منتدى المشتاقون للجنة الشيخ صلاح حافظ الوادى الجديد
منتدى المشتاقون للجنة الشيخ صلاح حافظ الوادى الجديد
منتدى المشتاقون للجنة الشيخ صلاح حافظ الوادى الجديد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المشتاقون للجنة الشيخ صلاح حافظ الوادى الجديد

منتدى المشتاقون للجنة الشيخ صلاح حافظ
 
الرئيسيةقصة موسى وهارون عليهما السلام: Emptyأحدث الصورالتسجيلدخول
المواضيع الأخيرة
» معلومة مفيدة ألقاب الصحابة رضوان الله عليهم
قصة موسى وهارون عليهما السلام: Emptyالثلاثاء نوفمبر 05 2019, 03:22 من طرف سامية سيد

» احكام صدقة الفطر
قصة موسى وهارون عليهما السلام: Emptyالسبت مايو 18 2019, 07:06 من طرف صلاح شعبان

» *احـذر لصـوص الأجر في رمضـان*
قصة موسى وهارون عليهما السلام: Emptyالأربعاء مايو 01 2019, 22:43 من طرف سامية سيد

» البدعه فى تخصصيص رجب بصيام
قصة موسى وهارون عليهما السلام: Emptyالجمعة مارس 08 2019, 13:58 من طرف صلاح شعبان

» البدع عن شهر رجب
قصة موسى وهارون عليهما السلام: Emptyالجمعة مارس 08 2019, 13:56 من طرف صلاح شعبان

» اسعار اجهزة حضور وانصراف بالبصمة 2019
قصة موسى وهارون عليهما السلام: Emptyالخميس فبراير 14 2019, 15:56 من طرف شركة الساجدون

» سنترالات باناسونيك 2019 بالاسكندرية
قصة موسى وهارون عليهما السلام: Emptyالخميس فبراير 14 2019, 15:35 من طرف شركة الساجدون

» ذاك _جوابها
قصة موسى وهارون عليهما السلام: Emptyالجمعة فبراير 01 2019, 05:45 من طرف سامية سيد

»  قربك لربنا هو بداية الحكاية
قصة موسى وهارون عليهما السلام: Emptyالجمعة فبراير 01 2019, 05:20 من طرف سامية سيد


 

 قصة موسى وهارون عليهما السلام:

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
رجاء
0000
0000
رجاء


انثى عدد المساهمات : 168
نقاط : 314
تاريخ التسجيل : 14/12/2010

قصة موسى وهارون عليهما السلام: Empty
مُساهمةموضوع: قصة موسى وهارون عليهما السلام:   قصة موسى وهارون عليهما السلام: Emptyالإثنين يناير 24 2011, 04:16

قصة موسى وهارون عليهما السلام:
قد ذكر الله لموسى بن عمران ومعه أخوه هارون عليهما السلام سيرة طويلة ، وساق قصصه في مواضع من كتابه بأساليب متنوعة واختصار أو بسط يليق بذلك المقام ، وليس في قصص القرآن أعظم من قصة موسى ؛ لأنه عالج فرعون وجنوده ، وعالج بني إسرائيل أشد المعالجة ، وهو أعظم أنبياء بني إسرائيل ، وشريعته وكتابه التوراة هو مرجع أنبياء بني إسرائيل وعلمائهم وأتباعه أكثر أتباع الأنبياء غير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وله من القوة العظيمة في إقامة دين الله والدعوة إليه والغيرة العظيمة ما ليس لغيره ، وقد ولد في وقت قد اشتد فيه فرعون على بني إسرائيل : فكان يذبح كل مولود ذكر يولد من بني إسرائيل ، ويستحيي النساء للخدمة والامتهان ، فلما ولدته أمه خافت عليه خوفا شديدا ؛ فإن فرعون جعل على بني إسرائيل من يرقب نساءهم ومواليدهم ، وكان بيتها على ضفة نهر النيل فألهمها الله أن وضعت له تابوتا إذا خافت أحدا ألقته في اليم ، وربطته بحبل لئلا تجري به جرية الماء ، ومن لطف الله بها أنه أوحى لها أن لا تخافي ولا تحزني ، إنا رادوه إليك ، وجاعلوه من المرسلين .
فلما ألقته ذات يوم انفلت رباط التابوت ، فذهب الماء بالتابوت الذي في وسطه موسى ، ومن قدر الله أن وقع في يد آل فرعون ، وجيء به إلى امرأة فرعون آسية ، فلما رأته أحبته حبا شديدا ، وكان الله قد ألقى عليه المحبة في القلوب ، وشاع الخبر ووصل إلى فرعون ، فطلبه ليقتله ، فقالت امرأته : لا تقتلوه . . قرة عين لي ولك ، عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ، فنجا بهذا السبب من قتلهم ، وكان هذا الأثر الطيب والمقدمة الصالحة من السعي المشكور عند الله ، فكان هذا من أسباب هدايتها وإيمانها بموسى بعد ذلك .
أما أم موسى فإنها فزعت ، وأصبح فؤادها فارغا ، وكاد الصبر أن يغلب فيها ، إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين ، وقالت لأخته : قصيه وتحسسي عنه ، وكانت امرأة فرعون قد عرضت عليه المراضع فلم يقبل ثدي امرأة ، وعطش وجعل يتلوى من الجوع ، وأخرجوه إلى الطريق ؛ لعل الله أن ييسر له أحدا ، فحانت من أخته نظرة إليه ، وبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون بشأنها ، فلما أقبلت عليه وفهمت منهم أنهم يطلبون له مرضعا قالت لهم : هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ، فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ، ثم ذكر الله في هذه السورة قصة مفصلة واضحة ، وكيف تنقلت به الأحوال ، قراءتها كافية عن شرح معناها لوضوحها وتفصيلاتها ، والله تعالى ما فصل لنا إلا ما ننتفع به ونعتبر ، ولكن في قصته من العبر والفوائد شيء كثير ننبه على بعضها .

* ذكر الفوائد المستنبطة نصا أو ظاهرا أو تعميما أو تعليلا من قصة موسى صلى الله عليه وسلم :
منها : لطف الله بأم موسى بذلك الإلهام الذي به سلم ابنها ، ثم تلك البشارة من الله لها برده إليها ، التي لولاها لقضى عليها الحزن على ولدها ، ثم رده إليها بإلجائه إليها قدرا بتحريم المراضع عليه ، وبذلك وغيره يعلم أن ألطاف الله على أوليائه لا تتصورها العقول ، ولا تعبر عنها العبارات ، وتأمل موقع هذه البشارة ، وأنه أتاها ابنها ترضعه جهرا ، وتأخذ عليه أجرا ، وتسمى أمه شرعا وقدرا ، وبذلك اطمأن قلبها ، وازداد إيمانها ، وفي هذا مصداق لقوله تعالى : { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم } [البقرة : 216] .
فلا أكره لأم موسى من وقوع ابنها بيد آل فرعون ، ومع ذلك ظهرت عواقبه الحميدة ، وآثاره الطيبة .
ومنها : أن آيات الله وعبره في الأمم السابقة إنما يستفيد منها ، ويستنير بها المؤمنون ، والله يسوق القصص لأجلهم ، كما قال تعالى في هذه القصة : { نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون } [القصص : 3] .
ومنها : أن الله إذا أراد شيئا هيأ أسبابه ، وأتى به شيئا فشيئا بالتدريج لا دفعة واحدة .
ومنها : أن الأمة المستضعفة ، ولو بلغت في الضعف ما بلغت ، لا ينبغي أن يستولي عليها الكسل عن السعي في حقوقها ، ولا اليأس من الارتقاء إلى أعلى الأمور ، خصوصا إذا كانوا مظلومين ، كما استنقذ الله بني إسرائيل على ضعفها واستبعادها لفرعون وملئه منهم ، ومكنهم في الأرض ، وملكهم بلادهم .
ومنها : أن الأمة ما دامت ذليلة مقهورة لا تطالب بحقها لا يقوم لها أمر دينها كما لا يقوم لها أمر دنياها .
ومنها : أن الخوف الطبيعي من الخلق لا ينافي الإيمان ولا يزيله ، كما جرى لأم موسى ولموسى من تلك المخاوف .
ومنها : أن الإيمان يزيد وينقص لقوله :{ لتكون من المؤمنين } [القصص : 10] .
والمراد بالإيمان هنا زيادته وزيادة طمأنينته .
ومنها : أن من أعظم نعم الله على العبد تثبيت الله له عند المقلقات والمخاوف ، فإنه كما يزداد به إيمانه وثوابه فإنه يتمكن من القول الصواب والفعل الصواب ، ويبقى رأيه وأفكاره ثابتة ، وأما من لم يحصل له هذا الثبات ، فإنه لقلقه وروعه يضيع فكره ، ويذهل عقله ، ولا ينتفع بنفسه في تلك الحال .
ومنها : أن العبد وإن عرف أن القضاء والقدر حق ، وأن وعد الله نافذ لا بد منه ، فإنه لا يهمل فعل الأسباب التي تنفع ، فإن الأسباب والسعي فيها من قدر الله ، فإن الله قد وعد أم موسى أن يرده عليها ، ومع ذلك لما التقطه آل فرعون سعت بالأسباب ، وأرسلت أخته لتقصه ، وتعمل الأسباب المناسبة لتلك الحال .
ومنها : جواز خروج المرأة في حوائجها وتكليمها للرجال إذا انتفى المحذور ، كما صنعت أخت موسى وابنتا صاحب مدين .
ومنها : جواز أخذ الأجرة على الكفالة والرضاع ، كما فعلت أم موسى ، فإن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد من شرعنا ما ينسخه .
ومنها : أن قتل الكافر الذي له عهد بعقد أو عرف لا يجوز ، فإن موسى ندم على قتله القبطي ، واستغفر الله منه وتاب إليه .
ومنها : أن الذي يقتل النفوس بغير حق يعد من الجبارين المفسدين في الأرض ، ولو كان غرضه من ذلك الإرهاب ، ولو زعم أنه مصلح حتى يرد الشرع بما يبيح قتل النفس .
ومنها : أن إخبار الغير بما قيل فيه وعنه على وجه التحذير له من شر يقع به لا يكون نميمة ، بل قد يكون واجبا ، كما ساق الله خبر ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى محذرا لموسى على وجه الثناء عليه .
ومنها : إذا خاف التلف بالقتل بغير حق في إقامته في موضع ، فلا يلقي بيده إلى التهلكة ويستسلم للهلاك ، بل يفر من ذلك الموضع مع القدرة كما فعل موسى .
ومنها : إذا كان لا بد من ارتكاب إحدى مفسدتين تعين ارتكاب الأخف منهما ، الأسلم دفعا لما هو أعظم وأخطر ، فإن موسى لما دار الأمر بين بقائه في مصر ولكنه يقتل ، أو ذهابه إلى بعض البلدان البعيدة التي لا يعرف الطريق إليها ، وليس معه دليل يدله غير هداية ربه ، ومعلوم أنها أرجى للسلامة ، لا جرم آثرها موسى .
ومنها : فيه تنبيه لطيف على أن الناظر في العلم عند الحاجة إلى العمل أو التكلم به ، إذا لم يترجح عنده أحد القولين ، فإنه يستهدي ربه ، ويسأله أن يهديه إلى الصواب من القولين بعد أن يقصد الحق بقلبه ويبحث عنه ، فإن الله لا يخيب من هذه حاله ، كما جرى لموسى لما قصد تلقاء مدين ولا يدري الطريق المعين إليها قال :{ عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } [القصص : 22] .
وقد هداه الله وأعطاه ما رجاه وتمناه .
ومنها : أن الرحمة والإحسان على الخلق ، من عرفه العبد ومن لا يعرفه ، من أخلاق الأنبياء ، وأن من جملة الإحسان الإعانة على سقي الماشية ، وخصوصا إعانة العاجز ، كما فعل موسى مع ابنتي صاحب مدين حين سقى لهما لما رآهما عاجزتين عن سقي ماشيتهما قبل صدور الرعاة .
ومنها : أن الله كما يحب من الداعي أن يتوسل إليه بأسمائه وصفاته ، ونعمه العامة والخاصة ، فإنه يحب منه أن يتوسل إليه بضعفه وعجزه وفقره ، وعدم قدرته على تحصيل مصالحه ، ودفع الأضرار عن نفسه كما قال موسى : { رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } [القصص : 24] .
لما في ذلك من إظهار التضرع والمسكنة ، والافتقار لله الذي هو حقيقة كل عبد .
ومنها : أن الحياء والمكافأة على الإحسان لم يزل دأب الأمم الصالحين .
ومنها : أن العبد إذا عمل العمل لله خالصا ، ثم حصل به مكافأة عليه بغير قصده فإنه لا يلام على ذلك ، ولا يخل بإخلاصه وأجره ، كما قبل موسى مكافأة صاحب مدين عن معروفه الذي لم يطلبه ، ولم يستشرف له على معاوضة .
ومنها : جواز الإجارة على كل عمل معلوم في نفع معلوم أو زمن مسمى ، وأن مرد ذلك إلى العرف ، وأنه تجوز الإجارة وتكون المنفعة البضع ، كما قال صاحب مدين : { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين } [القصص : 27] .
وأنه يجوز للإنسان أن يخطب الرجل لابنته ، ونحوها ممن هو ولي عليها ولا نقص في ذلك ، بل قد يكون نفعا وكمالا ، كما فعل صاحب مدين مع موسى .
ومنها قوله : { إن خير من استأجرت القوي الأمين } [القصص : 26] .
هذان الوصفان بهما تمام الأعمال كلها ، فكل عمل من الولايات أو من الخدمات أو من الصناعات ، أو من الأعمال التي القصد منها الحفظ والمراقبة على العمال والأعمال إذا جمع الإنسان الوصفين ، أن يكون قويا على ذلك العمل بحسب أحوال الأعمال ، وأن يكون مؤتمنا عليه ، تم ذلك العمل وحصل مقصوده وثمرته ، والخلل والنقص سببه الإخلال بهما أو بأحدهما .
ومنها : من أعظم مكارم الأخلاق تحسين الخلق مع كل من يتصل بك من خادم وأجير وزوجة وولد ومعامل وغيرهم ، ومن ذلك تخفيف العمل عن العامل لقوله : { وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين }[القصص : 27] .
وفيه أنه لا بأس أن يرغب المعامل في معاملته بالمعاوضات والإجارات بأن يصف نفسه بحسن المعاملة بشرط أن يكون صادقا في ذلك .
ومنها : جواز عقد المعاملات من إجارة وغيرها بغير إشهاد لقوله :{ والله على ما نقول وكيل } [القصص : 28] .
وتقدم أن الإشهاد تنحفظ به الحقوق ، وتقل المنازعات ، والناس في هذا الموضع درجات متفاوتة وكذلك الحقوق .
ومنها : الآيات البينات التي أيد الله بها موسى من انقلاب عصاه التي كان يعرفها :
{ حية تسعى }[طه : 20] .
ثم عودها سيرتها الأولى ، وأن يده إذا أدخلها في جيبه ثم أخرجها صارت بيضاء من غير سوء للناظرين ، ومن رحمة الله وحمايته لموسى وهارون من فرعون وملئه ، ومن انفلاق البحر لما ضربه موسى بعصاه فصار اثني عشر طريقا ، وسلكه هؤلاء فنجوا ، وقوم فرعون فهلكوا ، وغير ذلك من الآيات المتتابعات التي هي براهين وآيات لمن رآها وشاهدها ، وبراهين لمن سمعها ، فإنها نقلتها معظم مصادر اليقين الكتب السماوية ، ونقلتها القرون كلها ، ولم ينكر مثل هذه الآيات إلا جاهل مكابر زنديق ، وجميع آيات الأنبياء بهذه المثابة .
ومنها : أن آيات الأنبياء ، وكرامات الأولياء ، وما يخرقه الله من الآيات ، ومن تغيير الأسباب ، أو منع سببيتها ، أو احتياجها إلى أسباب أخر ، أو وجود موانع تعوقها هي من البراهين العظيمة على وحدانية الله ، وأنه على كل شيء قدير ، وأن أقدار الله لا يخرج عنها حادث جليل ولا حقير ، وأن هذه المعجزات والكرامات والتغييرات لا تنافي ما جعل الله في هذه المخلوقات من الأسباب المحسوسة والنظامات المعهودة ، وإنك لا تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا ; فإن سنن الله في جميع الحوادث السابقة واللاحقة قسمان :
أحدهما : وهو جمهور الحوادث والكائنات والأحكام الشرعية والقدرية وأحكام الجزاء : لا تتغير ولا تتبدل عما يعهده الناس ويعرفون أسبابه ، وهذا القسم أيضا مندرج في قدرة الله وقضائه ، ويستفاد من هذا العلم بكمال حكمة الله في خلقه وشرعه ، وأن الأسباب والمسببات من سلك طرقها على وجه كامل أفضت به إلى نتائجها وثمراتها ، ومن لم يسلكها أو سلكها على وجه ناقص يحصل له الثمرات التي رتبت على الأعمال شرعا ولا قدرا ، وهذه توجب للعبد أن يجد ويجتهد في الأسباب الدينية والدنيوية النافعة مع استعانته بالله ، والثناء على ربه في تيسيرها وتيسير أسبابها وآلاتها ، وكل ما تتوقف عليه .
والقسم الثاني : حوادث معجزات الأنبياء التي تواترت تواترا لا يتواتر مثله في جميع الأخبار ، وتناقلتها القرون كلها ، وكذلك ما يكرم الله به عباده من إجابة الدعوات ، وتفريج الكربات ، وحصول المطالب المتنوعة ، ودفع المكاره التي لا قدرة للعبد على دفعها ، والفتوحات الربانية ، والإلهامات الإلهية ، والأنوار التي يقذفها الله في قلوب خواص خلقه ، فيحصل لهم بذلك من اليقين والطمأنينة والعلوم المتنوعة ما لا يدرك بمجرد الطلب وفعل السبب ، ومن نصره للرسل وأتباعهم ، وخذلانه لأعدائهم وهو مشاهد في كثير من الأوقات : فهذا القسم ليس عند الخلق اهتداء إلى أسباب هذه الحوادث ، ولا جعل لهم في الأصل وصول إلى حقيقتها وكنهها ، وإنما هي حوادث قدرها الرب العظيم الذي هو على كل شيء قدير بأسباب وحكم وسنن لا يعقلها الخلق ، ولا لحواسهم وتجاربهم وصول إليها بوجه من الوجوه ، وبها آمن الرسل من أولهم إلى آخرهم ، وأتباعهم الأولون منهم والآخرون ، وبها يعرف عظمة الباري ، وأن نواصي العباد بيده ، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، ويعرف بذلك صحة ما جاءت به الرسل ، كما يعرف أيضا بالقسم الأول ، وكما أنه لا سبيل إلى العباد في هذه الدار إلى إدراك كنه صفات اليوم الآخر ، وكنه ما في الجنة والنار ، وإنما يعلمون منها ما علمتهم به الرسل ، ونزلت به الكتب ، ولا سبيل إلى أهل هذا الكون الأرضي للوصول إلى العالم السماوي ، ولا سبيل لهم إلى إحياء الموتى وإيجاد الأرواح في الجمادات ، فكذلك هذا النوع العظيم من حوادث الكون ، وإنما أطلنا الكلام على هذه المسألة ، وإن كانت تستحق من البسط أكثر من هذا ؛ لأمرين :
* الأول : أن الزنادقة المتأخرين الذين أنكروا وجود الباري ، وأنكروا جميع ما أخبرت به الرسل والكتب السماوية من أمور الغيب ، ولم يثبتوا من العلوم إلا ما وصلت إليه حواسهم وتجاربهم القاصرة على بعض علوم الكون ، وأنكروا ما سوى ذلك ، وزعموا أن هذا العالم وهذا النظام الموجود فيه لا يمكن أن يغيره مغير ، أو يغير شيئا من أسبابه ، وأنه وجد صدفة من غير إيجاد موجد ، وأنه آلة تمشي بنفسها وطبيعتها ، ليس لها مدبر ولا رب ولا خالق ، وهؤلاء جميع أهل الأديان يعرفون مكابرتهم ومباهتتهم ؛ لأنهم كما عدموا الدين بالكلية فقد اختلت عقولهم الحقيقة ، إذ أنكروا أجلى الحقائق وأوضحها ، وأعظمها براهين وآيات ، وتاهوا بعقولهم القاصرة وآرائهم الفاسدة ، هؤلاء أمرهم معلوم ولكن .
* الأمر الثاني : أن بعض أهل العلم العصريين الذين يتظاهرون بنصر الإسلام ، والدخول مع هؤلاء الزنادقة في الجدال عنه يريدون باجتهادهم أو اغترارهم أن يطبقوا السنن الإلهية وأمور الآخرة على ما يعرفه العباد بحواسهم ، ويدركونه بتجاربهم ، فحرفوا لذلك المعجزات ، وأنكروا الآيات البينات ، ولم يستفيدوا إلا الضرر على أنفسهم ، وعلى من قرأ كتاباتهم في هذه المباحث ؛ إذ ضعف إيمانهم بالله بتحريفهم لمعجزات الأنبياء تحريفا يؤول إلى إنكارها ، وإنكارهم هذا النوع العظيم من قضاء الله وقدره ، وضعف إيمان من وقف على كلامهم ممن ليست له بصيرة ، ولا عنده من العلوم الدينية ما يبطل هذا النوع ، ولم يحصل ما زعموه من جلب الماديين إلى الهدى والدين ، بل زادوهم إغراء في مذاهبهم ، لما رأوا أمثال هؤلاء يحاولون إرجاع النصوص الدينية ، ومعجزات الأنبياء ، وأمور الغيب إلى علوم هؤلاء القاصرة على التجارب المدركات بالحواس ، فيا عظم المصيبة ، ويا شدة الجرم المزوق ، ولكن ضعف البصيرة والإعجاب بزنادقة الدهريين أوجب الخضوع لأقوالهم ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
ومنها : أن من أعظم العقوبات على العبد أن يكون إماما في الشر وداعيا إليه ، كما أن من أعظم نعم الله على العبد أن يجعله إماما في الخير هاديا مهديا ، قال تعالى في فرعون وملئه :
{ وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } [القصص : 41] .
وقال : { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا } [الأنبياء : 73] .
ومنها : ما في هذه القصة من الدلالة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إذ أخبر بهذه القصة وغيرها خبرا مفصلا مطابقا وتأصيلا موافقا ، قصه قصا صدق به المرسلين ، وأيد به الحق المبين ، وهو لم يحضر في شيء من تلك المواضع ، ولا درس شيئا عرف به أحوال هذه التفصيلات ، ولا جالس وأخذ عن أحد من أهل العلم ، إن هو إلا رسالة الرحمن الرحيم ، ووحي أنزله عليه الكريم المنان ينذر به العباد أجمعين ، ولهذا يقول في آخر هذه القصة :
{ وما كنت بجانب الطور } [القصص : 46] .
{ وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر } [القصص : 44] .
{ وما كنت ثاويا في أهل مدين } [القصص : 45] .
وهذا نوع من أنواع براهين رسالته .
ومنها : ذكر كثير من أهل العلم أنه يستفاد من قوله تعالى عن جواب موسى لربه لما سأله عن العصا فقال : { وما تلك بيمينك يا موسى }{ قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي } [طه : 17 - 18] .
استحباب استصحاب العصا لما فيه من هذه المنافع المعينة والمجملة في قوله : { مآرب أخرى } [طه : 18] .
وأنه يستفاد منها أيضا الرحمة بالبهائم ، والإحسان إليها ، والسعي في إزالة ضررها ، ومنها : أن قوله جل ذكره : { وأقم الصلاة لذكري } [طه : 14] أي أن ذكر العبد لربه هو الذي خلق له العبد ، وبه صلاحه وفلاحه ، وأن المقصود من إقامة الصلاة إقامة هذا المقصود الأعظم ، ولولا الصلاة التي تتكرر على المؤمنين في اليوم والليلة لتذكرهم بالله ، ويتعاهدون فيها قراءة القرآن ، والثناء على الله ، ودعائه والخضوع له الذي هو روح الذكر ، لولا هذه النعمة لكانوا من الغافلين .
وكما أن الذكر هو الذي خلق الخلق لأجله ، والعبادات كلها ذكر لله ، فكذلك الذكر يعين العبد على القيام بالطاعات وإن شقت ، ويهون عليه الوقوف بين يدي الجبابرة ، ويخفف عليه الدعوة إلى الله ، قال تعالى في هذه القصة : { كي نسبحك كثيرا }{ ونذكرك كثيرا } [طه : 33 و 34] .
وقال : { اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري }[طه : 42] .
ومنها : إحسان موسى صلى الله عليه وسلم على أخيه هارون ، إذ طلب من ربه أن يكون نبيا معه ، وطلب المعاونة على الخير والمساعدة عليه إذ قال : { واجعل لي وزيرا من أهلي }{ هارون أخي }{ اشدد به أزري }{ وأشركه في أمري } [طه : 29 - 32] .
ومنها : أن الفصاحة والبيان مما يعين على التعليم ، وعلى إقامة الدعوة ، لهذا طلب موسى من ربه أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله ، وأن اللثغة لا عيب فيها إذا حصل الفهم للكلام ، ومن كمال أدب موسى مع ربه أنه لم يسأل زوال اللثغة كلها ، بل سأل إزالة ما يحصل به المقصود .
ومنها : أن الذي ينبغي في مخاطبة الملوك والرؤساء ودعوتهم وموعظتهم : الرفق والكلام اللين الذي يحصل به الإفهام بلا تشويش ولا غلظة ، وهذا يحتاج إليه في كل مقام ، لكن هذا أهم المواضع ؛ وذلك لأنه الذي يحصل به الغرض المقصود ، وهو قوله :{ لعله يتذكر أو يخشى } [طه : 44] .
ومنها : أن من كان في طاعة الله ، مستعينا بالله ، واثقا بوعد الله ، راجيا ثواب الله ، فإن الله معه ، ومن كان الله معه فلا خوف عليه ، لقوله تعالى :{ قال لا تخافا } [ثم علله بقوله] { إنني معكما أسمع وأرى } [طه : 46] .
وقال تعالى : { إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } [التوبة : 40] .
ومنها : أن أسباب العذاب منحصرة في هذين الوصفين : { إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى }[طه : 48] .
أي : كذب خبر الله وخبر رسله ، وتولى عن طاعة الله وطاعة رسله ، ونظيرها قوله تعالى :
{ لا يصلاها إلا الأشقى }{ الذي كذب وتولى } [الليل : 15 و 16] .
ومنها : أن قوله تعالى : { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى } [طه : 82] .
استوعب الله بها الأسباب التي تدرك بها مغفرة الله .
* أحدها : التوبة ، وهو الرجوع عما يكرهه الله ظاهرا وباطنا إلى ما يحبه الله ظاهرا وباطنا ، وهي تجب ما قبلها من الذنوب صغارها وكبارها .
* الثاني : الإيمان ، وهو الإقرار والتصديق الجازم العام بكل ما أخبر الله به ورسوله ، الموجب لأعمال القلوب ، ثم تتبعها أعمال الجوارح ، ولا ريب أن ما في القلب من الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر الذي لا ريب فيه أصل الطاعات وأكبرها وأساسها ، ولا ريب أنه بحسب قوته يدفع السيئات ، يدفع ما لم يقع فيمنع صاحبه من وقوعه ، ويدفع ما وقع بالإتيان بما ينافيه وعدم إصرار القلب عليه ، فإن المؤمن ما في قلبه من الإيمان ونوره لا يجامع المعاصي .
* الثالث : العمل الصالح ، وهذا شامل لأعمال القلوب ، وأعمال الجوارح ، وأقوال اللسان ، والحسنات يذهبن السيئات .
* الرابع : الاستمرار على الإيمان والهداية والازدياد منها ، فمن كمل هذه الأسباب الأربعة فليبشر بمغفرة الله العامة الشاملة ؛ ولهذا أتى فيه بوصف المبالغة فقال : { وإني لغفار } ، ولنكتف من قصة موسى بهذه الفوائد ، مع أن فيها فوائد كثيرة للمتأملين .


يتبع
=====
ذكر قصّة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم:
وهو موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولا نَبِيّاً، وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً، وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً}.‏
وقد ذكره الله تعالى في مواضع كثيرة متفرقة من القرآن. وذكر قصته في مواضع متعددة مبسوطة مطولة وغير مطولة، وقد تكلمنا على ذلك كله في مواضعه من التفسير، وسنورد سيرته ها هنا من ابتدائها إلى آخرها من الكتاب والسنة وما ورد في الآثار المنقولة من الإسرائيليات التي ذكرها السلف وغيرهم إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.
قال الله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، طسم، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}.
يذكر تعالى ملخص القصة ثم يبسطها بعد هذا فذكر أنه يتلو على نبيه خبر موسى وفرعون بالحق، أي بالصدق الذي كأن سامعه مشاهد للأمر معاين له.
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً }، أي تجبّر وعتا وطغى وبغى وآثر الحياة الدنيا، وأعرض عن طاعة الرّب الأعلى، وجعل أهلها شيعا، أي قسم رعيته إلى أقسام وفَرِقٍ وأنواع، يستضعف طائفة منهم، وهم شعب بني إسرائيل، الذين هم من سلالة نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله، وكانوا إذ ذاك خيار أهل الأرض. وقد سلط عليهم هذا الملك الظالم الغاشم الكافر الفاجر يستعبدهم ويستخدمهم في أخس الصنائع والحرف وأرداها وأدناها ومع هذا {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ}.
وكان الحامل له على هذا الصنيع القبيح أن بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما بينهم ما يأثرونه عن إبراهيم عليه السلام من أنه سيخرج من ذريته غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه وذلك - والله أعلم - حين كان جرى على سارة امرأة الخليل من ملك مصر من إرادته إياها على السوء وعصمة الله لها. وكانت هذه البشارة مشهورة في بني إسرائيل فتحدث بها القبط فيما بينهم ووصلت إلى فرعون فذكرها له بعض أمرائه وأساورته وهم يسمرون عنده فأمر عند ذلك بقتل أبناء بني إسرائيل حذراً من وجود هذا الغلام ولن يغني حذر من قدر.
وذكر السدي عن أبي صالح وأبي مالك عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن أناس من الصحابة أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً قد أقبلت من نحو بيت المقدس فأحرقت دور مصر وجميعَ القبط ولم تضر بني إسرائيل. فلما استيقظ هاله ذلك فجمع الكهنة والحزقة والسحرة وسألهم عن ذلك؟ فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه فلهذا أمر بقتل الغلمان وترك النسوان.
ولهذا قال الله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ} وهم بنو إسرائيل {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ} أي الذين يؤول ملك مصر وبلادها إليهم {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} أي سنجعل الضعيف قوياً والمقهور قادراً والذليل عزيزاً، وقد جرى هذا كله لبني إسرائيل كما قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إسرائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} الآية. وقال تعالى: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إسرائِيلَ} وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه إن شاء الله.‏
والمقصود أن فرعون احترز كل الاحتراز أن لا يوجد موسى، حتى جعل رجالاً وقوابل يدورون على الحبالى ويعلمون ميقات وضعهن، فلا تلد امرأة ذكراً إلا ذبحه أولئك الذباحون من ساعته.
وعند أهل الكتاب أنه إنما كان يأمر بقتل الغلمان لتضعف شوكة بني إسرائيل فلا يقاومونهم إذا غالبوهم أو قاتلوهم.
وهذا فيه نظر بل هو باطل، وإنما هذا في الأمر بقتل الولدان بعد بعثة موسى كما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ} ولهذا قالت بنو إسرائيل لموسى {أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}.
فالصحيح أن فرعون إنما أمر بقتل الغلمان أولاً حذراً من وجود موسى.‏
هذا، والقدر يقول: يا أيها ذا الملك الجبار المغرور بكثرة جنوده وسلطة بأسه واتساع سلطانه، قد حكم العظيم الذي لا يغالب ولا يمانع ولا تخالف أقداره، أن هذا المولود الذي تحترز منه، وقد قتلت بسببه من النفوس ما لا يعد ولا يحصى لا يكون مرباه إلا في دارك، وعلى فراشك ولا يغذى إلا بطعامك وشرابك في منزلك، وأنت الذي تتبناه وتربيه وتتفداه، ولا تطلع على سر معناه. ثم يكون هلاكك في دنياك وأخراك على يديه، لمخالفتك ما جاءك به من الحق المبين، وتكذيبك ما أوحى إليه، لتعلم أنت وسائر الخلق أن رب السماوات والأرض هو الفعال لما يريد وأنه هو القويّ الشديد ذو البأس العظيم، والحول والقوة والمشيئة التي لا مرد لها.
وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن القبط شكوا إلى فرعون قلة بني إسرائيل بسبب قتل ولدانهم الذكور وخشي أن تتفانى الكبار مع قتل الصغار فيصيرون هم الذين يلون ما كان بنو إسرائيل يعالجون. فأمر فرعون بقتل الأبناء عاماً، وأن يتركوا عاما، فذكروا أن هارون عليه السلام ولد في عام المسامحة عن قتل الأبناء، وأن موسى عليه السلام ولد في عام قتلهم، فضاقت أمه به ذرعاً واحترزت من أول ما حبلت، ولم يكن يظهر عليها مخايل الحبل. فلما وضعت ألهمت أن تتخذ له تابوتاً ربطته في حبل وكانت دارها متاخمة للنيل فكانت ترضعه فإذا خشيت من أحد وضعته في ذلك التابوت فأرسلته في البحر وأمسكت طرف الحبل عندها فإذا ذهبوا استرجعته إليها به.‏
قال الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ، وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}.
هذا الوحي وحي إلهام وإرشاد، كما قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا، يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا..} الآية.
وليس هو بوحي نبوة كما زعمه ابن حزم وغير واحد من المتكلمين، بل الصحيح الأول كما حكاه أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة.
قال السهيلي: واسم أم موسى "أيارخا"، وقيل "أياذخت". والمقصود أنها أرشدت إلى هذا الذي ذكرناه، وألقي في خلدها وروعها أن لا تخافي ولا تحزني فإنه إن ذهب فإن الله سيرده إليك وأن الله سيجعله نبياً مرسلاً يعلي كلمته في الدنيا والآخرة. فكانت تصنع ما أمرت به فأرسلته ذات يوم وذهلت أن تربط طرف الحبل عندها فذهب مع النيل فمر على دار فرعون {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ}‏.
قال الله تعالى: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} قال بعضهم، هذه لام العاقبة، وهو ظاهر إن كان متعلقاً بقوله فالتقطه. وأما إن جعل متعلقاً بمضمون الكلام وهو أن آل فرعون قُيّضوا لالتقاطه ليكون لهم عدواً وحزناً صارت اللام معللة كغيرها والله أعلم. ويقوي هذا التقدير الثاني قوله {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ } وهو الوزير السوء {وَجُنُودَهُمَا} المتابعين لهما {كَانُوا خَاطِئِينَ} أي كانوا على خلاف الصّواب فاستحقوا هذه العقوبة والحسرة.
وذكر المفسرون أن الجواري التقطنه من البحر في تابوت مغلق عليه فلم يتجاسرون على فتحه حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف. وقيل إنها كانت من بني إسرائيل من سبط موسى. وقيل: بل كانت عمته. حكاه السهيلي فالله أعلم.
وسيأتي مدحها والثناء عليها في قصّة مريم بنت عمران وأنهما يكونان يوم القيامة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة.
فلما فتحت الباب وكشفت الحجاب رأت وجهه يتلألأ بتلك الأنوار النبوية والجلالة الموسوية، فلما رأته ووقع نظرها عليه أحبته حباً شديداً جداً. فلما جاء فرعون قال: ما هذا؟ وأمر بذبحه، فاستوهبته منه ودفعت عنه {وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} فقال لها فرعون: أما لك فنعم وأما لي فلا، أي لا حاجة لي به. والبلاء مُوكَّل بالمنطق وقولها: {عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا} وقد أنالها الله ما رَجَتْ من النفع. أما في الدنيا فهداها الله به، وأما في الآخرة فأسكنها جنته بسببه {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} وذلك أنهما تبنياه، لأنه لم يكن يولد لهما ولد. قال تعالى: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أي لا يدرون ماذا يريد الله بهم حين قيضهم لالتقاطه من النقمة العظيمة بفرعون وجنوده؟
وعند أهل الكتاب: أن التي التقطت موسى (دربتة) ابنة فرعون، وليس لامرأته ذكر بالكلية، وهذا من غلطهم على كتاب الله عز وجل.
وقال الله تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ، فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}.
قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو عبيدة والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم، {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً} أي من كل شيء من أمور الدنيا، إلا من موسى {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} أي لتظهر أمره وتسأل عنه جهرة {لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} أي صبرناها وثبتناها {لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَتْ لأُخْتِه} وهي ابنتها الكبيرة،{قُصِّيهِ}، أي اتبعي أثره واطلبي لي خبره {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ} قال مجاهد عن بعد. وقال قتادة: جعلت تنظر إليه وكأنها لا تريده. ولهذا قال {وَهُمْ لا يَشْعُرُون} وذلك لأن موسى عليه السلام لما استقر بدار فرعون أرادوا أن يغذوه برضاعة، فلم يقبل ثدياً ولا أخذ طعاماً، فحاروا في أمره واجتهدوا على تغذيته بكل ممكن فلم يفعل. كما قال تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} فأرسلوه مع القوابل والنساء إلى السوق لعلهم يجدون من يوافق رضاعته، فبينما هم وقوف به والناس عكوف عليه إذ بصرت به أخته فلم تظهر أنها تعرفه بل قالت: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}. قال ابن عباس: لما قالت ذلك قالوا لها: ما يدريك بنصحهم وشفقتهم عليه؟ فقالت: رغبة في سرور الملك، ورجاء منفعته.
فأطلقوها وذهبوا معها إلى منزلهم، فأخذته أمه، فلما أرضعته التقم ثديها، وأخذ يمتصه ويرتضعه، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً، وذهب البشير إلى {آسية} يعلمها بذلك، فاستدعتها إلى منزلها وعرضت عليها أن تكون عندها، وان تحسن إليها فأبت عليها، وقالت إن لي بعلاً وأولاداً، ولست أقدر على هذا، إلا أن ترسليه معي، فأرسلته معها ورتبت لها رواتب، وأجرت عليها النفقات والكساوي والهبات، فرجعت به تحوزه إلى رحلها، وقد جمع الله شمله بشملها.‏
قال الله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أي كما وعدناها برده ورسالته، فهذا رده، وهو دليل على صدق البشارة برسالته {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}.
وقد امتن الله على موسى بهذا ليلة كلمه، فقال له فيما قال: {مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى، إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى، أَنْ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} وذلك أنه كان لا يراه أحد إلا أحبه {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} قال قتادة وغير واحد من السلف: أي تطعم وترفه وتغّذى بأطيب المآكل، وتلبس أحسن الملابس بمرأى مني وذلك كله بحفظي وكلائتي لك فيما صنعت بك ولك وقدرته من الأمور التي لا يقدر عليها غيري {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنْ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً}. وسنورد حديث الفتون في موضعه بعد هذا إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلان.‏
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ، قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ}.
لما ذكر تعالى أنه أنعم على أمه برده لها وإحسانه بذلك وامتنانه عليها شرع في ذكر أنه لما بلغ أشده واستوى وهو احتكام الخَلْق والخُلقُ وهو سن الأربعين في قول الأكثرين آتاه الله حكماً وعلماً وهو النبوة والرسالة التي كان بشّر بها أمه حين قال {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ}.
ثم شرع في ذكر سبب خروجه من بلاد مصر وذهابه إلى أرض مدين وإقامته هنالك، حتى كمل الأجل وانقضى الأمد، وكان ما كان من كلام الله له وإكرامه بما أكرمه به كما سيأتي.
قال تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والسدي، وذلك نصف النهار. وعن ابن عباس بين العشائين.
{فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ} أي يتضاربان ويتهاوشان {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ} أي إسرائيلي {وَهَذَا مِنْ عَدُوِّه} أي قبطي. قاله ابن عباس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق.
{فَإسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}، وذلك أن موسى عليه السلام كانت له بديار مصر صولة بسبب نسبته إلى تبني فرعون له وتربيته في بيته وكانت بنو إسرائيل قد عزوا وصارت لهم وجاهة وارتفعت رؤوسهم بسبب أنهم أرضعوه وهم أخواله أي من الرضاعة فلما استغاث ذلك الإسرائيلي موسى عليه السلام على ذلك القبطي أقبل إليه موسى {فَوَكَزَهُ}. قال مجاهد: أي طعنة بجمع كفه. وقال قتادة بعصا كانت معه {فَقَضَى عَلَيْهِ} أي فمات منها.
وقد كان ذلك القبطي كافراً مشركاً بالله العظيم ولم يرد موسى قتله بالكلية وإنما أزاد زجره وردعه ومع هذا {قَالَ} موسى {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ، قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} أي من العز والجاه { فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ}.
{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ، فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ، فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
يخبر تعالى أن موسى أصبح بمدينة مصر خائفاً - أي من فرعون وملئه - أن يعلموا أن هذا القتيل الذي رفع إليه أمره إنما قتله موسى في نصرة رجل من بني إسرائيل فتقوى ظنونهم أن موسى منهم ويترتب على ذلك أمر عظيم.
فصار يسير في المدينة في صبيحة ذلك اليوم {خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} أي يلتفت فبينما هو كذلك إذا ذلك الرجل الإسرائيلي الذي استنصره بالأمس يستصرخه أي يصرخ به ويستغيثه على آخر قد قاتله، فعنّفه موسى ولامه على كثرة شره ومخاصمته، قال له: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}.
ثم أراد أن يبطش بذلك القبطي الذي هو عدو لموسى وللإسرائيلي فيردعه عنه ويخلصه منه فلما عزم على ذلك وأقبل على القبطي {قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ}.
قال بعضهم إنما قال هذا الكلام الإسرائيلي الذي اطلع على ما كان صنع موسى بالأمس، وكأنه لما رأى موسى مقبلاً إلى القبطي اعتقد أنه جاء إليه لما عنفه قبل ذلك بقوله {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}، فقال ما قال لموسى وأظهر الأمر الذي كان وقع بالأمس، فذهب القبطي فاستعدى موسى إلى فرعون. وهذا الذي لم يذكر كثير من الناس سواه. ويحتمل أن قائل هذا هو القبطي. وأنه لما رآه مقبلاً إليه خافه ورأى من سجيته جيداً للإسرائيلي، فقال ما قال من باب الظن والفراسة، إن هذا لعله قاتل ذاك القتيل بالأمس أو لعله فهم من كلام الإسرائيلي حين أستصرخه عليه ما دله على هذا والله أعلم.
والمقصود أن فرعون بلغه أن موسى هو قاتل ذلك المقتول بالأمس فأرسل في طلبه وسبقهم رجل ناصح من طريق أقرب {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} ساعياً إليه مشفقاً عليه فقال {يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ} أي من هذه البلدة {إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ} أي فيما أقوله لك.‏
قال الله تعالى {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} أي فخرج من مدينة مصر من فوره على وجهه لا يهتدي إلى طريق ولا يعرفه قائلاً {رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ، وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}.
يخبر تعالى عن خروج عبده ورسوله وكليمه من مصر خائفاً يترقب أي يتلفت خشية أن يدركه أحد من قوم فرعون وهو لا يدري أين يتوجه، ولا إلى أين يذهب، وذلك لأنه لم يخرج من مصر قبلها.‏
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ} أي اتجه له طريق يذهب فيه {قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ}. أي عسى أن تكون هذه الطريق موصلة إلى المقصود. وكذا وقع، فقد أوصلته إلى المقصود، وأي مقصود.
{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} وكانت بئراً يستقون منها. ومدين هي المدينة التي أهلك الله فيها أصحاب الأيكة وهم قوم شعيب عليه السلام. وقد كان هلاكهم قبل زمن موسى عليه السلام في أحد قولي العلماء.
وَلَمَّا وَرَدَ المَاءَ المذكور {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ} أي تكفكفان عنهما غنمهما أن تختلط بغنم الناس.
وعند أهل الكتاب أنهن كن سبع بنات. وهذا أيضاً من الغلط ولعلهن كن سبعاً ولكن إنما كان تسقى اثنتان منهن. وهذا الجمع ممكن أن كان ذاك محفوظاً، وإلا فالظاهر أنه لم يكن له سوى بنتين {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} أي لا نقدر على ورود الماء إلا بعد صدور الرعاء لضعفنا وسبب مباشرتنا هذه الرعية ضعف أبينا وكبره قال الله تعالى: {فَسَقَى لَهُمَا}.
قال المفسرون: وذلك أن الرعاء كانوا إذا فرغوا من وردهم وضعوا على فم البئر صخرة عظيمة فتجئ هاتان المرأتان فيشرعان غنمهما في فضل أغنام الناس، فلما كان ذلك اليوم جاء موسى فرفع تلك الصخرة وحده. ثم استقى لهما وسقى غنمهما ثم رد الحجر. كما كان. قال أمير المؤمنين عمر وكان لا يرفعه إلا عشرة وإنما استقى ذنوباً واحدا فكفاهما.
ثم تولى إلى الظل. قالوا: وكان ظل شجرة من السمر. وروى ابن جرير عن ابن مسعود أنه رآها خضراء ترف {فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}.
قال ابن عباس: سار من مصر إلى مدين لم يأكل إلا البقل وورق الشجر وكان حافياً فسقطت نعلا قدميه من الحفاء، وجلس في الظل - وهو صفوة الله من خلقه - وإن بطنه للاصق بظهره من الجوع، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه، وأنه لمحتاج إلى شق تمرة.
قال عطاء بن السائب لما قال: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} أسمع المرأة.
{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ، قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ، قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}.
لما جلس موسى عليه السلام في الظل وقال: {فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} سمعته المرأتان فيما قيل فذهبتا إلى أبيهما فيقال إنه استنكر سرعة رجوعهما؛ فأخبرتاه بما كان من أمر موسى عليه السلام، فأمر إحداهما أن تذهب إليه فتدعوه، {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}، أي مشى الحرائر، {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}. صرحت له بهذا لئلا يوهم كلامها ريبة. وهذا من تمام حيائها وصيانتها، {فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ} وأخبره خبره، وما كان من أمره في خروجه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نجلاء بندراني
0000000
0000000
نجلاء بندراني


عدد المساهمات : 467
نقاط : 739
تاريخ التسجيل : 14/12/2010
العمر : 45

قصة موسى وهارون عليهما السلام: Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة موسى وهارون عليهما السلام:   قصة موسى وهارون عليهما السلام: Emptyالخميس فبراير 03 2011, 00:06

12
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ولاء
0000000
0000000
ولاء


انثى عدد المساهمات : 420
نقاط : 703
تاريخ التسجيل : 18/12/2010

قصة موسى وهارون عليهما السلام: Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة موسى وهارون عليهما السلام:   قصة موسى وهارون عليهما السلام: Emptyالخميس فبراير 17 2011, 05:32

قصة موسى وهارون عليهما السلام: 4088
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد الابياري
*******
*******



عدد المساهمات : 140
نقاط : 208
تاريخ التسجيل : 02/01/2011
العمل/الترفيه : مصور تلفزيوني

قصة موسى وهارون عليهما السلام: Empty
مُساهمةموضوع: رد   قصة موسى وهارون عليهما السلام: Emptyالجمعة فبراير 18 2011, 07:53

قصص قرآني جميل مااجملها جزاكي الله الجنة قصة موسى وهارون عليهما السلام: 703940
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصة موسى وهارون عليهما السلام:
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصة سيدنا موسى والخضر عليهما السلام
» لوط عليه السلام
» قصة لوط عليه السلام:
» قصة موسى مع فرعون
» نجاة موسى الكليم وهلاك فرعون اللئيم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المشتاقون للجنة الشيخ صلاح حافظ الوادى الجديد  :: المنتدى الاسلامى :: قصص الأنبياء-
انتقل الى: