كثيرًا ما يحاول أصحاب الهوى أن يتهموا الإسلام بأنه هضم حقوق المرأة في المجتمع وفي الحياة، ولكنها محاولات تبوء كلها بالفشل الذريع، لأن الإسلام هو التشريع الوحيد الذي رفع من شأن المرأة وأعطاها من الحقوق والمكانة ما ليس لمثيلاتها في سائر الحضارات الأخرى، فالإسلام لم يفرق بين الرجل والمرأة في العمل الصالح، فهما على قدم المساواة عند الله فيما يقدمان من صالح الأعمال ولا يزيد حظ الرجل في هذا عن حظ المرأة مثقال ذرة، ولا ينقص حظ المرأة في هذا المجال عن حظ الرجل نقيرًا ولا قطميرًا، فترى القرآن الكريم يقول: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا}. وهكذا نرى أن الإسلام جعل الرجل والمرأة صنوين وفرسي رهان في كل عمل طيب ونافع، ولم يختص الرجل بفضل على المرأة في ميادين العمل الصالح والتمسك بالعقيدة، ولكن ما أدخله بعض المسلمين على الإسلام من بدع ليس من الإسلام في شيء والإسلام منها بريء، إن الإسلام لم يجعل المرأة قعيدة بيت أو حبيسة جدران، إنه يبيح لها أن تخرج لتقضي حوائجها إذا لم يكن لها من يعولها، كما أنه لم يحرمهامن العلم فقد كانت السيدة زينب بنت السيدة أم سلمة أفقه امرأة بالمدينة في زمانها، وكانت بعض فضليات المؤمنات يتصدرن مجالس العلم للتدريس والتثقيف أمثال السيدة خضرة الحجازية ومجالس علمها بجامع عمرو بن العاص، وكانت النساء يبايعن الرسول "صلى الله عليه وسلم" كما بايعه الرجال لكن بلا مصافحة، واشتهر نساء الأنصار بالتفقه في الدين حتى قال عنهن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" : «رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين».
إن أعداء الإسلام يغمزون من ناحية تعدد الزوجات، ولو علموا ما في التعدد من خير وحل لمشكلات جسام، لكانوا من أوائل المطالبين بتعدد الزوجات، فلم يشرع التعدد في الإسلام للمتعة الجنسية، فقد أنكر الرسول "صلى الله عليه وسلم" على الرجل الذواقة، وإليك بعض منافع التعدد:
- أيهما أكرم للمرأة وأحفظ لشخصيتها أن تكون حليلة؟ أم أن تكون خليلة؟
- لمن ينسب الأبناء في حالة المخاللة؟ أتجهض الخليلة؟ أم يرسل المولود إلى الملجأ فينشأ وهو لا يعرف له أبًا أوْ أمًّا؟
أيهما أشرف للرجل إذا أعجبته امرأة، هل يواصلها وراء ظهر أهلها، أم يذهب إلى أهلها في وضح النهار خاطبًا؟ - أيهما أحفظ لمال الرجل؟ إنفاقه على الخليلة لإرضائها والاستمتاع بها وهي تكلفه نفقات طائلة؟ أم وجودها في بيته، ينفق عليها كما ينفق على الزوجة الأخرى؟
هذه الخليلة التي فرطت في عرضها وأهدرت شرفها، وخانت طهارتها وابتذلت، من الذي يضمن لها الخليل؟ إنها تفعل مع غيره ما تفعله معه، والأعذار جمة، والمبررات وفيرة فتخونه كما يخون زوجته ودينه.
أيَّة ثقة معنوية أو مادية يمكن أن يجدها الرجل عند هذا الصنف من النساء؟ مع أن الثقة الزوجية من أعظم أسباب الهناءة في البيوت العائلية.
إن تعدد الزوجات رخصة شرعية، أما المخاللة فإنها خسة طينية وضيعة، ولا يرضى الضعة لنفسه إلا وضيع.
إن الخليلة قد تتاجر بأسرار زوجها، أما الحليلة فلا.. لأن أسراره أسرارها، والمحافظة عليها فيها خيرها وخير بنيها منه. إن انتشار هذا النوع من المعاشرة الجنسية المحرمة، مدعاة إلى شيوع الفاحشة بين الناس، في حين أن تعدد الزوجات يقي الأمم من أن تشيع الفاحشة المزرية المؤدية إلى دمار المجتمعات وبالتالي انهيار الأمة نفسها. وغير ذلك من الأضرار التي لا يحصيها عد ولا يحيط بها حصر. ومع كل ما تقدم فالإسلام يشترط أمرًا في حالة تعدد الزوجات، أن يكون الرجل عادلًا مع زوجاته في كل شيء، وألا يذر إحداهن معلقة، لا هي متزوجة ولا هي مطلقة، فإن لم يجد الرجل في نفسه القدرة على العدل بين نسائه، فمن الخير أن يكتفي بواحدة {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة} وهكذا نرى أن الذين يغمزون الإسلام في هذه الناحية، إن هم إلا جاهلون، أو متجاهلون. إن المرأة في الإسلام لم تكن كمًّا مهملًا ولا سلعة رخيصة، إنها كاملة الحرية في اختيار الزوج الذي تروقها عشرته، ولها أن تشترط على الخاطب ما تشاء مما يكفل لها راحتها وسعادتها، وقد خطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عائلة بنت زيد القرشية، فاشترطت عليه ألا يمنعها المسجد ولا يمنعها من التفقه في دينها. وهكذا نرى امرأة مسلمة لا يزدهيها أن تكون السيدة الأولى في دولتها، ولكنها تشترط لنفسها حتى ولو كان الخاطب أمير المؤمنين.. فهل تعقل فتيات اليوم شيئًا من هذا؟ أم يبهرها المظهر وتغريها الأوصاف حتى لو عاشت في قصر الرياسة حاسرة النفس كاسفة البال؟ وخطب عمر وطلحة والزبير وعلي– رضوان الله عليهم- أم أبان بنت عتبة، فاختارت عليهم طلحة في غير ما حرج، ولم يغضب واحد من الثلاثة الآخرين لأن إسلامهم يعلمهم أن هذا من حقها المطلق، وقد منع الإسلام الرجل من مضايقة امرأته لتفتدي نفسها {ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن} وهي إلى جانب ذلك موفورة الكرامة تراعى مشاعرها حتى لو كانت حادة الطباع سيئة العشرة، شكى رجل إلى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" امرأته لأن في لسانها شيئًا من البذاءة فقال له: «طلقها»، قال إنَّ لي منها ولدًا ولها صحبة، قال: «فمرها فإن كان فيها خير فستفعل» أيْ عظها، ولم يأمره بأن يسيء إليها، ولما نهى "صلى الله عليه وسلم" عن ضرب النساء والقسوة عليهن، قيل له: إنهن نشزن، فقال «اضربوهن ولا يضرب إلاَّ شراركم». وإذا كان رسول الله قدوتنا فلم يؤثر عنه أنه ضرب إحدى زوجاته أو شتمها، ولما غاضبته زوجاته لجأ إلى المسجد في صمت وهدوء! تدبر في المكانة السامية التي بلغتها المرأة في الإسلام .. فسترى عجبًا، إن أول من أسلم امرأة: هي السيدة خديجة بنت خويلد، وأول من استشهد في الإسلام امرأة هي «سمية»، وكان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يعين زوجاته في أعمالهن المنزلية فكان ينظم البيت، ويرقع الثياب ويعجن العجين، وكان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يعين المرأة على العمل ولا يرى فيه تعارضًا مع واجباتها المنزلية. وليست المرأة المسلمة مرغمة على تحمل شظف العيش في منزل الزوجية إلا إذا رضيت هذا التحمل عن طواعية ومشاركة، وقد أمر الله سبحانه، رسوله "صلى الله عليه وسلم" أن يخير أزواجه فاخترنه، والمرأة المسلمة لم تكن أقل شجاعة من الرجل في مواقف الردع والجد والنضال فقد شهدت فريعة بنت مالك بن سنان بيعة الرضوان، وكانت بيعة عدم الفرار عند اللقاء، وعانت نسيبة إلى جنب رسول الله في غزوة أُحد تمسح جراحه وتعينه على الخروج من الحفير، وكانت ليلى الغفارية تخرج مع المجاهدين تداوي الجرحى وتقوم على تمريض المرضى، وكانت قيلة الأنمارية تاجرة تبيع وتشتري، وقد قتلت أسماء بنت يزيد يوم اليرموك تسعة من الروم بعامود فسطاطها.