السلام عليكم ورحمة الله
هذا شرح حديث " إنما الأعمال بالنيات ...... "
روى أمير المؤمنين سيدنا عمر بن
الخطاب رضي الله عنه قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
وصحبه وسلم يقول : " إنما الأعمال بالنيات
وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إاى الله ورسوله
فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة
يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه " . رواه الشيخان
هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الإسلام ، وقد تواتر النقل
عن الأئمة في تعظيم قدره ؛ قال الإمام أحمد
بن حنبل ( رحمه الله ) : ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وآله
وصحبه وسلم شئ أجمع وأغنى وأكثر فائدة
من
هذا الحديث ، واتفق قوله مع جماعة من أعلام هذه الأمة على أنه ثلث الإسلام ، وأنه
يدخل في أبواب كثيرة
من العلم ، وقد بين
الحافظ البيهقي (رحمه الله ) ذلك بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه وأنَّ
النية وهي
عمل القلب أحد أقسام العمل
الثلاثة وأرجحها ، لأنها تكون عبادة مستقلة ، وغيره يحتاج إليها ، ولا قوام له إلا
بها ـ أي لا غنى عنها ـ .
هذا وقد رُويَّ عن الإمام أحمد بن حنبل
( رحمه الله ) : أن أصول الإسلام ثلاثة أحاديث :
حديث " إنما الأعمال بالنيات ...... "
وحديث " من أحدث في أمرنا ما ليس منه ، فهو ردّ ... "
وحديث " الحلال بيّن والحرام بين
وبينهما مشتبهات ، فاتقوا الشبهات .."
وقد بين وجه هذا القول العلاّمة بن رجب الحنبلي في كتابه القيم "
جامع العلوم والحكم " شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم .
إذ قال إنَّ الدين كله
يرجع إلى فعل المأمورات وترك المنهيات والتوقف عند الشبهات .
وهذا كله تضمنه حديث النعمان بن بشير
وإنما يتم ذلك بأمرين أحدهما : أنْ يكون العمل في ظاهره على موافقة
السنة : وهذا الذي يتضمنه حديث السيدة عائشة
رضي الله عنها ) من أحدث في أمرنا ما ليس منه ، فهو رد
والثاني أن يكون العمل في باطنه يُقصد به وجه الله عزوجل كما تضمنه
هذا الحديث " إنما الأعمال بالنيات
......"
أما الشرح التفصيلي للحديث ،
فسوف نأخذ جملة واحدة اليوم ثم نستأنف باقي الشرح ...
اشتمل هذا الحديث على ثلاث جمل رئيسية كل جملة منها قاعدة من قواعد
الدين :
فأما الجملة الأولى وهي قوله
صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات " فقد كثر الكلام
حوله واختلف تقدير الناس فيها تبعاً لذلك
ولكن الأنسب لسياق الحديث أن يكون معناها أنَّ الأعمال ترتبط بالنيات
ارباطاً وثيقاً ، فلا تصلح إلا بصلاحها ولا
تسموا إلا بسموها ولا تُقبل إلا بها ، وإذا فسدت النيات فسدت الأعمال ،
وهكذا " وذلك إذا كان العمل قابل للصلاح والقبول بأن يكون عبادة أو عادة ،
بخلاف المعصية فلا تصلها
النية
الطيبة ، كمن سرق ليتصدق .
فالمسلم الذي يتصدق من كسبٍ طيب ابتغاء
مرضاة الله ، له أجره عند ربه وعمله مشكور مأجور مبرور ، لأن
نيته طيبة وعمله طيب .
وأما من يتصدق رياءً وافتخارا أو لقصد
منفعة دنيوية وغاية مادية فعمله مردود عليه وهو مأزور غير مأجور
لفساد نيته .
ثم إن العمل قد يكون خالصاً لله وحده ولكن النيات التي تصحبه مختلفة
والإخلاص درجات بحسب ما في القلوب
من
إيمان ويقين ومعرفة وحب وخشية . وسوف نتواصل مع باقي الشرح بإذن الله تعالى وتوفيقه
.