الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد : ــ
تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين السيدة القرشية ، أم حبيبة - رضي الله عنها - .
اسمها ، ونسبها : هي رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي .
كنيتها : " أم حبيبة " وهي ابنتها من زوجها قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم . أنجبتها في مكة ، وبها كانت تُكنَّي . [ أخرجه ابن سعد 8 / 97 من طريق الواقدي ]
أسم أمها : صفية بنت أبي العاص بن أميّة ، عمة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، وهي من بنات عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس في أزواجه من هي أقرب نسبا إليه منها . [ قاله الإمام الذهبي في السير 2 / 219 ] .
أخوها : كاتب الوحي ، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخليفة الراشد معاوية بن أبى سفيان - رضي الله عنه – ، ولمكانه منها كان يقال له : " خال المؤمنين " .
زوجها قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم : كانت زوجة لعُبيد اللَّه بن جحش بن رباب الأسدي " أسد خزيمة " ، وكان قد تنصر في الجاهلية ، وترك عبادة الأصنام ، ثم أسلم وزوجه السيدة أم حبيبة - رضي الله عنها – وخرج مهاجرا بها من مكة إلى الحبشة في الهجرة الثانية ، وفى الحبشة ارتد عبيد اللَّه بن جحش عن الإسلام ، واعتنق النصرانية ، ومات مرتدا متنصرا .
ذكر [ ابن عساكر في مختصر تاريخ دمشق ] و [ ابن سعد في الطبقات 8 / 97 ] و [المستدرك 4 / 20 – 22 ] قصة ارتداده بقولهم : قالت السيدة أم حبيبة - رضي الله عنها – : [ رأيت في النوم كأن عبيد اللَّه بن جحش زوجى بأسوأ صورة وأشوهها ، ففزعتُ ، فقلت : تغيرتْ واللَّه حاله ! ، فإذا هو يقول حيث أصبح : يا أم حبيبة ، إنى نظرت في الدين فلم أر دينًا خيرًا من النصرانية ، وكنت قد دِنتُ بها ، ثم دخلت في دين محمد ، وقد رجعتُ . فأخبرتُهُ بالرؤيا ، فلم يحفِـل ( يهتم ) بها ، وأكبّ على الخمر ، قالت : فأريت قائلا يقول : يا أم المؤمنين ، ففزعت فأولتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني ] . وذكرت القصة بطولها وهي منكرة . انظر : [ سير اعلام النبلاء جـ 2 ص 221 ] .
وثبتت السيدة أم حبيبة - رضي الله عنها – على دينها في غربتها ، واستمسكت بعقيدتها ... فنجاها اللَّه تعالى بصبرها ، وأعقبها زوجًا خيرًا من زوجها ، أبدلها به خير البرية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .
تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي نائية الدار ، بعيدة عنه في الحبشة ، فُقدَ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضّمْري إلى النجاشي ملك الحبشة يخطب عليه أم حبيبة ، فتولّى أمر تزويجها ، وجهازها ، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار ، وأجرى العقد خالد بن سعيد بن العاص بن أمية ، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة ] أخرجه أبو داود ( 2107 ) في النكاح : باب الصداق بإسناد صحيح . والنسائي [ 6 / 119 ] في النكاح : باب القسط في الأصدقة ، وأحمد ( 6 / 427 ) .
وعُقدّ عليها للنبي صلى الله عليه وسلم سنة ست للهجرة ، كان الوليّ عثمان بن عفان - رضي الله عنه - . انظر : المستدرك [ 4 / 20 ] و
[ الإستيعاب 13 / 4 ] أخرجه [ ابن سعد في الطبقات 8 / 98 – 99 ] و [ سير أعلام النبلاء جـ 2 / 220 - 221 ] .
وروى ابن سعد في الطبقات [ 8 / 99 ] عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالي : (عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً) [ الممتحنة : 7 ] حين تزوج السيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان - رضي الله عنها – .
وقد أورده ابن كثير في تفسيره عن مقاتل بن حيان ثم قال : [ وفي هذا الذي قاله مقاتل نظر ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوّج بأم حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح ، وأبو سفيان إنما أسلم ليلة الفتح بلا خلاف ] انظر : [ تفسير القرآن العظيم جـ 4 ص 448 ] .
وبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها في السنة السابعة للهجرة بعد صلح الحديبية ، وكان لها من العمر يوم قدمت إلى المدينة بضع وثلاثون سنة . أخرجه [ ابن سعد في الطبقات 8 / 99 ] و [ سير أعلام النبلاء جـ 2 / 220 ] .
ولما بلغ أبا سفيان بن حرب خبر زواج النبي صلى الله عليه وسلم من ابنته وقد كان مشركا قال : [ ذلك الفحل لا يُقرع أنفه ] .
أي : ذاك الرجل الصالح الكفء الكريم الذي لا يُرد نكاحه ) .
وأورد ابن الجوزي في صفوة الصفوة عن الزهري قال : [ لما قدم أبو سفيان من المدينة ، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزو مكة ، فكلّمه أن يزيد في هدنة الحديبية ، فلم يُقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام ودخل على ابنته السيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان - رضي الله عنها – فلما ذهب ليجلس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم طوته دونه ، فقال : يا بنية أرغبتِ بهذا الفراش عنى ؟ ، أم بي عنه ؟ فقالت : بل هو فراش رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وأنت امرؤ نجس مشرك ، قال : يا بنية لقد أصابك بعدى شر ] . انظر :
[ صفوة الصفوة 2 / 46 ] و [ طبقات ابن سعد في 8 / 99 - 100 ] و [ سير أعلام النبلاء جـ 2 / 220 - 221 ] .
هذا وقد أسلم أبوها أبو سفيان - رضي الله عنه - في فتح مكة ، وحسن إسلامه ، وأعطى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن دخل داره الأمان ، فقال : " ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن " .
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان - رضي الله عنها – يوما تقول : اللهم متعني بزوجي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، وبأبي أبي سفيان ، وبأخي معاوية فقال لها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم موجها - بأبي هو وأمي - في الحديث الصحيح الذي رواه المعرور بن سويد عن عبدالله بن مسعود قال : قالت أم حبيبة بنت أبي سفيان : اللهم متعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد سألت الله لآجال مضروبة ، وآثار معدودة ، وأرزاق مقسومة ، لن يعجل شيئا قبل محله ، أو يؤخر شيئا عن أجله ، ولو سألت الله يعيذك من عذاب النار أو من عذاب في القبر كان خيرا وأفضل ) قال : وذكره عنده القردة والخنازير هن مسخ قال : إن الله تعالى لم يمسخ شيئا فجعل له نسلا ولا عقبا وكانت القردة والخنازير قبل ذلك ) والحديث أخرجه مسلم وإسناده صحيح طريق أخرى في المسند عن ابن مسعود بقصة المسخ فقط . انظر : [ ظلال الجنة 1 / 262 ] .
روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه عن عمرو بن أوس عن قال : حدثني عنبسة بن أبي سفيان في مرضه الذي مات فيه بحديث يتسارّ إليه ، قال : سمعت أم حبيبة تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بنى له بهنّ بيت في الجنة ) رواه مسلم يرقم 728 / 104 .
وروى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن زينب بنت أبي سلمة قالت : [ دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفّي أبوها أبو سفيان بن حرب ، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة ، خلوف أو غيره فدهنت منه جارية ثم مسّت بعارضيها ، ثم قالت : والله ما لي بالطيب من حاجة غير اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يحل لامرأة ت ؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ) صحيح البخاري 5024 .
روت أم المؤمنين السيدة أم حبيبة رضي الله عنها 65 حديثا . اتفق البخاري ومسلم لها على حديثين ، وتفرّد مسلم بحديثين . وروى عنها كثير من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم أجمعين - .
وكانت السيدة أم حبيبة - رضى اللَّه عنها – ورعة تقية ، تحرص دائمًا على مراقبة اللَّه - عز وجل - ابتغاء مرضاته ، فقد قالت السيدة عائشة - رضى اللَّه عنها - : [ دعتنى أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند موتها ، فقالت : قد كان يحدث بيننا ما يكون بين الضرائر ، فغفر اللَّه لي ولك ما كان من ذلك . فقلت : غفر الله لكِ ذلك كله وتجاوزه ، وحلَّك من ذلك كله . فقالت : سررتِنى سركِ الله، وأرسلتْ إلى أم سلمة - رضى اللَّه عنها - فقالت لها مثل ذلك ] أخرجه الحاكم [ 4 / 22 - 23 ] و ابن الجوزي في [ صفوة الصفوة 2 / 46 ] و [ طبقات ابن سعد [ 8 / 100 ] .وامتد العمر بأم حبيبة - رضى اللَّه عنها – إلى عَهْدِ أخيها معاوية بن أبى سفيان - رضى اللَّه عنه ، وتوفيت في سنة أربع وأربعين للهجرة وقبرها بالمدينة .
رضي الله عنها وأرضاها ، وجعل الفردوس الأعلى مأواها ، وجمعنا بها في أعلى عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .