عظيماً لجميع المسلمين، للعبادة والذكر والتلاوة والمغفرة ومضاعفة الأجور، يلتقي على صعيده كل المسلمين في جميع الأقطار ومن جميع الأجناس الفقير والغني الجاهل والعالم، ففي كل بلد وفي كل قرية وبادية، وفي كل قصر وبيت صيام شهر رمضان، فلا افتيات في الرأي ولا فوضى في الاختيار، وإنما الكل يصومون شهراً واحدا هو شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن.
ومنها: أنه تعالى أحل للمسلمين بعد غروب الشمس مباشرة النساء والأكل والشرب، سواءً نام العبد أو لم ينم، وكان في أول فرض الصوم يحرم عليهم الأكل والشرب والجماع بعد النوم، فحصلت المشقة لبعضهم فخفف الله عنهم ذلك، وأباح لهم في ليالي الصوم كلها الأكل والشرب ومباشرة النساء، فقال عز وجل: -(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)- كل ذلك وغيره مما خفف الله تعالى على به المؤمنين فهنيئاً لهم على صيام شهرهم وهنيئاً لهم على تيسير ربهم قال تعالى: -(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)-
والصوم هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع وتوابع ذلك بنية العبادة لله، خالصة لله عز وجل إيماناً واحتسابا، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وتمامه وكماله باجتناب المحظورات وعدم الوقوع في المحرمات، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».
وكان فرض الصوم في السنة الثانية من الهجرة، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسعة أشهر من رمضان.
ويجب صوم رمضان بأحد أمرين إما برؤية الهلال لقوله تعالى: -(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)- [ وإما بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما».
ولا عبرة لمنازل القمر مرتفعة أو منخفضة، ولا لكِبر الأهلة وصغرها في دخول الشهر أو خروجه، فالمغارب تختلف باختلاف المطالع وسير الكواكب في الفلك، ولم يرد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بمنازل القمر وكبر الأهلة أو احتاط بها في وجوب الصوم أو الفطر، وإنما الذي صح عنه فعلاً وأمرا قوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكلموا عدة شعبان ثلاثين يوما».
وينبغي للعبد أن يتلقى هذا الشهر الشريف بالحمد والشكر والثناء على الله، وبالقبول والفرح والعزم الصادق والنية الخالصة والمحبة والاهتمام لأداء حقوق الصوم، فيعمر نهاره بالصيام وتلاوة القرآن وليله بالقيام والدعاء والتضرع، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان فيقول: «قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ».
اللهم بلغنا شهر رمضان، اللهم بلغنا شهر رمضان، اللهم بلغنا شهر رمضان، وأعنا فيه على الصيام والقيام، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه توبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
اخوانى
اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا أن طاعته أقوم وأقوى، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واحذروا أسباب سخط الجبار فإن أجسامكم على النار لا تقوى، واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، ثم اعلموا أنكم غداً بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم مجزيون، وعن أفعالكم محاسبون، وعلى تفريطكم وإهمالكم نادمون، -( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
عباد الله:
-(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين واحمِ حوزة الدين.
اللهم انصر دينك وانصر من نصر دينك واجعلنا من أنصار دينك يا رب العالمين.
اللهم وآمنا في دورنا وأوطاننا وأصلح ووفق ولاة أمورنا.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر لنا، ولآبائنا ولأمهاتنا، ولأولادنا ولأزواجنا، ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
-(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ*وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)-size]