يحكى
أن أحد الحكماء خرج مع ابنه خارج المدينة ليعرفه على تضاريس الحياة في جو
نقي .. بعيد عن صخب المدينة وهمومها سلك الاثنان وادياً عميقاً تحيط به
جبال شاهقة وأثناء سيرهما تعثر الطفل في مشيته سقط على ركبته صرخ الطفل على
إثرها بصوتِ مرتفع تعبيراً عن ألمه : آآآآه فإذا به يسمع من أقصى الوادي
من يشاطره الألم بصوت مماثل : آآآآه نسي الطفل الألم وسارع في دهشةٍ سائلاً
مصدر الصوت : ومن أنت ؟؟ فإذا الجواب يرد عليه سؤاله : ومن أنت ؟ انزعج
الطفل من هذا التحدي بالسؤال فرد عليه مؤكداً : بل أنا أسألك من أنت ؟ ومرة
أخرى لا يكون الرد إلا بنفس الجفاء والحدة : بل أنا أسألك من أنت ؟ فقد
الطفل صوابه بعد أن استثارته المجابهة في الخطاب فصاح غاضباً : أنت جبان !
فهل كان الجزاء إلا من جنس العمل وبنفس القوة يجيء الرد : أنت جبان أدرك
الصغير عندها أنه بحاجة لأن يتعلم فصلاً جديداً في الحياة من أبيه الحكيم
الذي وقف بجانبه دون أن يتدخل في المشهد الذي كان من إخراج ابنه قبل أن
يتمادى في تقاذف الشتائم تملك الابن أعصابه وترك المجال لأبيه لإدارة
الموقف حتى يتفرغ هو لفهم هذا الدرس تعامل الأب كعادته بحكمة مع الحدث وطلب
من ولده أن ينتبه للجواب هذه المرة وصاح في الوادي : إني أحترمك ! كان
الجواب من جنس العمل أيضاً فجاء بنفس نغمة الوقار : إني أحترمك
عجب
الشاب من تغير لهجة المجيب ولكن الأب أكمل المساجلة قائلاً : كم أنت رائع !
فكان الرد على تلك العبارة الراقية : كم أنت رائع ذهل الطفل مما سمع ولكن
لم يفهم سر التحول في الجواب ولذا صمت بعمق لينتظر تفسيراً من أبيه لهذه
التجربة الفيزيائية علق الحكيم على الواقعة بهذه الحكمة : أي بني نحن نسمي
هذه الظاهرة الطبيعية في عالم الفيزياء (صدى) لكنها في الواقع هي الحياة
بعينها إن الحياة لا تعطيك إلا بقدر ما تعطيها ولا تحرمك إلا بمقدار ما
تحرم نفسك منها الحياة مرآة أعمالك وصدى أقوالك إذا أردت أن يحبك أحد فأحب
غيرك وإذا أردت أن يوقرك أحد فوقر غيرك إذا أردت أن يرحمك أحد فارحم غيرك
وإذا أردت أن يسترك أحد فاستر غيرك إذا أردت الناس أن يساعدوك فساعد غيرك
وإذا أردت الناس أن يستمعوا إليك ليفهموك فاستمع إليهم لتفهمهم أولاً لا
تتوقع من الناس أن يصبروا عليك إلا إذا صبرت عليهم ابتداء أي بني هذه سنة
الله التي تنطبق على شتى مجالات الحياة وهذا ناموس الكون الذي تجده في كافة
تضاريس الحياة إنه صدى الحياة ستجد ما قدمت وستحصد ما زرعت .