لدين النصية ، و المعاملة ، عبارتان مشهورتان على لسان المسلمين تلقوهما من النبي صلى الله عليه و سلم ، فالدين هو النصيحة و هو المعاملة ، اختصره فيهما من أوتي جوامع الكلم ، ليتمم مكارم الأخلاق و على قدر اشهار هاتين العبارتين على ألسنة المسلمين ، قل العمل بهما ، و فشا الإعراض عن هدايتهما فالدين :
شاء لله تعالى أن يكون أساس المعاملة الحسنة الجامعة لفضائل السلوك و مكارم الأخلاق ، في علاقة الإنسان بربه و نبيه ، و نفسه و أسرته ، و مجتمعه و أمته ،
و الإنسانية فإن : ( خير الناس أنفعهم للناس ) و ( المؤمن كالغيث أينما وقع نفع )
و المقصود الأسمى من الدين الذي شرعه الله تعالى هو تحقق مصالح للعباد كالمعاملة الحسنة القامة على العدل
و لكن من المسلمين من لم يعرف من الدين أنه شعائر تعبدية بين العبد و ربه من أداها فلا عليه يبسط يده و لسانه بالسوء لإخوانه ، بل إن من المسلمين من أصبح يرى في التدين غباء و عجزا ،
يأخذ في المكر و السخرية بالصالحين ، و إنه ليندهش و يصدم إن رأى أحد الصالحين ،
فاق أقرائه ذكاء و موهبة ، أو علما و عملا و مالا و الشعوب الإسلامية على ما يجمعها من روابط الأخوة الإيمانية ضربت أنظمتها أسوا أمثال في المعاملة فيما
بينها حتى استعملت الأسلحة الفتاكة و الجيوش الجرارة للقضاء على ما بقي من رحم الأخوة ، و حل السلام مع اليهود و النصارى محل الولاء الإيماني و إيتاء ذي القربي و فضل كل المختلفة على الحضور للمؤتمرات العربية و الإسلامية
و شاء الله تعالى أن تكون النصيحة أساسا للدين ، بل هي
الدين نفسه الذي ابتناه الله سبحانه على نزاهة النية
و القصد ، و طهارة السريرة من الغش و الحقد و امتلاء
الضمير و القلب بمحبة الله و دينه و خلقه ، واشتغال العقل
و الفكر في ما هو خير للبلاد ، و العباد ، و بذل النفس و المال
لدفع الفساد الواقع أو المتوقع في دين الناس و دنياهم
بيد أن من الناس من لا يرى حرجا في امتلاء قلبه
ضغينة على المسلمين ، و تدنس قصد بترجيح هواه
و شهوته على مصالح دينه وأمته ، و تشوه عمله و تجارته
بغش المسلمين و خيانة أماناتهم
و رأينا كيف أن كلمة الحق الواحد تحرج بل تجرح كبرياء الزعماء و القدة ، و حتى الدعاة ، فتضيق عليهم فسخه النصيحة و يطوحون بالأمة في مهاوي الاستبداد
و مضايق التفريق و الفساد و الاستعباد
فمن هنا يزول العجب لمن يتعجب من امتلاء دنيا المسلمين بفسادهم في الوقت الذي امتلأت المساجد بأجسادهم