التؤدة والتأني
والأناة خُلُقٌ يحبه الله - تبارك وتعالى - ويتصف به العقلاءُ الموفَّقون فلا يقدمون على أمر إلا بعد دراسة وتحقق ولا يتلفَّظون بكلام إلا بعد تروٍّ ونظر فيوفَّقون غالباً إلى الصواب فيَسْعَدون ويُسْعِدون.
إن الإنسان بطبعه عجول يود لو أدرك كل شيء بسرعة (وكان الإنسان عجولاً ) { الإسراء :11}.
ولما كانت هذه العجلة تجلب على صاحبها المتاعب وتوقعه في الإشكالات ندب الشرع إلى تربية النفس على التأني في أمور الدنيا ونقصد بالتأني هنا : عدم العجلة في طلب الأشياء والتمهل في تحصيلها .
وإذا كان الله - تعالى - قد قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم : -
(وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (طـه:114) . وهذا في تلقي القرآن فإن التأني يكون مطلوباً من الإنسان في أمور حياته كلها .
التأني من الله والعجلة من الشيطان :
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال
التأني من الله والعجلة من الشيطان ....
و إذا كان التأني من الله فإن الله يحبه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة(البخاري ومسلم).
التأني في الدعاء :
ونقصد به أن يقدم المسلم بين يدي دعائه الثناء على الله والصلاة على نبيه فإن ذلك أرجى لقبول دعائه أما أن يدخل في الدعاء مباشرة فإنه من العجلة فقد سمع الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي فقال له: عجلت أيها المصلي وسمع رجلاً يصلي فمجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادع تُجب وسل تعط .
ومن العجلة في الدعاء أن يستبطأ الإجابة فيترك الدعاء بزعم أنه يدعو ولا يستجاب له .
التأني المذموم :
على الرغم من فضائل التأني وامتداحه عقلاً وشرعاً فإن هناك نوعاً منه ليس من التأني الممدوح إنه التأني في أمر الآخرة وإنه في الحقيقة تثاقل ونوع غفلة ينبغي أن يجاهد المسلم نفسه للتنزه عنه ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
التؤدة ( أي التأني والتمهل ) في كل شيء إلا في عمل الآخرة (رواه أبو داود وصححه الألباني) ومن التأني المحمود التأني في القضاء بأن يسمع القاضي طرفي النزاع فيسمع من الثاني كما سمع من الأول فإنه أحرى أن تبين له القضاء .
والأناة مطلوبة في العلماء وذوي الرأي والوجاهة إذا تكلموا أو كتبوا
والأناة مطلوبة من الطالب الذي يدخل قاعة الامتحان ويُعطى ورقةَ الامتحان.. إن عليه أن يتأنَّى وينظر فيها بتأملِ واعٍ ويفهم الأسئلة ثم يشرَع بالإجابة ولا يَعجَل.
والأناة مطلوبة من الفتى الذي يريد الزواج ومطلوبة من أهل الفتاة المخطوبة ومنها أيضاً فلا يجوز أن يتسرَّع أيٌّ منهما في إبرام الأمر بل على كل من الطرفين السؤالُ والبحث والاستشارة والاستخارة والتثبت من صلاحية هذا الاختيار.
و علينا أخوتى أن ندرب أنفسنها على خلق التأنى و أن نتجنب العجلة
و يمكن التخلص من الاستعجال بأمور منها:
1- إمعان النظر في الآثار و العواقب المترتبة على الاستعجال
فإن ذلك مما يهدئ النفس ويحمل على التريث و التأني .
2- دوام النظر في كتاب الله عز وجل فإن ذلك يبصرنا بسنن الله في الكون وفي النفس
وفي التشريع ومع العصاة و المكذبين و البصيرة بهذه السنن تهدئ النفس وتساعد على التأني والتروي
قال الله تعالى :- ( ... سأريكم آياتي فلا تستعجلون )
3- دوام المطالعة في السنة و السيرة النبوية فإن ذلك مما يوقعنا على مقدار
ما لاقى النبي صلى الله عليه وسلم من الشدائد و المحن وكيف أنه تحمل وصبر ولم يستعجل
حتى كانت العاقبة له وللمنهج الذي جاء به .
4- مطالعة كتب التراجم و التاريخ ، فإن ذلك مما يعرفنا بمنهج أصحاب الدعوات
والسلف في مجابهة الباطل وكيف أنهم تأنوا وتريثوا حتى مكن لهم وهذا بدوره يحمل على الاقتداء و التأسي
5- العلم بأن وعد الله آت لا ريب فيه. (ولا تحسبن الله غفلاً عما يعمل الظلمون) .
6- النظر إلى سنن الله في الغابرين الذين استعجلوا العذاب ، فأصبح لا يرى إلا مساكنهم
عبرة لكن معتبر (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات).
7- مجاهدة النفس وتدريبها على ضرورة التريث والتأني والتروي ..
فإنما الحلم بالتحلم ومن يتصبر يصبره الله
8- الانتباه إلى الغاية أو الهدف الذي من أجله يحيا المسلم ..فإن ذلك يحول دون الاستعجال
ويحمل على إتقان المقدمات والوقوف عندها وعدم تجاوزها إلى النتائج
فلنكن يا أخوتي متأنيين في أمور دنيانا كلها نسعد ونفرح ولا نندم إن شاء الله.
[url=]1[/url]
[url=]1[/url]